إعلان

إرهاصات طبعة إخوانية جديدة

محمد جمعة

إرهاصات طبعة إخوانية جديدة

محمد جمعة
09:00 م الخميس 03 أكتوبر 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تندرج جماعة الإخوان المصنفة كجماعة إرهابية ضمن التنظيمات المؤسسية ذات الأفرع المتخصصة، بما في ذلك تلك الأفرع المتفرغة لممارسة العنف المسلح.

يعتمد هذا النمط من التنظيمات في الحشد والتأثير على عنصرين رئيسيين:

- إطار فكري وأيديولوجي فضفاض يسمح لها بتقديم تفسيرات ومعالجات سياسية متعددة للقضية الواحدة، تدور أينما دارت المصلحة الخاصة بالتنظيم.

- التوظيف المكثف لما يمكن تسميته "الاتصال السياسي الاستراتيجي". وهو عملية التخطيط والتنفيذ المنهجي لتنظيم تدفق المعلومات وتطوير الوسائط، وإدارة الرسائل الإعلامية لكافة المستهدفين، من منظور طويل الأجل.

* فيما يتعلق بالعنصر الأول، يجادل البعض بشأن الآلية الذكية، بل والبرجماتية التي تستخدمها تنظيمات الإخوان في تأطير أيديولوجيتها بوضعها داخل إطار فضفاض، وباستخدام أقل قدر ممكن من الإسهاب والحشو اللفظي.. المثال الأشهر هو جملة "الإسلام هو الحل" لتنطبق على أي مشكلة أو قضية في المجتمع.

حيث يتيح تبسيط -وبالأحرى- تسطيح أطر القضايا، عددًا من المميزات، منها علي سبيل المثال، إتاحة فرصة أكبر لتقديم تفسيرات ومعالجات وبرامج سياسية متعددة للقضية الواحدة، تدور أينما دارت المصلحة. وأيضا، السماح بتجنيد قطاعات أكبر من جهة العدد، وأعرض من جهة التنوع، من دون أن تكون مطالبة بتقديم تفسير مفصل، تفهم في إطاره الأيديولوجية الكاملة للحركة.

* فيما يتعلق بالعنصر الثاني، يمكننا الاستنتاج بأن الإخوان يظهرون اهتمامًا كبيرًا بالأنشطة الهادفة للتأثير أو تشكيل تصورات الجمهور المستهدف، من خلال تنسيق الاتصالات، وتوظيف العدد المطلوب من وسائل الإعلام وإغراقها برسائل متماثلة نوعا ما وبشكل متزامن. ومن ثم تعبئة الجمهور من أجل دعم التوجهات العامة للتنظيم وضمان دعم الأهداف المراد تحقيقها.

*في هذه الآونة يبدو لي أن كلا من "الإطار الأيديولوجي الفضفاض" وأيضا التوظيف المكثف لوسائل الاتصال، مكنا الجماعة من تحقيق بعض أهدافها –وليست كلها- المتمثلة في:

- ضمان عدم حدوث انشقاقات ضخمة بين صفوفها تحت وطأة الإحباط أو الضغوط الأمنية، أو على الأقل تجاوز تحديات البقاء.

- البقاء كفاعل مؤثر في المشهد السياسي المصري، ولو عن طريق العنف والإرهاب. أو كطرف مؤثر في المعادلة المصرية، أمام الأطراف الخارجية على الأقل.

- محاولة النيل من سمعة المسار السياسي بعد ثورة 30 يونيو، بعد فشل الجماعة في البرهنة على مزاعم قدرتها على إسقاطه أو إخراجه من المشهد عن طريق العنف والإرهاب، أو أشكال أخرى من الاحتجاج السياسي.

* لكن بالمقابل، ثمة معطيات تشير إلى أن الجماعة تشهد حراكا داخليا، ربما لم تشهد مثله من قبل على مدار تاريخها...

أولا: شهدت السنوات القليلة الماضية وفاة عدد من قيادات الجماعة من جيل المؤسسين. وقد تزامن هذا مع استمرار ما تبقى من قيادات الصف الأول للجماعة في وضع مأزوم.. أي إما البقاء في السجن، أو الهروب إلى الخارج.

في ذات الوقت الذي شهدت فيه تلك السنوات نفسها وصول عدد لا بأس به من الجيل الثاني والثالث من قيادات الجماعة إلى مواقع مؤثرة في النسق القيادي للتنظيم.

ثانيا: تتعزز فرص التغيير داخل الجماعة مع انتقال الجزء الأكبر من الحراك الإخواني من المجال التقليدي له (الشارع ومؤسسات النشاط الاجتماعي، والجامعات، والنقابات المهنية) إلى الواقع الافتراضي عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف؛ لأن هذا الانتقال يعني بالضرورة سيطرة الجيل الثالث وربما الرابع على ما يمكن أن نُطلق عليه "المجال الإخواني العام" -كونهما الأقدر على استخدام هذه الوسائط- ومن ثم إتاحة الفرصة لهذه الأجيال كي تفرض رؤيتها بمرور الوقت.

ثالثا: ثمة تأثير استراتيجي مختلط لهذه الاستراتيجيات الإلكترونية التي مارستها اللجان الإخوانية خلال السنوات القليلة الماضية.. فمن ناحية قد تكون نجحت، بدرجة ملموسة، في إبقاء الجماعة على سطح المشهد السياسي، واخترقت عقل وقلب بعض مستخدمي هذه المنصات والتأثير على اتجاهاتهم وتفضيلاتهم.

لكنها من جهة أخرى، أنهت العزلة والمفاصلة بين شباب الإخوان المنخرط بكثافة في هذه الأنشطة، وجمهور المتابعين والمتواصلين معهم في سلسلة كاملة الحلقات من الاتصال والاستجابات الفورية والآنية. وبالتالي، بات تعرض عناصر شباب الإخوان لآراء ووجهات النظر المخالفة لآراء ووجهات نظر الجماعة كثيفا للغاية. الأمر الذي كان له أثر عكسي، من اختراق لقلوب وعقول بعض هؤلاء الشباب وتفتيت ولائهم للإخوان، كفكرة وتنظيم بشكل تدريجى. ومن المتوقع أن يكون لهذا أثره على حجم الموالين للتنظيم، في المديين المتوسط والبعيد، أو ربما يعجل بدوران عجلة ديناميكيات التغيير داخل الجماعة.

رابعا: إن فشل تجارب حركات الإرهاب الإخوانية، كحسم ولواء الثورة وغيرهما، بل واستعداءها للداخل المصري، مقرونا بإحباط شباب الجماعة المحبوسين على ذمة قضايا مرتبطة بنشاط الإخوان التخريبي، يمنح زخما لما يتردد من آن لآخر عن مبادرات لشباب الجماعة بالانفصال أو الابتعاد عن العمل السياسي، مقابل العفو عن شباب الجماعة أو وقف ملاحقتهم أمنيًا، على غرار ما حدث في الجزائر بعد "العشرية السوداء" من اعتماد مبدأ "العفو مقابل الحقيقة".

وبصرف النظر عن العقبات القانونية التي تحول دون تعاطي الدولة مع هذه المبادرات (كون هذه العناصر تم توقيفها على ذمة حوادث عنف وإرهاب أو لارتكابهم مخالفات جنائية) فالمرجح أن الجماعة قد خسرت هذه العناصر التي لن تفكر في العودة إلى صفوف تنظيم مارست قيادته ألوانا من الضغط والتنكيل والتواطؤ ضد عناصره، مقابل الحفاظ على مواقعهم على رأس التنظيم.

ولعل من الملفت هنا أنه لا توجد إشارة على برامج تربوية ودعوية لعناصر الإخوان داخل السجن، على غرار ما كان يحدث في السابق.

خامسا: تعرضت الجماعة، بعد ثورة 30 يونيو، لاختبار حقيقي على مستوي تماسكها التنظيمي والمؤسسي. فمن ناحية تصدع الهيكل القيادي في الداخل، وانتقل مركز ثقله إلى الخارج. ومن ناحية أخرى، شكلت العناصر الإخوانية هيكلاً تنظيميًا خاصًا بها داخل السجن، بات يمثل مركز ثقل آخر –وإن كان أصغر– للجماعة في الداخل المصري.

أي أنه بات للجماعة مركزان للثقل والقيادة، مرتبطان ببعضهما البعض في هيكل أقرب إلى الشبكة منه إلى الهرم الإخواني التقليدي. ولكن تبقى قدرة الهياكل الجديدة على العمل بذات الكفاءة القديمة أمرًا محل شكوك كثيرة. خاصة بعد الصراعات الداخلية، التي خرجت إلى العلن وتناولتها وسائل الإعلام المختلفة بما فيها منصات الإخوان نفسها.

• جملة المعطيات السابقة، تدفعنا إلى القول بأن التكتيكات التي مارسها الإخوان بعد ثورة الثلاثين من يونيو2013 ربما نجحت في تجاوز الجماعة لتحديات وجودية تهددتها، ولكنها أدخلتها "مفرمة التغيير" بحيث سنشهد –على الأرجح- خلال السنوات القليلة القادمة "طبعة جديدة" من الإخوان المسلمين، بعض ملامحها لم تتأكد بعد.

إعلان