إعلان

وجوه وأفلام من مهرجان القاهرة السينمائي الثالث والأربعين

د. أمــل الجمل

وجوه وأفلام من مهرجان القاهرة السينمائي الثالث والأربعين

07:00 م الخميس 25 نوفمبر 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

قطعاً مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الثالثة والأربعين - الممتدة من ٢٦ نوفمبر وحتى ٥ ديسمبر برئاسة السيناريست والمنتج محمد حفظي - حافل بالشخصيات والندوات و«الماستر كلاس» المهمة جدا مع المخرج الصربي المشهور أمير كوستاريستا، والمخرج الإيطالي الحاصل على العديد من الجوائز روبرتو مينرفيني. كذلك الأفلام التي تستحق ملاحقتها، وإن كان من الصعب مشاهدة جميع الأفلام لذلك أرشح للقارئ بعضاً منها، مع إدراك أنه في كثير من الأحيان تكون أفضل الأفلام خارج التنافس لأسباب متعددة تتعلق بلوائح المهرجان وفكرة العرض الأول دوليا أو عالميا. مع ذلك هذا العام بجميع أنواع المسابقات أسماء وعناوين واعدة بالقوة.

من خارج التنافس، يأتي في مقدمة تلك الأعمال «ملك العالم بأسره». تنطلق أهمية الفيلم الأولى من اسم مخرجه الأسباني الشهير كارلوس ساورا - كاتب سيناريو ومنتج سينمائي أيضاً - والذي يقدم أحدث أفلامه بينما يكاد يبلغ من العمر ٩٠ عاماً فهو من مواليد ٤ يناير ١٩٣٢، ولديه فيلم آخر يعمل عليه حالياً.

ملك العالم بأسره

اشتهر ساورا بأن الرقص وموسيقى «التانغو» و«الفلامينكو» يحتلان فضاءه الفيلمي بدرجة شبه كامله، من هنا جاء وصفه بالساحر الذي يجعل السينما تتنفس الموسيقى، والمتمرد الذي يراقص الكاميرا في أفلامه، مثلما يشتهر بأنه عاشق للإرث العربي في إسبانيا. إنه صاحب «كارمن» و«تانجو»، و«فادوس» و«الخليج»، «أوه يا كارميلا!»، و«معصوب العينين» و«الذهبي» و«عرس الدم» المأخوذة عن المسرحية الشهيرة بتوقيع لوركا، حيث يُجسد مجموعة من الراقصين على خشبة المسرح الدراما المأساوية حول رجل متزوج لا يزال يحب صديقته السابقة، ويحاول لم شملهما رغم التخطيط لحفل زفافها، وغيرها من التحف السينمائية الموسيقية الخالدة.

مِنْ ثَمَ، لا غرابة أن يُرشح هذا العبقري لست وأربعين جائزة، كما حصد ٥٦ جائزة دولية مرموقة من بينها بافتا، وثلاثة جوائز من برلين؛ دب ذهبي، واثنين فضي، إضافة إلي أربع جوائز من مهرجان كان السينمائي أبرزها جائزتا لجنة التحكيم الخاصة، وأفضل إسهام فني. كما رشح عام ١٩٧٩ لأوسكار أفضل فيلم أجنبي عن «ماما تبلغ المائة». مع ذلك فإن المخرج الإسباني لا يهتم بالجوائز قائلاً: إن الشيء الوحيد الذي يثير اهتمامي هو القدرة على العمل، وهذا لا يعني أنني أرفض الجوائز، فكل ذلك يخدمني لصنع المزيد من الأعمال السينمائية.»

أما في شريطه الجديد فيقدم كارلوس ساورا عملاً سينمائياً موسيقيا يتناول من خلاله التقاليد الفولكلورية للموسيقى والرقص في المكسيك، ويستعيد العلاقة التي كانت قائمة بين إسبانيا والمكسيك، وإن بنسخة جديدة حداثية. هنا يُواصل ساورا أسلوبه الفكري الموسيقي بالنبش السينمائي في الموروث العميق للهوية الإسبانية، فيُعيد تشكيل ذاكرة اسبانية جمالية عبر لقطاته المتفردة، وهو أثناء ذلك لا يتخلى عن القيم الجمالية للكوادر، والالتزام بالإيقاع الموسيقي وعدم خيانة تلك الوحدة الموسيقية الداخلية التي يفرضها الأداء أو الرقص بحد ذاته. وإن كان ساورا في حواراته دوما يُؤكد أنه لا يهتم بالقصة السينمائية في أفلامه قدر اهتمامه بالموسيقى، لكن المشاهد سيجد القصة الهامسة بقوة عن الحب وصراع الغيرة وغيرها من المشاعر الإنسانية دوما متاحة في أفلامه.

ابني مُعاذ المشمس

أحد أهم الأفلام بالمهرجان هو «ماي صني ماد» أو «ابني معاذ المشمس». عن رواية بترا بروتشازكوفا المعنونة بـ«فريشتا» وهى إحدى الشخصيات الثانوية بالعمل. إنه فيلم أنيميشين لكنه مصنوع باحترف عال على المستوى الفكري والفني. يأتي عنوان الفيلم من البطل الصغير به الذي تتخلى عنه أسرته بسبب الفقر. اسمه محمد، لكنهم كانوا يُنادونه معاذ - أو «ماد» كما يُنطق بالإنجليزية - من هنا يأتي عنوان الفيلم «معاذ المُشمس الذي يخصني» أو «ابني مُعاذ المشمس» My Sunny Maad .

من خلال تكأة الزواج الذي يجمع بين هيرا المرأة التشكية ونذير الرجل الأفغاني، تأخذنا مخرجة الفيلم ميكايلا بافلاتوفا عبر الصور المتحركة الغنية بالألوان أبي عوالم أفغانستان فنتعرف على ماضيها المختلف كلياً عن حاضرها البائس، فزمن الأحداث عام ٢٠١١ حيث مقتل أسامة بن لادن - تحت حكم طالبان. فقد كانت النساء في الماضي تمتلك حريتهن ويحددن مصيرهن في الزواج والتعليم، يلبسن ما يردن من أحدث الأزياء سواء قصيرة أو طويلة، يعملن جنباً إلى جنب مع الرجل، وكانت الموسيقى تصدح في كل مكان. هكذا يُخبرنا جد نذير بالصوت والصورة، فذلك الرجل الليبرالي المسن المتعاطف مع النساء كان مصوراً فوتوغرافياً وشاهداً على أحداث عديدة مرت فيها بلاده، بما فيها الحروب التي أتت على الأخضر واليابس وراح فيها والد نذير وأخيه الأكبر.

نقطة غليان

يُعد الفيلم البريطاني «نقطة غليان» أحد أجمل الأفلام التي يمكن أن تشاهدها بالمهرجان، شاهدته بمسابقة مهرجان كارلوفي فاري السينمائي، فيلم مذهل استثنائي لذلك منحته في تقييم خمس درجات. إنه من توقيع فيليب بارانتيني الذي مثل في العديد من الأفلام قبل أن يبدأ رحلته مع الإخراج بفيلم قصير عام ٢٠١٠، أتبعه بشريط قصير آخر ناجح بعنوان «نقطة غليان»، والذي قرر أن يعيد العمل عليه مجددا ليخرج في شريط طويل بذات الاسم.

تدور أحداثه في ساعة ونصف فقط وهي الزمن الفعلي للأحداث، بمطعم، ليلة رأس السنة. دراما مأساوية، عن مختلف أنواع الصراعات في الحياة لأجل أن تكسب مالك، عن الفساد، الابتزاز، الحفاظ على الأسرة ومشاكلها، الشباب السطحي المشغول بالسوشيال ميديا، إنه فيلم ضغوطات الحياة عن الهشاشة الإنسانية التي تختبئ خلف النجاح وتحتمي في المخدرات والكحول. مع ذلك الفيلم مليء باللحظات المرحة، وخفة الظل.

سينمائيات مصريات

ضمن أفلام المسابقة الدولية أرشح للمشاهدة فيلم «الأمهات الــ١٠٧» إنه قصص واقعية لــ١٠٧ من الأمهات في سجن أوديسا في أوكرانيا، نساء يعشن ويعملن في سجن أوكراني، حيث العلاقات المليئة بالقلق والشك، لكنها في نهاية المطاف، تتحول للاحترام المتبادل البسيط. إنها قصص من الحياة الواقعية للسجينات اللائي يعشن في إصلاحية أوديسا رقم ٧٤، وهي واحدة من اثنتين في السجون الأوكرانية حيث يمكن للنساء الحوامل أن يقضين عقوبتهن مع اطفالهم. ومع ذلك، تنص الشروط والأحكام القاسية على أنه بعد بلوغ الطفل سن الثالثة سيتم إرسالهم إلى دار للأيتام وفصلهم إلى الأبد عن والدتهم. إذا كانت امرأة محظوظة وجيدة السلوك أثناء فترة عقوبتها يمكنها التقدم بطلب للإفراج المشروط قبيل حلول عيد الميلاد الثالث للطفل.

من المسابقة الرسمية أيضاً، نرشح لكم فيلم «أبو صدام» للمخرجة نادين خان، ليس فقط لأنه الفيلم المصري الوحيد المشارك بالمسابقة الدولية، ولكن أيضاً لأن نادين خان كما وصفها محمد حفظي رئيس المهرجان بأنها: «مخرجة ذات موهبة كبيرة وتتمتع برؤية ثرية، ورغم أنها مُقلة في أعمالها، فإنها دائما ما تلجأ لاستخدام لغة بصرية مختلفة تضفي على أفلامها بصمتها الخاصة.»

ونظراً لأن كاتبة هذه السطور ضمن لجنة تحكيم الفيبريسى - التي تحكم على هذا الفيلم وجميع الأفلام بالمسابقة الدولية- فسوف أؤجل مناقشتي له لما بعد إعلان الجوائز. وإن كان مبدئيا يمكن القول أن الفيلم تدور أحداثه حول سائق تريلا ذو خبرة، يحصل على مهمة نقل على طريق الساحل الشمالي بعد انقطاع عن العمل دام لسنوات، وبينما يحاول إنجاز مهمته على أكمل وجه، يتعرض لموقف يجعل الأمور تخرج عن سيطرته. الفيلم من بطولة محمد ممدوح، وأحمد داش.

من الوجوه النسائية السينمائية المصرية الجادة التي تستحق مشاهدة فيلمها أيضاً، بالمهرجان، المخرجة والمنتجة هالة جلال التي تشارك بفيلمها الوثائقي «من القاهرة» ضمن مسابقة آفاق السينما العربية. أما في ملتقي القاهرة يوجد مشروع فيلم روائي طويل - قيد التطوير - بعنوان «نور» يخضع للتحكيم للمخرجة الشابة سارة الشاذلي التي قدمت أول أفلامها الوثائقية هذا العام بعنوان «العودة» والذي ترصد من خلاله علاقتها بوالدتها ووالدها أثناء فترة عزل كوفيد ١٩.

ملتقى القاهرة

كذلك، من أهم إيجابيات «ملتقي القاهرة» - الذي يعقد نسخته الثامنة ضمن مهرجان القاهرة - أنه أعاد إلينا اسم مخرج مصري - مقيم فرنسا - مهم جدا هو نمير عبد المسيح الذي شاهدنا له فيلمه العبقري «العذراء والأقباط وأنا» والذي عرض بمهرجان الإسماعيلية عام ٢٠١٢ وحصد أهم جوائز المهرجان، لقدرته على مناقشة أفكار تتعلق بالمعتقدات والخرافات في إطار كوميدي بالغ الذكاء من سخرية أو استهزاء. أما بمهرجان القاهرة هذا العام فيشارك عبد المسيح بمشروع فيلم تحت التطوير بعنوان «الحياة بعد سهام» إنتاج مصري فرنسي.

على صعيد آخر، هناك تجارب عربية مثل: «بنات عبد الرحمن» بطولة صبا مبارك، إضافة إلي أفلام بتوقيع مخرجين كبار يستحقون المتابعة ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية» مثل «لو انهارت الجدران» للمغربي حكيم بلعباس، فأفلامه ذات بصمة خاصة تمزج بين الوثائقي والروائي، كذلك فيلم «النهر» لغسان سلهب الذي يمضي خارج السرب، و«يوميات شارع جابرييل» للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي. أما الممثل التونسي ظافر العابدين فيقدم أول أعماله السينمائية في مجال الإخراج بعنوان «غدوة» ضمن المسابقة الدولية، والذي تدور أحداثه حول تدهور الحالة الصحية لحبيب؛ إذ يؤثر ماضيه السياسي أثناء فترة حكم بن علي على حاضره، ذلك الأمر يجمعه بنجله من زوجة سابقة، مما يؤدي إلى تبادل الأدوار، فيجد الابن نفسه مضطرًا للاعتناء بوالده والتأكد من سلامته، لكن الأوضاع تجعلهما في موقف لم يستعدا لمواجهته. ​

إعلان