إعلان

القرارات التركية الجديدة بحق السوريين.. نهاية سنوات العسل!

04:18 م الجمعة 19 يوليو 2019

سوريين

برلين (دويتشه فيله)

قرارات جديدة وتفعيل أخرى قديمة وتشديد في تطبيق قرارات أخرى، تطورات قد تنبئ بانعكاسات قريبة على وضع السوريين في تركيا وخاصة فيما يتعلق بالإقامة والعمل والرعاية الطبية. كيف أصبح "كرم الضيافة" التركي على المحك؟

يوم السبت الماضي (13 يوليو 2019) قد يؤرخ له يوماً ما، كنقطة تحول أساسية عند تناول قضية اللاجئين السوريين في تركيا. وزير الداخلية، سليمان صويلو، ومسؤولون كبار اجتمعوا بصحفيين سوريين وعرب في إسطنبول. الوزير التركي أكد أن بلاده "أعدت خطة تنفيذية تشمل ثلاثة ملفات: الهجرة غير القانونية، والهجرة النظامية، ووضع الحماية المؤقتة"، حسب ما جاء في خبر نقلته وكالة الأناضول الرسمية.

إبراهيم العلبي، وهو صحفي يعمل في النسخة العربية من صحيفة "ديلي صباح" المقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم، كان حاضراً الاجتماع وقدم توضيحات أكثر على حسابه على فيسبوك: "تنظيم ملف الهجرة يعني تطبيق القوانين كاملة على السوريين كتجار وكمحلات وكأفراد بضرورة حصولهم على التراخيص المناسبة وحملهم للأوراق الثبوتية وتصاريح العمل بالنسبة للعاملين". وفي ما يخص الإقامة ذكر الصحفي السوري أن من لا يحمل إقامة نظامية في إسطنبول "معرّض" للترحيل إلى بلده، ومن يحمل "إقامة الحماية المؤقتة" (كيملك) من ولاية أخرى سيتم إرجاعه إليها. كما نقل العلبي عن الوزير التركي تشديده على الصرامة في تطبيق القانون بحق مرتكبي الجرائم المتعلقة بالتهريب والتزوير وغيرها.

والجمعة الماضية تناقلت مواقع صحفية ونشطاء سوريون قول الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن بلاده "ستوقف الخدمات الطبية المجانية المقدمة للسوريين". رئيس مكتب تركيا في مؤسسة هاينرش بول المقربة من حزب الخضر الألماني، كريستيان براكل، يجد في حديث مع "مهاجر نيوز" أن الأكثر خطورة بين القرارات هو ما يخص الرعاية الطبية.

بين مطرقة المعارضة وسندان الحكومة

توقيت القرارات التركية مرتبط، حسب الأستاذ الجامعي والمتخصص في القضايا التركية والإقليمية، د. سمير صالحة، بالسياسة الداخلية التركية، في إشارة مباشرة لهزيمة مرشح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية في إسطنبول، متحدثا مع "مهاجر نيوز" عن انتقال اللاجئين السوريين من المناطق الحدودية مع سوريا واتجاههم للعمق التركي وتركزهم في مدن كإسطنبول وأضنة وأنقرة ومرسين ومنطقة بحر إيجة كإزمير وغيرها.

وفي نفس الاتجاه يذهب كريستيان براكل، وهو أيضاً باحث مشارك في "الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية": "الاستياء من السوريين هو أحد أسباب خسائر حزب العدالة والتنمية في المدن الكبرى"، معتقداً أن حكومة حزب العدالة والتنمية تحاول إعادة الناخبين لصفها على "حساب" السوريين.

تستضيف تركيا أكثر من 3.6 مليون سوري وتضم محافظة إسطنبول وحدها أكثر من نصف مليون سوري وفقاً لوزارة الداخلية التركية.

الخصوم السياسيون لأردوغان انتقدوا سماحه بدخول هذا العدد الكبير من اللاجئين السوريين. أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول قال: "الأتراك يعانون من تدفق السوريين على البلاد. سنبذل الجهد لإيجاد أسس لعودة المهاجرين السوريين إلى ديارهم، وإلا ستكون لدينا بعض المخاوف الأمنية التي ستزعجنا جميعا وستقع اشتباكات في الشوارع". كما عبر أكرم إمام أوغلو عن استيائه من عدد اللافتات المكتوبة باللغة العربية في بعض الأحياء. وقال "هنا تركيا! هنا إسطنبول!".

الحزب الحاكم سعى لتدارك الأمر بالتركيز بشكل متزايد على إلقاء الضوء على أعداد السوريين الذين يقول إنهم عادوا إلى مناطق في شمال سوريا تسيطر عليها حالياً قوات تركية ومعارضون سوريون متحالفون معها. وقال أردوغان: "نحاول توسعة المنطقة الآمنة على امتداد حدودنا بقدر المستطاع حتى يتمكن اللاجئون السوريون في بلادنا من العودة لبلادهم. في الوقت الراهن عاد 330 ألفاً، لكنني أعتقد أنه حين تُحل المشكلات في منبج وشرق الفرات سيصل العدد سريعاً إلى مليون".

الاقتصاد والمزاج العام

أشعل الركود الاقتصادي ومعدلات التضخم العالية، التي بلغت 30 في المئة العام الماضي و10 في المئة إضافية هذا العام، وارتفاع معدلات البطالة الغضب تجاه السوريين الذين ينظر الأتراك للكثيرين منهم باعتبارهم عمالة رخيصة تستولي على الوظائف وتستفيد من الخدمات العامة.

تململ بعض الأتراك انعكس أيضاً بنوبات عنف تستهدف متاجر وممتلكات السوريين كالتي حدثت قبل حوالي أسبوع في حي كوتشوك تشيكمجه في إسطنبول. بدأ كل شيء من شائعة نفتها السلطات، تفيد أن صبياً سوريا تلفظ بكلام مسيء مع فتاة تركية. واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه لتفريق المهاجمين لكنهم كانوا قد دمروا بالفعل الكثير من المتاجر السورية في الحي ومزقوا اللافتات المكتوبة بالعربية.

اللاجئ السوري أحمد، وهو بائع للخضار والفاكهة في حي كوتشوك تشيكمجه ، يخشى تفاقم الوضع. وقال "هذه المرة استخدموا الحجارة، لكن من يدري ما إذا كانوا سيشهرون يوماً ما السلاح في وجهي؟".

وتسري بين الحين والآخر أقوال عن تجاوزات قانونية واجتماعية يقوم بها بعض الشباب السوري في تركيا وينعكس ذلك مباشرة على صفحات التواصل الاجتماعي. إذ تصدر هاشتاغ SuriyelilerDefoluyor# (ليخرج السوريون من هنا) مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا. وفي المقابل خرجت هاشتاغات تدافع عن السوريين مثل KardeşimeDokunma# (لا تعتدِ على أخي) وآخر suriyelileryalnızdeğildir# (السوريون ليسوا وحدهم). أحد المغردين قارن التغريدات المعادية بما يفعله "النازيون" الألمان ضد المهاجرين الأتراك في ألمانيا.

وبعد نوبة العنف صدر قرار من بلدية إسطنبول يلزم المتاجر أن تكون نسبة 75 بالمئة على الأقل من اللافتات بالتركية وليست بالعربية بشكل كامل.

موجة لجوء جديدة صوب أوروبا؟

نوبات العنف غالبا ما تكون واسعة النطاق نادرة الحدوث باستثناء هجوم واحد آخر كبير وقع هذا العام في غرب إسطنبول كذلك في شباط/فبراير. لكن السوريين يتداولون وقائع صغيرة على مواقع التواصل الاجتماعي ويخشى البعض من تصاعد التوترات، وخاصة في ضوء ما تكشفه دراسات واستطلاعات للرأي.

أفادت دراسة نشرتها جامعة قادر هاس في إسطنبول بداية شهر تموز/يوليو الجاري أن نسبة الأتراك المستائين من وجود السوريين ارتفعت من 54,5 بالمئة عام 2017 إلى 67,7 بالمئة في 2019.

وقبل أيام ذكر الموقع الإلكتروني لمجلة "دير شبيغل" الألماني أن دراسة لجامعة تركية أخرى تعود للعام 2017 كشفت أن 86 بالمئة من الأتراك يريدون أن يترك السوريون بلادهم.

الحالة النفسية للسوريين في تركيا عكستها وسائل التواصل الاجتماعي: قلق ووقوع ضحية للغموض وتساؤلات لا تنتهي والتفكير في حزم الحقائب والرحيل من جديد. بعد صدور القرارات الجديدة روى الكاتب والسينارست حافظ قرقوط، الذي يقيم اليوم في السويد، على صفحته في الفيسبوك صعوبات وصوله من غازي عنتاب، حيث كان يقيم، إلى إسطنبول لمقابلة المسؤولين في السفارة السويدية، عازياً ذلك لمنع السلطات التركية تنقل السوريين بين الولايات إلا بموافقة أمنية. ويتابع السوري سرد تفاصيل ما جرى معه: "في المطار أوقف الأمن التركي كافة السوريين جانباً في نفس صالة المسافرين، وجعلوا كل شخص منا يحمل جواز سفره أو ورقته ويضعها أسفل ذقنه ليلتقطوا له صورة هي أشبه بالتعامل مع المتهمين بغض النظر عن أعمارنا.. كانت مؤلمة تلك الحالة". ويتابع الكاتب متذكراً ما توقعه آنذاك: "سأغادر هذه البلاد الجميلة بأي ثمن فالقادم أخشى أنه للأسوأ".

رئيس مكتب تركيا في مؤسسة هاينرش بول المقربة من حزب الخضر الألماني، كريستيان براكل، لا يعتقد أن القرارات الحكومية الجديدة ستؤدي إلى موجة لجوء كبرى إلى أوروبا كالتي شهدتها القارة العجوز عام 2015، مبرراً ذلك بإحكام إغلاق طريق البلقان. بيد أنه نوّه إلى أن الوضع الاقتصادي الصعب قد يزيد الضغط على المدى المتوسط.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: