إعلان

كورونا وسد النهضة والتغير المناخي، لنحول التحديات إلى فرص

د. جمال عبد الجواد

كورونا وسد النهضة والتغير المناخي، لنحول التحديات إلى فرص

د. جمال عبد الجواد
09:54 م الجمعة 27 مارس 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تحديات وجودية حقيقية تهدد استمرار الحياة على هذا الجزء من خريطة العالم، أو على الأقل فإنها تهدد بتغيير شكل الحياة فيه بشكل جذري. أتحدث عن ثلاث تحديات كبرى تواجهنا في نفس الوقت، فبينما نشارك العالم في مواجهة فيروس كورونا والتغيرات المناخية وما تنتجه من عواصف عنيفة غير معتادة، فإننا نواجه سد النهضة الإثيوبي وحدنا، فيما يتفرج العالم علينا ونحن نصنع مصيرنا بأنفسنا.

سد النهضة هو أخطر التحديات التي تواجهنا، وخاصة أننا نواجهه وحدنا. المؤكد هو أن الدولة المصرية بدأت في تنفيذ خطة متعددة الأبعاد للتعامل مع أسوأ الاحتمالات التي قد نصل لها في قضية سد النهضة؛ فهناك إعادة تدوير للمياه، وهناك تقليص للمساحة المزروعة أرزا، وهناك تبطين لجوانب الترع للحد من فاقد المياه الذي يتسرب إلى التربة، وهناك ضبط لأساليب المحاسبة على استهلاك المياه للأغراض غير الزراعية للحد من الهدر وسوء الاستخدام، وهناك العشرات من محطات تحلية المياه الكبيرة والصغيرة التي يتم إنشائها، وهناك برنامج طموح لتوفير الطاقة، بما في ذلك باستخدام الطاقة النووية، من أجل توفير الطاقة اللازمة لتحلية المياه. المؤكد أن مصر لن تفرط في حقها في مياه النيل، لكن المؤكد أيضا أن احتياجاتنا من المياه تزيد مع زيادة السكان وارتفاع مستوى المعيشة، وعلينا تحويل أزمة سد النهضة إلى فرصة لتطوير جذري في أساليب إنتاج واستخدام المياه.

التغير المناخي هو أحد التحديات التي نواجهها. صحيح أن العالم كله يواجه هذا التحدي معنا، إلا أن مظاهر وآثار التغير المناخي تختلف من إقليم إلى آخر، وعلينا أن نكون مستعدين لمواجهة ما يخصنا من آثار. هناك درجة عالية من عدم اليقين فيما يخص الآثار المحددة التي ستأخذها ظاهرة التغير المناخي عندنا، لكن هناك بعض الأمور التي باتت مرجحة، أهمها ارتفاع مستوى سطح البحر بما يعنيه ذلك من تهديد للدلتا؛ وزيادة كمية الأمطار الساقطة على بلادنا التي تعودنا عليها بلادا جافة، حتى أننا تاريخيا نهجر الحياة في المناطق الساحلية الممطرة، ونفضل الحياة في المناطق الداخلية الجافة حول نهر النيل. يجب علينا من الآن بذل كل الجهد الممكن لحماية شمال الدلتا من الغرق، في نفس الوقت الذي نستعد فيه للانتقال للحياة في مناطق أخرى لم نعتد الحياة فيها من قبل؛ فبينما تبدو مناطق شمال الدلتا منخفضة بدرجة خطيرة، فإن مساحات واسعة على سواحل مصر الشمالية في مطروح وسيناء تبدوا آمنة إلى حد بعيد، وليس مصادفة ما تخطط له الدولة من تحويل مدينة العلمين الجديدة إلى مركز لمناطق عمرانية تستوعب ملايين من المصريين؛ في نفس الوقت فإن مياه الأمطار المتزايدة تقدم لنا فرصة جديدة لتقليل الاعتماد على مياه النهر، وعلينا أن نتعلم فنون وتكنولوجيات تتقنها الشعوب التي تعيش في البلاد الصحراوية المحيطة بنا، والتي تعلمت عبر القرون كيفية الاستفادة من كل قطرة ماء تسقط من السماء.

يعرف الأطباء المتخصصون الأساليب الفنية والعلمية اللازمة للسيطرة على وباء كورونا، ونحن نثق فيهم، فهم أفضل ما لدينا. لكن هناك العشرات من العادات والسلوكيات الاجتماعية التي نقوم بها جميعا، والتي تضاعف من خطر انتشار الوباء، سواء كنا نتحدث عن الكورونا أو غيره من الأوبئة. كل تهاون في مستويات النظافة العامة والشخصية يوفر بيئة مناسبة لانتشار الأوبئة، خذ مثلا البصق في الشارع، الذي مازالت نسبة كبيرة من شعبنا ترتكبها دون أي وخزة ضمير. ربما تراجعت هذه العادة في المدن وبين المتعلمين والميسورين، ولكن الكثير من الناس في الريف والأحياء الشعبية مازالوا متمسكين بهذه العادة، غير مدركين لمخاطرها. وأظن أن حالة الانتباه التي تصل إلى درجة الفزع من كورونا تمنحنا فرصة للبدء في حملة ناجحة للقضاء على هذه العادة المقززة. لنجعل من وباء كورونا فرصة للتخلي عن العادات غير الصحية، ولتعود الانضباط في الأداء والسلوك، ولرفع درجة النظافة الشخصية والعامة.

قديما كتب المؤرخ الفيلسوف أرنولد توينبي قائلا أن التحديات تستفز الأمم لكي تستجيب لها، وأن الأمم التي تنجح في الرد على التحديات باستجابات ناجحة، هي الأمم التي تصنع النهضة والحضارة. يعتبر توينبي أن الأمة المصرية من أنجح أمم العالم في الرد على التحديات باستجابات حضارية ونهضوية مبهرة، وأظن أن الأمة المصرية في القرن الواحد والعشرين قادرة على إبداع استجابات ناجحة للتحديات الوجودية الثلاثة التي تواجهنا.

إعلان