إعلان

لبنان بين جبران والحريري

أسامة شرشر

لبنان بين جبران والحريري

أسامة شرشر
09:02 م الإثنين 28 يونيو 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لا أحد كان يتخيل أو يتصور أن يصل لبنان إلى هذا المشهد العبثي الذي يدفع ثمنه الشعب اللبناني وحده، بسبب اختلاف جبران باسيل، صهر دولة الرئيس عون الذي أعتبره كوشنر لبنان، لأنه يذكرني بجاريد كوشنر، وسعد الحريري، رئيس الوزراء المستقيل والعائد لتشكيل الحكومة.

الغريب أن العالم العربي الذي كان يصنف لبنان على أنه سويسرا الشرق والمصدر الأول للفكر والثقافة والمعرفة والصحافة، حتى قيل فيه إن الصحف تُطبع في لبنان وتُقرأ في القاهرة- لم يحرك ساكنًا وهو يرى الشعب اللبناني لا يجد قوت يومه، حتى وصل الأمر لإرسال مساعدات إنسانية ليس للشعب فحسب، ولكن للجيش الوطني اللبناني نفسه، وهذا الأمر في حد ذاته يجب أن يكون رسالة للجميع، اختلفوا كما شئتم، ولكن لا تنهبوا الأرض وتسرقوا الشعب، لأن المحاصصة والطائفية نتائجها وبال على الجميع.

وهذه الطائفية والمحاصصة السياسية ستظل هي اللغز المحير في التركيبة السياسية اللبنانية، فقد رأينا نتائجها التي حولت لبنان بشعبه وثقافته وحضارته لحطامٍ يتهاوى ونحن نشاهده يسقط بهذا الشكل الدرامي، والجميع يتفرج والأموال تُنهب ليل نهار والنُّخب والصفوة والنواب والسياسيون ما زالوا يختلفون لمجرد الاختلاف، والجميع متمسك بهذه المحاصصة.

أعتقد أن الشارع اللبناني وصل إلى مرحلة اللاعودة، فالليرة، العملة الرسمية للدولة، أصبحت مشاعًا في الضياع، لا قيمة لها، والحد الأدنى لحاجات المواطنين غير متوفر، بل وصل الأمر للوقود، حتى أصبحنا نشاهد طوابير يتلوها طوابير للحصول عليه من محطاته، وكذلك الخبز لم يعد موجودًا، كما أن وزير الدفاع أطلق صرخة تحذير أكد فيها أن الجيش الوطني في أزمة قد تؤدي للفوضى، وما أخطر أن تعم الفوضى في بلد مثل لبنان، خصوصًا أن حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله، لا يعرف الله ولا الوطن، بل يعرف كيف يتاجر ويستثمر الأزمة، ويبث سموم الانشقاقات ويحاول تعطيل تشكيل الحكومة، وكأن لبنان لا يعنيه أو أن الأوامر لم تصدر له من المرشد الإيراني بأن يرضى.

وما يجري في الكواليس اللبنانية والخلافات التي ظهرت على السطح مؤخرًا يؤكد أن النخبة اللبنانية ترى المناصب الوزارية تركة توارثوها، وأن جبران باسيل السياسي القادم من المجهول، صهر الرئيس ميشيل عون، هو الحاكم الفعلي في قصر "بعبدا"، وأفعاله تؤكد أن قضيته الأساسية وشغله الشاغل هي إعاقة سعد الحريري عن تشكيل حكومة كفاءات وليس ولاءات، ليعبر هذه الأزمة التي أدخلت لبنان إلى مستنقع البحث عن لقمة عيش.

والحقيقة أن جبران ليس الاستثناء المخالف للقاعدة، فالمشهد السياسىي اللبناني- كما نراه- صار كل اللاعبين السياسيين فيه يساهمون في خراب لبنان ومعاناة شعبه العظيم الذي صمد أمام الغزو الإسرائيلي ونجا من مذبحة قانا وواجه كل التحديات بثبات وصبر وإيمان حتى سقط فى مستنفع الفساد والإفساد.

المشكلة الكبرى أن الأزمة هذه المرة ليست في عدو خارجي، ولكنها تأتي من قلب الدولة، بل من داخل العائلة الحاكمة نفسها، ومن يدفع الفاتورة هو المواطن اللبناني، الذي وصل به الأمر إلى أن يطلب من الدول المانحة وقف إرسال المساعدات إلى لبنان، لأنها لا تصل إليه وأموالها تصل إلى جيوب النخب الطائفية.

وهذه الطائفية والمحاصصة خلقت مشكلة لبنان الحقيقية، التي أعتقد أن حلها يتمثل أولًا في ضرورة وضع آلية للقضاء على الفساد الذي ضرب بجذوره في الدولة اللبنانية، حتى وصل إلى البنك المركزي وتسبب في تهريب مليارات الدولارات، ليمثل ضربة قاصمة للشعب اللبناني.

ولهذا، فإنه بالإضافة إلى الدعوة لضرورة تشكيل حكومة كفاءات بعيدًا عن الطائفية، يجب وفورًا القضاء على الفساد، لأنه إذا تم تشكيل حكومة من دون آلية لمواجهة الفساد، فلا صلاح ولا إصلاح، وسيتكرر المشهد مرة تلو الأخرى.

كما أعتقد أن إبعاد جبران باسيل عن المشهد السياسي ضرورة حتمية وبداية لحل الأزمة.

ويجب على الدول الداعمة للشعب اللبناني أن تتحرك، وعلى رأسها السعودية ومصر وفرنسا، وتضغط على هذه النخب لتشكيل حكومة تعتمد على الكفاءات الحقيقية، وتستعين بأبناء الجاليات اللبنانية الذين نجحوا في الخارج في كل دول العالم، وهم على استعداد لأن يساعدوا في وقف هذه المهزلة التي يدفع ثمنها أبناء الشعب اللبناني العظيم.

وعلى العقلاء والحكماء من أبناء الشعب اللبناني أن يجدوا صيغة توافقية بين سعد الحريري والرئيس ميشيل عون ونبيه بري، لأنه من الواضح جدًّا أنهم اتفقوا على ألا يتفقوا، وليذهب لبنان للجحيم طالما هم يحكمون ويمتلكون السلطة والثروة، وهذا التزاوج غير الشرعي يدفع ثمنه أبناء لبنان الشرعيون، لأنهم أبناء الأرض اللبنانية الطاهرة.

فلذلك أقترح أن يتم عقد اجتماع طارئ وفوري لوزراء الخارجية العرب بدعوة من جامعة الدول العربية، خلال الأيام أو الساعات القادمة، على غرار اجتماع مجلس الوزراء في قطر، ويكون جدول أعماله هو كيفية إنهاء الصراع اللبناني، وتشكيل حكومة وطنية تنتمي للشعب اللبناني، وليس للأحزاب والطوائف، حتى يخرج لبنان من هذا المأزق الذي ليس له نهاية.
استقيموا يرحمكم الله.

إعلان