إعلان

محمد غانم.. وجدعان مصر الحديثة

د. أمــل الجمل

محمد غانم.. وجدعان مصر الحديثة

د. أمل الجمل
07:17 م الإثنين 17 أغسطس 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

مراتٍ عدةً، شاهدت ضباطًا من رجال المرور يحذرون سائقًا ما من البقاء في مكان مخالف، أو ممنوع الانتظار فيه. مراتٍ كثيرةً، رأيتهم يطلبون من أصحاب السيارات التحرك وعدم الانتظار، عادة لا يُسجلون المخالفات إلا إذا أصر السائق على البقاء، أو كانت السيارة مركونة دون أحد بداخلها فيتم كلبشتها، ثم جرها.

عادت إليّ هذه الصور لرجال يلتزمون بروح القانون، ويتصرفون بشكل حضاري وإنساني، وأنا أشاهد فيديو عزت الزاهي، بائع التين الشوكي، الذي اعتدت عليه موظفة الحي بالتجمع. نموذج سيئ للمرأة المسئولة، نموذج أسوأ للموظفة الذي تريد أن تطبق القانون دون رحمة، وهي فاقدة البصيرة.

الحقد والغل اللذان كانا يملآنها، ويبدوان جليَّيْنِ على وجهها، وهى ترمي محصول التين الشوكي من فوق العربة- كانا لافتين ومثيرين للتساؤل:

لماذا كانت تتصرف هكذا، لدرجة أن مَنْ كانوا معها حاولوا منعها: «قائلين حرام عليكِ»؟!

شخصياً رأيت هذه المرأة شخصية ضعيفة جداً. تتنكر وراء الغضب وإصدار الأوامر، تحتمي في المنصب الذي تشغله. شخصية ضعيفة تحتاج- هي والآخرون من أمثالها- لدورات تدريبية، ليس فقط لعدم إساءة السلطة التي في يدهم، ولكن للتدُّربِ على مقاومة سوءات النفس، على فهم أنفسهم، على إدراك أن من يفعل ذلك إما مريضٌ بالسلطة، ويرغب في الاستعراض عن طريق التنكيل بالآخر، خصوصاً لو كان الآخر ضعيفاً، وإما أنه يُنفِّس عما يحدث معه من أشخاص أقوى منه. لذلك يجب تدريس هذا النموذج الكريه لئلا يقتدي به أحد.

صفا فليفل والمهرة

على النقيض من النموذج السابق، شاهدت امرأة رائعة، صلبة، قوية، اسمها صفا فليفل. امرأة قررت أن تصطحب ابنتيها، وتذهب لأبعد نقطة في الصحراء الغربية، تحديداً منطقة «المهرة». تقول صفا إنها قادرة على زراعة ٢٣٠ فدانا، ضمن استصلاح المليون ونصف المليون فدان. إنها تعيش وحدها لفترات غير قليلة في الصحراء، أقرب إنسان منها قد يكون على بعد ١٥ كيلو، لا وجود للكهرباء، للمياه، للطريق، ولا حتى أمان، فالخدمات معدومة، ولكي تصل إلى بيتها لا بد أن تسير بسيارتها في مدق ترابي لمدة ٣ ساعات.

بسبب عدم وجود طريق كانت السيارات التي تنقل لها أشياءها من مستلزمات الزراعة والإقامة تُلقي الحمولة، وتمشي بسبب أن العجل يغرز في الرمل، فتقوم صفا بتأجير جرارات لنقل الحمولة ودفع مصاريف جديدة. تقول: «بند النقل اضرب في ثلاثة.. أنا اتصفيت»، هذا بخلاف تعرضها للمهربين الذين يدقون أبوابها ليلاً، مع ذلك تتحدى هذه المرأة كل ذلك وما زالت تكافح لإنجاح مشروعها.

صفا فليفل عندها حلم بالمساهمة في توفير الأمن الغذائي لمصر، أن تزرع الزيتون والنخيل، وتُقيم مزارع للثروة السمكية، لكن حلمها مهدد بأن يتحول لكابوس - وفق تصريحها ببرنامج الجدعان مع الإعلامي المتميز محمد غانم- بسبب الإهمال؛ فمحطة تحلية المياه التي عملتها الدولة مرة تجد المياه ومرتين لا تستطيع الحصول عليها، إما بسبب الأعطال، أو لأن العامل في إجازة.

الأمن الغذائي سلاح خطير

هناك عمال يوافقون على أن يعملوا مع صفا فليفل، ويبدون رغبتهم في أن ينتقلوا مع أسرهم إلى الصحراء لكنهم بحاجة لأبسط سبل الحياة، بحاجة إلى طرق، إلى مستشفي، أو على الأقل سيارة إسعاف لو مرض أحدهم فجأة، إلى مدرسة أو فصل واحد تجريبي ليتعلم أبناء الأسرة العاملة. إنهم بحاجة لقسم للبحوث ليساعدوها في عمل بحوث على التربة لتحديد الأفضل والمناسب للزراعة بالمنطقة. الحقيقة أن هذا مطلب كل أصحاب الأراضي الجادين في ذات المشروع على اختلاف مواقعهم.

تُؤمن صفا فليفل بأن مشروع استصلاح الأراضي لو نجح سيلعب دورا خطيرا في توفير الأمن الغذائي، والتأثير في العالم، لأن مصر تمتلك المناخ والتربة الجيدة للزراعة التي لا تُتاح لأغلب دول العالم.

على مدار مدة البرنامج سيغمر المشاهد الأمل، لقوة هذه المرأة، وعزيمتها، وللمحاولة الصادقة من الإعلامي المتحمس محمد غانم في فهم كافة تفاصيل المشروع وسؤالها عن احتياجاتها، ومتطلبات إنجاح هذا الحلم، بالتدخل لدى المسئولين لتذليل الصعاب.

لم تكن صفا فليفل هي المرأة الجدعة الوحيدة في سلسلة «الجدعان» الذين يكتشفهم غانم. هناك أخريات. هناك نماذج مصرية مشرفة تدعو للتفاؤل، وتشعرنا بأن البلد يتم بناؤه بقوة، وأننا خلال سنوات قليلة سيكون لدينا نهضة زراعية واضحة للعالم أجمع، نهضة يقودها أبناء مصر الحديثة بتوجيه ودعم سيادة الرئيس السيسي.

قش الأرز/ الذهب

في برنامج «الجدعان» سوف يصطحبنا الإعلامي محمد غانم من شمال البلد إلى جنوبه، شرقه وغربه، يذهب إلى محطات البناء والاستصلاح في البلد، ينقل إلينا بعين الكاميرا وبحماسه ودهشته تجارب لا نراها. تجارب مبهرة حقاً.

هل يمكن أن ننسى السحابة السوداء التي كانت تعاني منها القاهرة الكبرى خصوصاً عقب موسم حصاد الأرز؟ ألم نلاحظ اختفاءها في السنوات الأخيرة. ماذا حدث؟! وما الذي كان يحدث قبل ذلك؟!

يأخذنا البرنامج لنتعرف إلى جدع آخر من جدعان مصر، اسمه السعيد، عمل بالسعودية ثماني سنوات، ثم قرر العودة ووضع تحويشة العمر في شراء ماكينة لشراء وضغط وتخزين قش الأرز ثم بيعه لمن يحتاج إليه من أصحاب المزارع والأعلاف أو الفلاحين الذين يحتاجون إليه كي يكمرون بعض المحاصيل.

لم يكن السعيد وحده، بل ساعده والده، وسبعة من أعمامه. يفكر السعيد أيضاً في إعادة تدوير ورد النيل - الذي طالما تسبب في مشاكل كثيرة - واستخدامه في السماد للأرض. لم تولد أفكار السعيد من فراغ، فقد ساعده في ذلك أفكار الدكتور هشام الشريف، الأستاذ بكلية الهندسة الذي كان يدرب الكثيرين على إعادة تدوير المخلفات، لقد كان جد السعيد نفسه يعمل في نقل القش لأحد مصانع الورق بالإسكندرية، لكن المصنع أغلق بسبب بعض المواد الملوثة التي كان يُلقيها في مياه البحر.

محمد غانم مكتشف الجدعان

المفاجأة أن يقدم إلينا محمد غانم شخصية ثالثة عبقرية، مخترعا مصريا اسمه الدكتور عبد المنعم نصر، اخترع أسلوباً لطبخ القش وتحليل المواد التي يتكون منها، فيستخلص منه علفاً مفيداً جيدا للمواشي والحيوانات، فلن يصبح مجرد مادة مالئة معدة الحيوان، بعد أن استخلص المكونات التي تمنع الهضم والاستفادة منه، إضافة إلى تحليل مكوناته وفصل عناصره التي يمكن بيعها للعالم بآلاف الدولارات، ثم إعادة تصنيع الورق في مصر المعروف بأنه الصناعة الثانية بعد السلاح في العالم.

لكن يظل التساؤل هل يتحرك المسئولون للاستفادة من هذا العبقري؟!

حلقات مكوكية يقوم بها فريق برنامج «الجدعان» الذي تذيعه قناة «القاهرة والناس». لكنه بالتأكيد ليس كأي برنامج آخر. إنه ليس عملاً ترفيهياً يشغل الناس بتوافه الأمور، لكنه يهتم بالبحث عن المشاريع العملاقة، التي تتعلق بأمن مصر الغذائي؛ منها ما يُركز على البروتين الحيواني، كما في مدينة العلمين الجديدة، حيث مشروع الخروف البرقي الذي كانت تتميز به مطروح في الماضي؛ إذ كانت تمتلك أكثر من مليون ومائتي ألف رأس منه، لكنها صارت في السنوات الأخيرة لا تمتلك أكثر من ٣٠٠ ألف فقط، إلى أن جاء أصحاب هذا المشروع الطموح ليستبدلوا الصورة، ويمتلكوا نحو ألفي رأس، ويقترحوا دعم الآخرين بالعلف لتنمية رؤوس الخروف البرقي، مثلما يفكر أصحابه في تقديم أضاحي الحجاج - بالاتفاق مع المملكة السعودية - مما سيوفر على مصر نحو ٣٠٠ مليار جنيه.

يدرس الإعلامي محمد غانم تفاصيل كل مشروع وكل تجربة بكافة جوانبها، يلتقي بجميع الأطراف، يعايش التجربة، يرى بعينه المجهود المبذول، وينقلها لنا بحماس رائع، يعرف أن أصحاب كل مشروع وضعوا تحويشة العمر في هذا الحلم، يسألهم: ماذا تحتاجون؟ كيف نساعدكم لدى المسئولين؟!

"الجدعان" برنامج يغرس فينا الأمل، برنامج ينهض على الحديث الشيق الممتع، والمبهج، رغم أنه لا يغفل أبداً النقاط السلبية والصعوبات والمعوقات والتحديات، لكن الأمل الذي يشع منه أقوى وأجمل.

إعلان