إعلان

أصحاب الهمم "9".. المرأة المعجزة (2)

د طارق عباس

أصحاب الهمم "9".. المرأة المعجزة (2)

د. طارق عباس
09:00 م الخميس 22 أغسطس 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لم تقف "هيلين كلير" عند حد المعرفة بالقراءة والكتابة، وإنما طلبت من مدرستها "آن سوليفان" أن تعلمها مهارة الكلام، والتحدث، وتجاوبت "آن" فعلا، وبدأت دروسها الأولى لـ"هيلين" في هذا الخصوص، وعندما أحست بسرعة تجاوبها ذهبت بها إلى "سارة فولَر" رئيس معهد "أورسيمال" للصم في "بوستون"؛ لتواصل على يديها تعلم مهارات الكلام والتحدث، والحقيقة أن صعوبة عملية التعليم بالنسبة لـ"سارة فولر"، نتجت عن عدم وجود ذاكرة سمعية كافية لدى "هيلين" تمكنها من معرفة الكلام ونطقه النطق الصحيح، ومع ذلك فقد بذلت "سارة" كل ما بوسعها لتعريف "هيلين" بعملية الكلام، وكانت تنفق في سبيل ذلك من الوقت والجهد الكثير دون كلل أو ملل، كانت تأخذ بيد "هيلين" إلى فمها أثناء حديثها؛ لتعرفها العلاقة بين حركة الشفتين وعملية نطق الكلمات والجُمَل أنفقت "هيلين" الساعات والأيام، وهي تدرب على ما تتعلمه من "سارة"، كانت تكرر خلالها الكلمات وتعيد وتزيد في تكرارها كانت تصيب حينا وتخطئ أحيانا، وبعد تلعثم وتأتآت خرجت للعالم خلال عام واحد وهي قادرة على النطق، ليس بالإنجليزية فحسب، وإنما بالفرنسية والألمانية واليونانية واللاتينية.

وانبهر الناس بهذا النجاح الذي يُعَد -بحق- أعظم الإنجازات الفردية في تاريخ تربية وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة.

التحقت "هيلين كيلر" بمعهد "كامبريدج" للفتيات حيث درست فيه العلوم والفلسفة والنحو والأدب، وظلت "آن سوليفان" على مدى سنوات الدراسة إلى جانب "هيلين" تنقل إليها ما يقوله الأساتذة وتنقل عنها أسئلتها إليهم وفي النهاية تخرجت "هيلين" من المعهد بتفوق، مكنها من الاستمرار في دراساتها العليا حتى حصلت على درجة الدكتوراه في العلوم والفلسفة.

ذاع صيت "هيلين" وعلا نجمها، وعرف الناس قصة صمودها وإصرارها على تحدي الإعاقة، فراحت الجامعات في كل دول العالم تستدعيها كي تلقي المحاضرات وتشارك في الندوات كما استكتبتها الصحف والمجلات وانتشرت مقالاتها وحواراتها وأجريت بشأنها الكثير من التحقيقات ونُشِرَت عنها الأخبار والتصريحات، والأهم من ذلك كله أن "هيلين" قررت أن تهب جزءا كبيرا من وقتها لدعم المعاقين والدفاع عن قضاياهم وجمع التبرعات من أجل الارتقاء بمستواهم النفسي والعلمي والاجتماعي.

كان لـ"هيلين" رصيد مشرف من تأليف الكتب وصل إلى حوالي 17 كتابا منها على سبيل المثال: "أضواء في ظلامي"، "الخروج من الظلام"، "الحب والسلام"، وغيرها من الكتب التي مثلت إضافة حقيقية للمكتبات العالمية، وقد تُرجِمَت تلك الكُتُب إلى أكثر من 50 لغة بيعت منها ملاين النسخ.

تُوُفِيَت "هيلين كيلر" سنة 1968 عن عمر يناهز 88 عاما، بينما بقيت مسيرة حياتها شاهدة على الإنسان أن يمكن أن يبلغ أعلى مراتب النجاح طالما وجد من يعينه على الوصول إليها.

إعلان