إعلان

الملفات الحيوية والتعامل مع تداعيات كورونا

د. غادة موسى

الملفات الحيوية والتعامل مع تداعيات كورونا

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

06:27 م السبت 25 يوليه 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بعيداً عن الأرقام والإحصائيات، تتبدى أمامنا إشكالية نفسية وهي استئناس الأزمات تحت اسم "التكيف"، علماً بأن الأزمات وسيلة وفرصة للتقييم والتطوير.

ولا أتحدث عن التعايش؛ لأنه لا بد من التعايش "المرحلي" حتى لا تتوقف الحياة الإنسانية بكل أبعادها.

وإذا كان ملف الصحة يطل بوجهه من حين لآخر، فقد أصبح حاضرا وحيوياً، وسوف يترتب على حسن إدارته نتائج مهمة. وملف الصحة يختلف عن المبادرات الصحية التي تبناها السيد الرئيس مثل مبادرة "١٠٠ مليون صحة" من حيث تعريف خدمة الصحة وإدارتها وتمويلها. فقد كانت المبادرات دافعا لتحريك ملف الصحة. فالمبادرات الصحية قادرة على التعامل مع بعض الأمراض والأوبئة كالتهاب الكبد الوبائي أو الدرن، وأيضاً للوقاية من بعض الأمراض كشلل الأطفال. ولكن قد لا تتمكن بشكل كامل من إدارة جائحة تودي بحياة البشر والتحكم فيها؛ ما لم تكن هناك بنية تحتية صحية جيدة.

لقد كشفت جائحة كورونا أن معظم الأنظمة الصحية في العالم تحتاج إلى مراجعة وإلى تطوير في كافة الاتجاهات. وبالتالي، نحن لسنا بمفردنا في هذا المطلب الحيوي. لكن سرعة التحرك لضبط المنظومة الصحية صار مطلبا حيوياً سواء؛ في ظل وجود أو عدم وجود جائحة، فالجائحة لن تنتظر تطوير المنظومة.

وحتى أكون منصفة، فقد تعاملت المنظومة الصحية في مصر مع الجائحة جيدا، في ظل وجود العديد من التحديات. وهذه التحديات ليست وليدة اليوم، وإنما إرث ثقافي مجتمعي اقتصادي بالأساس. وهو ما يقودني نحو طرح سؤال على القائمين على ملف الصحة: ما تعريف خدمة الصحة؟ بل ما تعريف الصحة؟ قد يبدو تساؤلا ساذجاً، ولكنه كالسؤال المفتاحي. وهذا السؤال يمكن أيضاً توجيهه للمواطن؛ لأنه الشريك الرئيسي والأهم في بناء ونجاح هذا الملف.

الصحة- من وجهة نظري- هي " الحق في الحياة" أول مبدأ من مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. الحق في أن أحيا حياة سليمة. ومن ثم تصبح خدمة الصحة حقاً للمواطن. وهذا الحق منصوص عليه في دستور مصر ٢٠١٤. وحيث إنه حق، تصبح الصحة سلعة عامة لا بد من أن يحصل عليها الفرد، سواء كان مقتدرا أو معوزاً. وسواء كان عاملا أو عاطلا. لذلك كانت من أولى مهام الدول هي الإنفاق على الصحة لما لها من انعكاس على القدرة على عمارة الأرض والإنتاج.

فالاهتمام بملف حيوي كالصحة في ظروف الجائحة أو تفشي الأمراض فقط ليس هو المقصد؛ لأن صحة الإنسان كالبناء يتطلب الاهتمام بها سنوات. وصحة جيدة تساوي نظاما مناعيا جيد قادر على مقاومة الأمراض.

هذا عن الأهمية والنظرة الفلسفية للحق في الصحة. وممارسة هذا الحق يحتاج لتمويل كبير ومستدام، خاصة أن التركيبة الديموغرافية تشير إلى أن أكثر من نصف سكاننا تحت سن ٢٥ عاماً. وقد سألوا المسئولة عن ملف جائحة كورونا في الاتحاد الأفريقي عن أن سبب عدم انتشار الجائحة في الدول الأفريقية بشكل واسع مثلما حدث في أوروبا هو كون معظم سكان الدول الأفريقية من الشباب، أم لا، وكانت إجابة المسئولة أنهم إذا استطاعوا الصمود الآن فلن يتمكنوا من ذلك مستقبلا بسبب سوء التغذية وانتشار الأمراض ونقص الخدمات الصحية. وهي منظومة متكاملة.

فالصحة ليست طبيبا ومريضا ودواءً ومشفًى. الصحة هي حالة جسد الإنسان من الولادة إلى الممات. فهي ما يأكله وما يتنفسه وما يمارسه من رياضة وما يتناوله من أمصال وأدوية للوقاية من الأوبئة. لذلك، فإن الحديث عن أية منظومة صحية لا بد أن يشمل الاعتبارات السابقة في تكامل وتنسيق واستدامة.

وقد بدأنا في تفهم هذه المنظومة، ولكن فهمنا لها لا بد أن يكون مستداماً. كما لا بد أن تمتد فلسفة الحق في الصحة إلى منظومة البحث العلمي والجامعات والرياضة والمياه والصرف الصحي والزراعة والصناعة والبيئة؛ بحيث تكون الاعتبارات الصحية هي المحركة لعمل تلك المنظومات.

ولن يسع المقال أن أتطرق للتأمين الصحي وإشكالياته الزمنية والمالية؛ لأنه تحدٍ حقيقي، وإنما أؤكد على ضرورة الاستمرار في مشروع بطاقة المواطن الصحية ورقمنتها لمعرفة الخريطة الصحية لسكان مصر وتخطيط سياسة تصنيع الأمصال والأدوية والأمن الغذائي بناء عليها.

فصحة الإنسان تبني الأوطان.

إعلان