إعلان

ابنتي.. الحُبُّ في حضرتكِ واجبٌ

ابنتي.. الحُبُّ في حضرتكِ واجبٌ

د. براءة جاسم
09:00 م السبت 21 يوليو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

(كل النساء كلماتٌ عابرة، وأنت وحدكِ نص القصيدة...).. هكذا كتبَ درويش. لم أدرك ما كان يعنيه إلا يوم مولدكِ، وحين وقعَتْ عيناي عليكِ لأول مرَّة. يومها وُلِدَتْ حروفي، وتشكّلَتْ كلماتي فكُتِبَتْ قصيدتي، وكان عُنوانُها أنتِ، ابنتي. كُنتِ أبجديّةً جديدةً في الحُبِّ لمْ أعرفْها من قبل.

أيا قصيدتي، يا أكثرَ من أُحِبّ، ويا أجملَ ما فيَّ، لم أكنْ يومًا أُجيدُ فنَّ رصّ الحروف وصفصفتها، ولكنني قرّرتُ أنْ أكتبَ لكِ رسالتي هذه، علّها تكونُ صكَّ غفران، راجيًا اللهَ أن يشفعَ حُبّي لكِ في غيابي عنكِ.

أيا حبيبتي، إنْ دقّتْ خيباتُ الحياةِ أبوابَكِ مبكّرًا، وحاولَ شيءٌ كسْرَكِ، فلا تبحثي خارجكِ عمّنْ يحملُ حلًّا سحريًا، ابحثي داخلَكِ، واجهي ودافعي عن وجودِكِ، واعلمي أنَّ الخيبات شديدة الخوفِ تختبئ خلف مسمياتٍ وضعَها بنو البشر، وأنّها تأتي وترحل.

أيا غاليتي، البشرُ أنواعٌ، فإن عرَفتِ وصادقتِ وأحببتِ ووثقتِ فجُرحتِ فلا تترجّي حُبًّا ولا تطلُبي عذرًا، فمن يُحبُّكِ سيأتي طواعيةً يطلبُ قربَكِ وصفحكِ وعفوكِ، وإن أردتِ ثأرًا واستطعتِهِ فترفَّعي وابتسمي ابتسامةَ ملكةٍ منتصرة، فإنما الثأرُ لغةُ الضعفاء، وأديري ظهركِ وارحلي حتى إنْ صاحبَ رحيلكِ عنهم الألم، وتذكّري أنَّ للولادة آلامَ مخاضٍ، يُولدُ بعدها إنسانٌ جديد، فلا تكوني ممّن تقتُلُهُم طعناتُ الآخرين، بل كوني ممّن يُولدونَ من أرحام التجارِب.

أيا أبجديَّتي، إنَّ المرأةَ ثالوث: القلب، الجمال، العقل، أمّا الرجل، فهو خطٌ مستقيم، أولُهُ عقل، وآخرُهُ قلب، وما بينهما قيدُ اكتشاف أُنثاه، فإن رغِبتِ بمناشدته، فناشدي القلبَ عن طريقِ العقل.

أيا بْنتي، إياكِ أن تقْبَلي الحُبَّ غير المعبّدِ أو المجهولَ، وحذارِ أن ينهارَ كبرياؤكِ أمامَ حُبِّكِ فتقبلي أنصافَ الحلول، وتختصري الحياة في رجل، فلمشاعرِكِ حرمةٌ، ليس لأحدٍ أن يعبثَ أو يتلاعبَ بها.

غاليتي، أنتِ الذكاءُ والجمالُ والألَق، فالحُبُّ في حضرتِكِ واجبٌ، فإنْ جاءَ من يستحقُّ، وأيقظَ مشاعرَكِ واستأثرَ فكرَكِ، فامنحي له القلبَ وزفّي إليه نفسَكِ في عُرسٍ أسطوريّ، وتذكرّي أنَّ لكلٍّ مِنّا زلاتٍ وهفواتٍ، فاصفحي عنه، واغفري له منها ما استطعتِ، فإن هو تدنَّى فترفّعي أنتِ عمّا لا يليقُ بكِ، وإن قرَّرَ أن يعيّنَ نفسَه حاكًما لأمرِكِ وقاضيًا عليكِ، وأراد أن يُصدرَ أحكامَه، فلكِ حقُّ المرافعةِ وحق الاستئناف وحق النقض، فإن استبدَّ، وأصرَّ على سَجنكِ خلفَ قضبانِ أفكارِه وفرماناتِه، فادفعي كفالتَكِ وارحلي.

أيا بْنتي، إنَّ العُمُرَ لا يمرُّ دون فِراق، وإنَّ الخطوات لا تمرُّ دون عثرات، فعذرًا على أيّةِ آلامٍ أو خيباتٍ خلّفَها فِراقي، وعذرًا على غيابي عن خطواتٍ تمشينها فلا أكونُ هُناك لأحمل عثرتَك.

رسالتي هذه حضنٌ يعانقُ فيه خريفي ربيعَكِ، فيا قصيدةَ حُبّي، كوني على ثقةٍ بأنَّه إن اختفَت حروفُ الأبجديّةِ كلُّها، فستبقى الألفُ والحاءُ والباءُ والكافُ أبدَ الدهر.

إعلان