إعلان

الدقيقة ٩٠

الدقيقة ٩٠

د. براءة جاسم
09:01 م الثلاثاء 19 يونيو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تساءلَ كثيرون عن سرِّ الدقيقة ٩٠ في مباريات كأس العالم المقامة حاليًا، وعن سرِّ فوز الفرق الأخرى في الدقائق الأخيرة، وكثُرت التخميناتُ والتحليلاتُ والبحثُ عن الأسباب، وهذا سلوكٌ بشريٌّ طبيعيٌّ جدًا لمحاولةِ فَهمِ ما يحدثُ في بيئة كلِّ شخصٍ خصوصًا فيما يراهُ من سلبياتٍ تعكّرُ صفوَ الحياة، ويُمكنُ لكلٍّ منَّا أن يُدليَ بدلوِهِ ويتكهّنَ الأسبابَ من وجهة نظرِهِ القاصرة، ولكن في نهاية الأمر يبقى السؤالُ الذي يستدعي الإجابة عنه للوصول إلى تفسيرٍ حقيقيٍّ بالبحثِ والدراسةِ لا بالتكهنات.

أحدَ عشرَ جزءًا يلتحمُ ليكوّنَ الكُلَّ، فتتحولُ الأجزاءُ إلى ما نسمّيه بالفريق، أحدَ عشرَ لاعبًا بقدراتٍ بدنيةٍ وذهنيةٍ وخلفياتٍ ونفسيّاتٍ ومشاكلَ وتعقيداتٍ مختلفة، فضلًا عما يحيطُ بالفريق من مدربينَ ومعالجين وعُمَّال وعلاقةِ كلِّ فردٍ من هؤلاء بغيرِهِ وعلاقتهِ بجماهير المشجعين ومنظومة الإدارة والرعاية والإعلام، مما يجعلُ الأمرَ أكثرَ تعقيدًا.

وينسى الجمهورُ في كثيرٍ من الأحيان أنَّ اللاعبَ بشرٌ يمُرُّ بظروفٍ قاسية، ومشكلاتٍ يوميّة، وتعقيداتٍ حياتيّةٍ لا تختلفُ عن كلِّ ما نمرُّ به جميعًا، بل على العكس فحياةُ الرياضيِّ، وخاصة لاعبِ الكرةِ، تجعلُه دائمًا تحت المِجهر، ومطالبًا بأن يؤديَ ويحقّقَ النتائجَ تحت أي ظرفٍ أو ضغطٍ يتعرضُ له أيًّا كان نوعُه.

فهلْ يستطيعُ اللاعبُ أن ينسلخَ من كل ما يمُرُّ بِه ليركِّزَ في اللحظة الراهنة؟

وهلْ تشفعُ له قدراته الجسديّة فقط في كل مرّةٍ- أيّا كانت الظروف- لتؤهلَهُ للفوز؟ وكيف لفريقٍ أن يفوزَ- إلا بالحظ- إذا ما تفاوتتْ مهاراتُ أفرادِه؟!

وهذا التفاوتُ هو أمرٌ يحملُ عبئًا شديدًا على أفراد الفريق في الألعاب الجماعيّة.

وقدْ أدركَ كثيرٌ من الأندية في شتّى المجالات الرياضيّة المختلفة أهميّةَ الجزءِ النفسيِّ والذهنيِّ في أداءِ اللاعب، فاستعانتْ بالدكتور النفسي الرياضي، وأنا هنا لا أتحدثُ عن دكتور نفسي نمطي يجلسُ على كرسيّهِ ويستلقي اللاعبُ أمامَهُ على "الشيزلونغ" ليتحدّثَ عن ماضيه وحاضرِهِ وعُقَدِه إلخ... وهو بالتأكيد فَهمٌ خاطئ، إنَّما أتحدثُ عن الدكتور النفسي المتخصّصِ في المجالِ الرياضي، والذي من مهامِهِ على سبيل المثال لا الحصر أن يساعدَ كلَّ لاعبٍ ليصلَ إلى قمّةِ قدراتِهِ النفسيّةِ والذهنيّة، فيتمكنَ من استخدامِها للتحكُّم في قدراتِهِ البدنيّةِ بشكلٍ أفضل، ذلك أنَّه يمكِّنُ اللاعبَ من إعطاءِ أوامرَ ذهنيّةٍ إلى جسمِهِ لأداء مهمتِه على الوجه الأكمل، فيصلُ باللاعب إلى أعلى درجةٍ ممكنةٍ من الإيمانِ بنفسِه والثقةِ بقدراته والتحرّرِ من كلِّ ما يعيقُه من سلبيّاتٍ والانطلاقِ إلى تحقيقِ التفوُّق على منافسيه. والهدفُ الأهمُّ لدى الدكتور النفسيّ هو أن يُلقي الضوءَ على العواملِ النفسيّة والذهنيّة التي قدْ تؤثرُ على اللاعبين بالسلب، كالقلقِ وعدمِ التركيز والخوفِ من الفشل أو من ردّ فعلِ الناس، وكذلك كلُّ ما من شأنِه أن يؤديَ إلى الخسارة، وذلك ليساعدَهُ على تفريغِ جميعِ طاقاته السلبيّةِ من داخلِه ليعزّزَ ثقتَه بقدراتِه ويمنحَهُ أدوات تمكِّنُه من السيطرةِ على أدائِه حتى الدقيقةِ الأخيرة دون تراخٍ أو كسلٍ أو خوفٍ أو قلق، وبذلك يتمكنُ دائمًا من إيجاد المحرّكِ والمحفّزِ بداخله.

وهناك أشخاصٌ تكونُ لديهِم تلك القدرات بالفطرة، حتى وإن لم يعرفوا أنهم يمتلكونها، لكنَّهم يستطيعون فكَّ شفراتِ قدراتِهم الذهنيّةِ والنفسيّة والاهتمام بقدراتهم البدنيّة، وهذا جزءٌ مهمٌ في منظومةِ تميُّزِهم وتفوُّقِهم، وهو ما يميِّزُ لاعبًا عن آخر وفريقًا عن آخر.

لقد أصبحَ الدكتور النفسي جزءًا لا يتجزأ عن المنظومة الرياضيّة، حتى بتنا نرى كبار المديرين الفنيّين يختارون الدكتور الفلاني ليكونَ في جهازِهِمُ الطبي، وهو أمرٌ يدعونا إلى أنْ نؤمنَ بأهميةِ التخصّصات الأخرى كدكتور الحمية الغذائية ومحلل الأداء وغير ذلك من التخصّصات التي سيؤدي الاهتمامُ بتفاصيلها إلى تقديمِ أفضل أداءٍ والانتصارِ على ما بعد الدقيقة ٩٠.

إعلان