إعلان

التنمر على الكبار.. تحب يموتوا إمتى؟

التنمر على الكبار.. تحب يموتوا إمتى؟

د. براءة جاسم
09:01 م السبت 15 سبتمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تعرَّضَت الفنّانة رجاء الجداوي، في الأسبوع الماضي، إلى التنمُّر عن طريقِ تعليقاتٍ خارجةٍ عن حدودِ الأدبِ واللياقةِ والأخلاقِ والإنسانيَّةِ وما تنُصُّ عليه الأديانُ، كان ذلك عقِبَ نشرِها صورًا لها على وسائل التواصلِ الاجتماعي بمناسبةِ عيدِ ميلادِها، مُفادُ هذه التعليقاتِ تعجُّبٌ واستغرابٌ كأنَّها تريد أن تقول: "كيف لسيدةٍ في هذه السن أن تكونَ على قيدِ الحياةِ حتى الآن، بلْ تحتفل بيومِ ميلادهِا؟! إلّا أن ردَّ فعل السيدة رجاء الجداوي كان على قدرٍ هائلٍ من الرقيِّ والأدبِ لا يستحقُّهُ مَن قاموا بهذا الفعل.

والفنانة رجاء الجداوي ليست هي الوحيدةُ التي تتعرَّضُ لهذا النوعِ من التنمُّر، فالأمثلةُ لا حصرَ لها، خاصةً في السخريةِ ممَّن تقدموا في السن، فباتت وسائلِ التواصلِ الاجتماعيّ تظهرُ شخصياتٍ غيرَ سويةٍ وغيرَ مُتَّزِنةٍ نفسيًّا تفرزُ أسوأ ما لديْها من خلف شاشات أجهزتها دون تفكيرٍ فيما تقول.

كذلك الفنانة نادية الجندي صُمّمتْ لها صورٌ ساخرةٌ (كوميكس) عقبَ الإعلان- بغضِّ النظرِ عن حقيقتِه- عن عملٍ جديدٍ لها خاص بالجاسوسية. ولا ننْسى المطربةَ صباح عندما كانت تتعرضُ قبل وفاتها لأشرسِ أنواع التنمّر، وكيف كان الناسُ يتعجَّبون من بقائها حتى تلك السن، كذلك الفنانةُ لبلبة منذ أشهرٍ قليلة عندما نشرَت صورَها في أحدثِ جلسةِ تصويرٍ لها، ناهيكَ مما نرى من سخريةٍ واستهزاءٍ إذا ما كان الخبر عن ارتباطٍ أو زواجٍ بعد سنٍ معينة، كلُّ ذلك وغيرِه الكثيرِ من أمثلةٍ لا تكفي مجلداتٍ لحصرها، وأتعمَّدُ هنا الحديثَ عن شخصياتٍ عامةٍ حتى أُعطيَ مثالًا حيًّا يشهدُه مُعظمُنا.

ووَفقًا لرابطة علم النفس الأمريكية، فالتنمُّر هو سلوكٌ عدوانيٌّ يتسبب القائم به عمدًا وبشكلٍ متكرِّرٍ في إيذاءِ ضحيّتِهِ إيذاءً جسديًا أو لفظيًّا أو بتصرفاتٍ غيرِ مباشرةٍ لكنَّها مؤذِيةٌ. وقد انطلقتْ مؤخرًا عدةُ حملاتٍ توعويَّةٍ عن التنمّر، ولكنْ ما لفتَ نظري في تلك الحملاتِ وفي النقاشاتِ الدائرةِ على الساحة إعلاميًا واجتماعيًا اقترانُ التنمُّر بالأطفالِ والمراهقين فقط، كأنَّ هاتين الفئتين دون غيرِهِما هما الضحايا، ومما جذبَ انتباهي أيضًا أنَّ بعضَ من ينشرون على صفحاتِهم منشورًا يخصُّ التوعيةَ يتناقلونَ هُم أنفسُهُم بعضَ تلك الصور (الكوميكس) التي تسخرُ من الناسِ كأنَّ نشر هذه الصور ليس من التنمّرِ في شيء، وهذا يعني أنَّ لديهِمْ خلطًا في المفاهيم، وبعضُهم يعاني ازدواجيةً فكرية.

ويأتي السؤال: كيف يختار المتنمّرُ ضحيته؟! هناك ما يسمى بالأهدافِ السهلةِ للمتنمّر، ككبار السن وأصحاب الإعاقة وذوي الأعراقِ المختلفة... إلخ. لن أتحدثَ باستفاضةٍ عن المتنمّر، لكنّي سأكتفي بذِكر أبرزِ صفاته الأساسية، فنجدُ أنّه شخصيةٌ ضعيفةٌ ناقمة، دائمُ الغضب، يفتقدُ الاتزانَ النفسيَّ، لديهِ رادارٌ مشوهٌ يلتقطُ نقاطَ ضعفِ الآخرين ليمارسَ عليهم أذاهُ بساديّةٍ إمَّا وجهًا لوجهٍ وذلك مع أكثرِ الأشخاصِ ضعفًا حيث لا يمكنُهُم صدُّه أو ردُّ إساءتِه، وإمّا أن يكونَ المتنمرُ جبانًا يختبئُ خلفَ جهازه الإلكتروني ليضخَّ سُمَّ كلماتِه بشكلٍ غيرِ مباشرٍ على أشخاصٍ لا يمكنُهُ مواجهتُهُم. وهذه الصفات هي غيضٌ من فيضٍ، فالموضوع أكثرُ تعقيدًا من مجرَّدِ ذكرِ بعضِ الخطوطِ العريضة.

أودُّ طرحُ بعض الأسئلة الخاصّة بأصحاب هذا السلوك المريض:

هل ثمّةَ أحدٌ من البشرِ يحدّدُ موعد ميلادِ أو موتِ غيرِه حتى يسخرَ منه ويستضعفه؟

أي نشأةٍ تلكَ التي زُرعَت داخلك أيُّها المتنمرُ حتى تنقمَ على غيرِكَ فتجعلَ حياته حِكرًا على سنٍّ أو نمطٍ وتُحرِّمَ الحياةَ بعده؟!

والأولى أن توجّه السؤال لنفسك:

"هل ستبقى شابًّا مدى الحياة؟

هل حددتَ لنفسكَ سنًّا تعتزلُ الحياة بعدها؟

إنَّك في أمسّ الحاجةِ إلى نظرةٍ أعمقَ في داخلِك والعملِ على إنقاذِ نفسِكَ من تلك الساديةِ التي خلَّفَتْها نشأتُك.

إعلان