إعلان

الحراك العالمي لكشف العنف ضد المرأة

الحراك العالمي لكشف العنف ضد المرأة

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

09:00 م الإثنين 26 نوفمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في اليوم العالمي لوقف العنف ضد المرأة، يشهد العديد من مدن العالم مظاهرات منددة بأي ممارسات عنيفة ضد المرأة أينما كانت وأيًا كان شكلها.

وأهمية هذه المظاهرات هذا العام مرتبطة بأنه شهد حراكًا لافتًا للانتباه من أجل كشف الأبعاد المختلفة للعنف الذي تتعرض له المرأة خاصة في مكان العمل.

ولعبت حملة # أنا_أيضًا ونظيرتها باللغة الإنجليزية #me_too دورًا مهمًا في توفير منصة يتم من خلالها الإفصاح عن أشكال العنف المختلفة التي تعرضت لها المرأة في دول مختلفة حول العالم.

وتوفير مثل هذه المنصة كان له تأثيرٌ إيجابيٌ في جعل الأنثى- أيًا كان عمرها- لديها الشجاعة لمشاركة أصعب لحظات مرت بها وهي اللحظات التي تعرضت فيها للعنف بسبب كونها أنثى، أيًا كانت درجة ذلك العنف، وهو ما يتم تداوله في مجتمعنا تحت اسم التحرش، بل في أحيان كثيرة القيام بتسجيل تلك اللحظات في مقاطع فيديو وإتاحتها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، مما يسمح بتداولها على نطاق أوسع، ولدينا في مصر واقعة فتاة التجمع التي تمثل تعبيرًا واضحًا عن ذلك.

وما يهمني في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة هو:

ما الذي حققناه في بلدنا الذي يمثل فيه المرأة نصف عدد السكان تقريبُا (48.5% وفق تعداد 2017)، وتسهم بشكل لا يمكن إنكاره في التنمية الاقتصادية في الدولة، وتظل تعبر عن كتلة تصويتية في الانتخابات لا يمكن تجاهلها؟!

واللافت للانتباه في حالة مصر أن- رغم زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي الفتاة المعروفة بـ"ضحية التحرش في ميدان التحرير" في يونيو 2014، وهي زيارة بعثت برسائل معنوية وأخرى تتعلق برفض رأس السلطة في الدولة مثل هذه الممارسات- الأجهزة الحكومية المعنية باتخاذ إجراءات رادعة للتعامل مع مثل هذه الحالات لم تتحرك بنفس مستوى تحرك الرئيس، وهذا الوضع يفسر لماذا- رغم أن قطاعات مختلفة من المجتمع المصري ترفض ممارسة العنف ضد المرأة بما في ذلك ما يتعلق بالتحرش- تتجه الأجهزة المعنية للصمت عن التعليق على مثل هذه القضايا، ولا تمنحها وزنها الحقيقي، وهو ما يشجع قطاعات أخرى على الاستمرار في ممارسة العنف ضد المرأة.

من ناحية أخرى، نجد أن المؤسسات الدينية- نتيجة لوجود تيارات ترفض حالة الصمت السائدة على المستوى الرسمي- تضطر للتحرك واتخاذ موقف رافض من هذه الممارسات، وفقا لاعتبارات دينية في الأساس، ولعل بيان شيخ الأزهر أحمد الطيب ردًا على واقعة فتاة التجمع مثال جيد على ذلك، وهذا لا يقلل من مسؤولية الجهات المعنية بهذه القضية.

وحين ننظر إلى بيئة العمل والتي عادة ما تتعرض فيها المرأة لأنواع مختلفة من العنف بدءًا من التحرش وانتهاءً بالتمييز الضمني ضدها في العمل، بسبب كونها أنثى، وليس بالنظر إلى قدراتها ومؤهلاتها العلمية والعملية، نجد أنها بيئة تشجع على القيام بتلك الممارسات ضد المرأة.

فمن ناحية، لا يوجد جهة معنية في أماكن العمل المختلفة بتلقي الشكاوى من أي فتاة أو امرأة تتعرض لأي شكل من أشكال العنف، وبالتالي تضطر من تملك الجرأة منهن للخروج خارج مؤسسات العمل والذهاب لأقسام الشرطة لتحرير محضر، وهناك يجب أن يكون لديها القدرة على توفير الدليل المادي، ورغم أهمية جهود وزارة الداخلية في هذا المجال، من حيث استحداثها، منذ العام 2013، إدارة لمكافحة العنف ضد المرأة، فإنه يظل وجود جهة ما داخل مؤسسات العمل الحكومية والخاصة مسؤولة عن تلقي هذه الشكاوى أمرًا حيويًا.

ومن ناحية ثانية، لا يوجد اهتمام بتثقيف العاملين في الجهات المختلفة بأشكال العنف ضد المرأة، ففي العديد من الدول الأخرى لدى كل مؤسسة عامة أو خاصة ميثاق الأخلاق الذي يتضمن التزامًا من العاملين أيًا كانت درجتهم الوظيفية بعدم التسامح مع أي شكل من أشكال العنف ضد المرأة بسبب جنسها، وضرورة الإبلاغ عن ذلك في حال معرفتهم بأي وقائع مؤكدة، فضلاً عن توفيرها تدريبًا لتعريف العاملين بأشكال العنف المختلفة التي قد تمارس في بيئة العمل، والتي تعبر عن عنف ضد المرأة، وبالتالي لا يمكن الدفع بالجهل وعدم المعرفة لتبرير ممارسة ما هو غير مسموح به.

ومن ناحية ثالثة، لا يوجد ما يمنع من يمارس العنف من الترقي في مكان عمله أو توقع عليه عقوبة رادعة لغيره، وتمثل تعويضًا معنويًا لمن مورست ضدها العنف، وهذه مسألة مرتبطة بطبيعة القوانين التي لدينا وما تتضمنه من عقوبات رادعة في هذا الصدد ومن الذي يتولى تنفيذ تلك العقوبات.

ومن ناحية أخرى، لا توجد جهة معنية بمناهضة العنف ضد المرأة، أو بوضع استراتيجية وطنية لتحقيق ذلك، لديها السلطات المعنية، أسوة بهيئة الرقابة الإدارية المعنية بمكافحة الفساد وتنفيذ الاستراتيجية الوطنية الخاصة بذلك، وهو ما يستدعي التفكير بجدية في إمكانية إيكال هذه المهمة لهيئة الرقابة الإدارية لضمان خلو المؤسسات الحكومية من كل أشكال العنف ضد المرأة.

من أمن العقاب أفسد في الأرض.

إعلان