إعلان

معاملة بالمثل!

سليمان جودة

معاملة بالمثل!

سليمان جودة
07:01 م الأحد 14 مارس 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

من القواعد الثابتة في العمل الدبلوماسي بين الدول قاعدة تقول بالمعاملة بالمثل، وهي تعني أن من حق أي دولة أن تتخذ من المواقف تجاه أي دولة أخرى ما تراه مماثلاً لإجراء جرى اتخاذه في حقها.

وهذه القاعدة تشبه مبدأ في علم الطبيعة يقول إن لكل فعل رد فعل يتساوى معه في المقدار، ولكنه مضاد له في الاتجاه.

ورغم أن تلك القاعدة الدبلوماسية وجدت تجليات لها في مواقف كثيرة بين الدول، فإن ما جرى مؤخراً بين الأردن وإسرائيل هو أقرب التجليات، فلقد كان من المقرر أن يزور بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، العاصمة الإماراتية أبوظبي يوم الخميس الـ11 من هذا الشهر.

ومن قبل كانت هذه الزيارة قد تحدد لها أكثر من موعد على مدى ثلاث مرات، ولكن تم تأجيلها في اللحظات الأخيرة دون مقدمات، ودون تقديم تفسير مقنع للإلغاء.

كان بالطبع يقال كلام كثير عن أن الترتيبات لم تكتمل، وعن أن الظرف لا يزال غير مناسب، وعن أن جدول أعمال الزيارة لا يزال في حاجة إلى إضافات، وعن... وعن... ولكنه كلام كان كله غير قادر على إقناع الذين يتابعون ما يدور بين البلدين منذ إطلاق العلاقات الدبلوماسية بينهما برعاية دونالد ترامب صيف السنة الماضية.

ففي صيف العام الماضي وفي خريفه كذلك أطلقت تل أبيب علاقات دبلوماسية مع أربع عواصم عربية، وقد كانت أبوظبي هي العاصمة رقم واحد، من حيث الترتيب الزمني، ثم جاءت من بعدها المنامة والخرطوم، وكانت الرباط هي العاصمة الأخيرة.

كان سبب تأجيل الزيارة هذه المرة مختلفاً عنه في كل المرات الثلاث السابقة وكان غريباً، ومصدر الغرابة فيه أن إسرائيل أرجعت التأجيل إلى أن الأردن لم يمنح طائرة رئيس وزراء إسرائيل حق العبور في الأجواء الجوية الأردنية، ولم يكن هناك مفر والحال كذلك سوى إرجاء الزيارة إلى موعد آخر لم يتحدد بعد.

وبالطبع فإن العاصمة الأردنية عمان لم تنكر أنها فعلت ذلك، وإنما أعلنته وكشفت عن السبب الذي دعاها إلى اتخاذ هذا الإجراء، وهو سبب لا ينطبق عليه شيء قدر ما تنطبق عليه قاعدة المعاملة بالمثل في عالم الدبلوماسية بين الدول.

والسبب أن الأمير الحسين بن عبد الله، ولي عهد الأردن، كان من المقرر له في اليوم السابق على يوم زيارة نتنياهو أن يزور الحرم القدسي في الضفة الغربية، وكان اليوم يوافق يوم الإسراء والمعراج، وكان الأمير يرغب في أن يصلي ليلة الإسراء هناك.

وحسب ما أعلن أيمن الصفدي، وزير خارجية الأردن، فإن الطرفين اتفقا على الترتيبات الأمنية لزيارة الأمير، لولا أن الطرف الإسرائيلي تراجع في آخر اللحظات فلم تتم زيارة الأمير الحسين طبعاً، ولم يتمكن من الصلاة في الحرم القدسي كما كان يحب، ويتمنى.

والغريب أن أحداً لم يعلم بأمر إلغاء زيارة الأمير في وقته، ولولا زيارة نتنياهو التي لم تتم هي الأخرى إلى أبوظبي ما كان أحد قد عرف أن الأمير الحسين تمنى لو صلى ليلة الإسراء والمعراج في الحرم القدسي وأن تل أبيب أفسدت عليه رغبته.

وحين جاء رئيس وزراء إسرائيل يطلب المرور في سماء عمان إلى الإمارات، فإن مطلبه قد جاء وكأنه هدية من السماء إلى السلطات الأردنية التي رأتها فرصة تعطي فيها درساً إلى نتنياهو سوف لن ينساه بالتأكيد. وكان المبرر الجاهز لدى حكومة الأردن هو مبدأ المعاملة بالمثل، ولا تستطيع أي دولة أن تلوم حكومة الأردن فيما أقدمت عليه، فكل الدول تفعل ذلك، وتمارسه مع بعضها.

إن الأمير الحسين هو الشخصية رقم 2 بعد الملك في الأردن، وكذلك حال نتنياهو في إسرائيل بعد رئيس الدولة، ولذلك فهي معاملة بالمثل تماماً، وسوف يظل نتنياهو يذكر ما جرى فلا ينساه.

إعلان