إعلان

على طريقة سارتر في باريس!

سليمان جودة

على طريقة سارتر في باريس!

سليمان جودة
08:26 م الأحد 10 مايو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع


كان الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر يقول إن الشيء الوحيد المؤكد في حياة أي مولود يأتي إلى الدنيا هو أنه سوف يموت!.. كان يقول هذا ويردده، وكان يعرف أن ما يقول به حقيقة، وكذلك كان يعرف كل الذين سمعوه يروج لهذه العبارة في كل مكان ذهب إليه !
ولا شيء يمكن استحضاره في مواجهة ڤيروس كورونا أكثر من تلك العبارة لسارتر، لأن الشيء الوحيد المؤكد بالنسبة للڤيروس منذ ظهر في ديسمبر الماضي هو أنه سوف يختفي.. وما عدا ذلك تفاصيل.. بالضبط كما كان الفيلسوف الفرنسي الشهير يتطلع إلى كل شيء في حياة الإنسان، باستثناء الموت الذي رآه حقيقة مؤكدة وحيدة في حياة كل بني آدم !

ولأن هذه هي طبيعة الڤيروس الذي أشعل الخوف لدى الجميع، ولأن هذه هي الحقيقة التي لا يجادل أحد حولها قياساً على التجربة مع كل ڤيروس ظهر من قبل في هذا العالم، فالطريقة الوحيدة أيضاً التي يمكن التعامل بها مع كورونا هي التعايش معه وصولاً في النهاية إلى القضاء عليه !
التعايش معه هو الطريقة الوحيدة، ليس لأن هذا هو ما تتجه إليه الحكومة مع بداية يونيو، ولكن لأن العالم كله يتصرف على هذا النحو في اللحظة الحالية.. فلا طريقة أخرى ممكنة أو متاحة.. وربما نذكر الآن أن هذه هي الطريقة التي قضت على ڤيروسات كثيرة هاجمت عالمنا في مراحل التاريخ المختلفة، بدءاً من ڤيروس وباء الطاعون زمان، ومن بعده الكوليرا، ومروراً بڤيروسات عديدة ظهرت مع بدايات هذا القرن من أول سارس، إلى إيبولا، إلى أنفلونزا الخنازير، إلى أنفلونزا الطيور !

التعايش لهذا السبب هو السبيل الوحيد، ولكن على شرط مراعاة ما يجب مراعاته من احترازات في حياة الناس اليومية، وإلا فكيف لاقتصاد العالم أن يتحرك من مكانه، إذا ما هرب الناس أمام الڤيروس ولاذوا ببيوتهم؟!.. وكيف للاقتصاد أن يستعيد عافيته، ويعوض خسائره، ويوقف نزيفه، ويحاصر العواقب والتداعيات، إذا استسلم الجميع لفكرة البقاء في البيت إلى مدى لا يعلمه إلا الله تعالى؟!
ورغم أن دولاً كثيرة في أوروبا قد نفضت عنها فكرة الجلوس في البيت، وخرجت تواجه الحياه الطبيعية وتتحرك فيها بخطوات محسوبة، إلا أن النمسا على وجه التحديد كانت أكثر دول القارة العجوز تمسكاً بالخروج، وباتخاذ ما يلزم للخروج بالتوازي!
وكانت البداية فيها عندما قررت هذا الأسبوع فتح دور العبادة أمام ١٦ طائفة دينية تعيش على أرضها، وكانت هي الدولة الأوربية الأولى التي حددت للمسلمين الذين يعيشون على أرضها، ما سوف يكون على كل واحد منهم أن يفعله إذا ما توجه الى المسجد لأداء الصلاه.. فالإسلام هو الدين الثاني في البلد منذ عام ١٩١٢، والمسلمون يشكلون ثمانية في المائة من عدد السكان!.. ولأن الأمر كذلك، ولأن العدد كبير، فلا بد من إجراءات واحترازات معينة تضمن سلامة المجتمع وأفراده !

فماذا فعلت الحكومة هناك؟!.. أتاحت صلاة الصبح والظهر والعصر في المسجد، ثم أجلت صلاة المغرب والعشاء والجمعة إلى حين، لأن هذه الصلوات الثلاثة الأخيرة تشهد بطبيعتها تجمعات كبيرة لا تحتملها المرحلة الحالية من مراحل التعامل مع الوباء!

والحكومة النمساوية أيضاً اشترطت على كل مسلم يرغب في الذهاب إلى المسجد أن يذهب متوضئًا، وأن يصطحب معه سجادته الخاصة وكمامته الطبية الخاصة، ثم اشترطت أن تمتد مسافة تصل إلى مترين بين المصلين من جميع الجهات!.. وهي إجراءات واشتراطات واضح أنها مدروسة تماماً، وواضح من مضمونها ومن التنبيه على ضرورة التمسك بها أن الحكومة في ڤيينا تريد أن تعود إلى الحياة الطبيعية، وتريد في الوقت نفسه أن تكون عودة آمنة لا خطر فيها على المجتمع في العموم !

والدليل أنها أعلنت أن كل مسجد لا يلتزم حرفياً بهذه الإجراءات سوف يُغلق على الفور دون نقاش ودون حساب لشيء !
وهكذا الحكومة عندنا.. تستطيع أن تستأنف دوران عجلة اقتصادها، بعد أن تضع عدداً من المبادئ العامة التي لا فصال في الالتزام بها على مستوى كل مواطن، وتستطيع أن تضع العقوبات إلى جوار المبادئ وتطبقها بحزم، فيلتزم الكافة بها على الفور لأن العقاب المعلن عنه على الملأ سيكون في انتظار كل مخالف!
التعايش الملتزم إذا صح التعبير هو الطريق المضمون إلى هزيمة الوباء، ثم إلى الانتصار للحياة في وقت واحد، ولا حل آخر يمكن اعتماده أو الرهان عليه.

إعلان