إعلان

حول "استثنائية" صراعات الشرق الأوسط

محمد جمعة

حول "استثنائية" صراعات الشرق الأوسط

محمد جمعة
08:36 م الخميس 14 مايو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تشير إحدى قواعد البيانات الدولية الخاصة بالصراعات حول العالم، إلى أن منطقة الشرق الأوسط شهدت خلال الفترة من عام 1946 : 2018 ، حوالي 347 صراعا عنيفا من جملة 2385 صراعا شهدها العالم ككل خلال الفترة ذاتها.

ونتيجة للانتشار الواسع للفواعل العنيفة من غير الدول (منذ نهاية الحرب الباردة) باتت الصراعات الداخلية هي النمط الأكثر شيوعا من الصراعات التي تحدث حاليًا في العالم بشكل عام والشرق الأوسط على وجه الخصوص. في حين ظل عدد النزاعات بين الدول منخفض نسبيا .... وتشمل الصراعات الداخلية، الصراعات الإثنية / الدينية، الثورات، الحروب فى مواجهة الجماعات الإرهابية ... إلخ.

في منطقة الشرق الأوسط يمكن أن نُعزي استمرار النزاعات وأحيانًا عدم انتهاؤها على الإطلاق إلى المستوى العالي من الكثافة، والدرجة الكبيرة من التدخل أو الانخراط الأجنبي، الأمر الذي يقلل من فرص إنهاء الصراعات، لا سيما من خلال الوسائل السلمية.

القراءة الكمية تشير إلى أن هناك زيادة في عدد النزاعات في الشرق الأوسط خلال الفترة ما بين عام 1959 إلى عام 1967، وزيادة طفيفة من عام 1977 ظلت مستقرة نسبيًا حتى عام 1995. ولكن من عام 2002 وحتى عام 2018 كانت هناك زيادة كبيرة ( ستة أضعاف) في عدد النزاعات التي حدثت في الشرق الأوسط . علاوة على ذلك، ابتداء من عام 2012، حدثت زيادة في نطاق الصراعات الداخلية والصراعات بين الدول والفواعل من غير الدول، التي تتسم بالتدخل الدولي الأجنبي خاصة من عام 2014 وصاعدًا.

أيضا كانت هناك زيادة حادة في عدد الوفيات نتيجة هذه الصراعات بداية من أحداث ما سمى بـــ "الربيع العربي" عام 2011، وبلغت ذروتها عام 2014 بأكثر من 73 ألف حالة وفاة. ومع ذلك، منذ عام 2014، حدث انخفاض مستمر في عدد الوفيات في المنطقة، وانخفضت بنسبة 75% تقريبًا، أى حوالي 19000 حالة وفاة في عام 2018.

الملاحظ أيضا أن 40% من الصراعات التي انتهت، جاءت نهايتها نتيجة تراجع نشاط الحركات المناوئة للحكومات والأنظمة على مر السنوات، سواء كانت حركات تمرد، أو جماعات إرهابية متشددة. كذلك هناك 18% من تلك الصراعات انتهت نتيجة لوقف إطلاق النار بين الطرفين. في حين أن 24٪ فقط منها هي التي انتهت بفوز عسكري، مقسمة على النحو التالي: 18 % منها انتهت نتيجة الانتصار العسكري للدولة. على سبيل المثال: انتصار الحكومة اللبنانية على قوى ميشال عون 1990؛ انتصار حكومة اليمن على جمهورية اليمن الديمقراطية عام 1994؛ وغيرها. في حين أن 6٪ فقط من هذه الصراعات انتهت نتيجة للنصر العسكري من قبل الأطراف المعارضة أو المناوئة للأنظمة. على سبيل المثال، انقلاب حزب البعث في العراق (1963)؛ ثورة البعث الجديد في سوريا (1966)؛ وغيرها.

أيضا تم إنهاء 10% من تلك الصراعات نتيجة انتهاء الفاعل من الوجود (على سبيل المثال، تفكيك التنظيم المتمرد)، في حين تم إنهاء 8% منها نتيجة لاتفاق سلام موقع بين الأطراف المتحاربة. والملاحظ هنا أن معظم الصراعات في الشرق الأوسط التي انتهت عبر اتفاقيات السلام، سواء الصراعات الداخلية أو بين الدول بعضها البعض، وقعت من أواخر الخمسينيات إلى منتصف السبعينيات وفترات لاحقة. ومن الأمثلة على ذلك اتفاق السلام بين العراق والحزب الديمقراطي الكردستاني (1970)؛ اتفاقية الجزائر بين إيران والعراق (1975)؛ جنوب اليمن وشمال اليمن (1972)؛ واتفاقيات السلام مع جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل (1967) والحرب الأهلية اللبنانية الأولى (1958).

أما الآن فيبدو أن عدد الصراعات التي تنتهي بهذه الطريقة آخذ في التناقص.

والملاحظ كذلك أن إنهاء الصراعات في الشرق الأوسط من خلال وقف إطلاق النار (المعروف أحيانًا باسم الهدنة أو التهدئة) هو الأكثر انتشارًا من اتفاقيات السلام، إذ أنه يسمح بمرونة إيديولوجية أكثر. بمعنى أن وقف إطلاق النار لا يتطلب من الأطراف أن تقدم تنازلات أيديولوجية مهمة أو إعلانات لا لبس فيها. ومع ذلك، في كثير من الحالات، يؤدي هذا النوع من الإنهاء إلى تكرار الصراع.

هذه الاستنتاجات الأولية المثيرة للاهتمام قد تشكل الأساس لمزيد من الدراسات التي من شأنها تعميق المقارنة بين الصراعات في الشرق الأوسط، وتلك الصراعات في مناطق أخرى من العالم.

ولعل المقارنة هنا باستخدام طريقة كمية ( تعتمد على قاعدة بيانات واسعة) تشير إلى أن خصائص الصراعات في الشرق الأوسط وتطورها( وفقًا لمعظم المعايير التي تم اختبارها) تعكس أوجه تشابه مع خصائص واتجاهات الصراعات في الساحة الدولية... حيث تعكس جميعها زيادة تدريجية ومستمرة في نسبة الصراعات الداخلية مقارنة بالصراعات بين الدول بعضها البعض. فضلا عن زيادة تدخل أو مشاركة دول أجنبية في الصراعات الداخلية، سواء في الشرق الأوسط أو في الساحة العالمية.

ولا شك أن هذه النتائج تدعم الادعاء بأن التدخل الدولي هو أحد العوامل الرئيسية التي تؤدي إلى المزيد من الصراعات الفتاكة، والتي تترجم إلى عدد أكبر من القتلى.

إعلان