إعلان

أكثر من "ماتريوشكا!"

أكثر من "ماتريوشكا!"

د. ياسر ثابت
09:00 م الثلاثاء 13 فبراير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

«تؤرقني رقابتي على ذاتي وعلى ما أكتب، ربما أكثر مما تؤرقني رقابة “الغرباء”.. تزعجني وتخلق مواجهات عدة بيني وبيني» (ص 10).

هكذا تهديك سلمى أنور أول مفاتيح حكايتها في كتابها “ماتريوشكا.. نساء من داخل نساء”، فهي تعترف قائلة: “أنا لا أكاد أدلل ذاتي هكذا.. بل إن رقيبي الذاتي يقف على سن قلمي بلا كلل، ليمنعني من ذلك النوع من التدليل، حتى إن كان ذلك سرًا” (ص 12).

الخبر السار هو أن سلمى نور تبوح في هذا الكتاب بأسلوبها الأدبي السلس الرشيق، وتقودنا إلى عالمها وعالم أخريات من هنا ومن هناك، من خلال حكايات غاية في الواقعية والطرافة والإمتاع، تمت صياغتها بحس أدبي وبراعة سردية عالية ومتقنة، مع حضور واضح للمعلوماتية والإلمام ببعض الأسرار والخبايا والتفاصيل الإنسانية للشخصيات التي حكت لنا سلمى عن حياتهن وما في تلك الحيوات من مآسيَ وآلام وعقد وصراعات.

اللافت للانتباه في الكتاب الصادر عن دار دلتا للنشر هو تلك المقدرة على استعراض هذا الخليط من الشخصيات بتمايز ومهارة وحميمية في ذات الوقت تجعلك تشعر بأن الكاتبة قد التقت أو عاشت مع كل شخصية من شخصياتها المختارة، وكلها شخصيات نسائية خالصة، وحسب تعبير سلمى:

“لطالما هُيّئ لي أن عائلتي مكوّنة من نساء فحسب!

“ربما لأن نساء عائلتي كثيرات ومترابطات ومملوءات بالحياة والقدرة على صناعتها بعيشها، وإعادة صناعتها بحكيها.. وربما لأن وعيي تفتّح وتشكّل إدراكي في حجورهن: جدتي، أمي، خالتيّ... ومن بعدهن الجيل الثاني أختي وبنات الخالتين، ثم الجيل الثالث ابنتي وبنات بنات الخالتين، ثم انضمّت زوجتا شقيقيّ الذكرين للمشهد، وأنجبتا مزيدًا من النساء الصغيرات جدًّا!” (ص 7).

عن اختيار اسم “ماتريوشكا” تقول: “نحن عائلة من النساء يضعن نساء يحبلن بدورهن في نساء.. أو هكذا أتصوَّر أنا منذ زمن.. ولأننا هكذا، فالمشهد يبدو لرأسي التي يحلو لها صنع مشاهد “سيريالية” على الدوام كما لو كنا- نساء عائلتي وأنا- مجموعة “ماتريوشكا”.. الدُمية الروسية التقليدية الملونة التي تبلغ من العمر ما يزيد على قرن من الزمان، والتي تتخذ شكل بيضة مُغلقة، تفتحها فتجد بداخلها دُمية أخرى تشبهها تمامـًا لكن تصغرها في الحجم، وهذه الصغرى أيضًا تحوي بداخلها دمية أخرى تصغرها.. وهكذا دمية من داخل دمية حتى تصل إلى القلب الذي هو دمية الماتريوشكا الصغرى في هذا النسق. أنا في داخل أمي، وزينبي الصغيرة في داخلي، وأمي في داخل أمها... “ (ص 7)، “كنتُ دومًا محاطة بالنساء، وأكثر حكاياتي بطلاتها نساء، نساء في خلفيتهن سفر، نساء في خلفيتهن فقر، نساء في خلفيتهن سجون، نساء في خلفيتهن بيزنس، نساء في خلفيتهن رجال.. ونساء في خلفيتهن حروب” (ص 23).

إعلان