إعلان

الراجل زودها أوي!

أرشيفية

الراجل زودها أوي!

أمينة خيري
09:00 م الإثنين 02 أكتوبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

"الراجل زودها أوي!" هكذا لخَّص سائق الأجرة الأحوال المستعصية والأوضاع المتأزمة والأمور المتعقدة! زيادة أسعار الكلام في المحمول، ومصاريف الأولاد في المدارس، وأسعار الجبن واللبن والصابون، وتقزم رغيف الخبز، وتوغّل وتوحّش وتجحّش قرارات التجار والمدرسين ومقدمي الخدمات العشوائية من سُياس وحُرَّاس عقارات وجامعي قمامة وغيرها لرفع الأسعار دون رقيب أو حسيب.

وحسب ما فهمت، وهو فهم على الأرجح دقيق، أن السائق يقصد الرئيس. لكن أصول الصنعة وجذور المهنة حتمت عليَّ الاستهبال والاستلواح وإعادة السؤال: “أي رجل تقصد؟” وجاءتني الإجابة شافية مشفية: السيسي شال الدعم، السيسي زوّد الأسعار، السيسي منع الكلام في المحمول، السيسي سايب التجار ينهشوا فينا، السيسي غلا أسعار الميكروباصات، السيسي ترك أوبر وكريم يأكلوا من رزقنا وقائمة ما فعله (الرئيس) السيسي جاءت طويلة بطول الرحلة من مصر الجديدة إلى الزمالك.

الرحلة التي تكلفت بحسب العداد (الملعوب فيه بما لا يخالف شرع الله كما هو موضح على زجاج السيارة الخلفي حيث “لا إله إلا الله محمد رسول الله”) 97 جنيهًا مصريًا فقط لا غير، أكدت أن كثيرين ينظرون إلى كل كبيرة وصغيرة من تفاصيل حياتهم هي من فعل الرئيس.

وكثيرون يتعاملون مع الحياة بالغة الصعوبة التي نحياها جميعًا باعتبارها اختيارًا طوعيًا من اختيارات الرجل، وذلك على اعتبار أن لديه حفنة من الاختيارات التي ينتقي منها ما يشاء وقتما يشاء.

وقد شاء القدر أن نعيش في مصر في ظِل ثقافة سياسية عمرها عشرات الأعوام تنص على أن النظام الحاكم عبارة عن شخص نحبه موت أو نكرهه موت، وأن النظام السياسي هو نتاج ذلك الشيء الناجم عن القرارات التي يتخذها الشخص الذي نحبه موت أو نكرهه موت، ومن ثم نؤيِّد هذا النظام موت أو نعارضه موت، وأن الصفحات التي تنضم إلى كتاب التاريخ المقرر على الصف السادس الابتدائي والثالث الإعدادي فيما بعد تسرد سردًا يشير إلى أن هذه الحقبة كانت ذهبية موت أو هبابية موت. (مع ملاحظة أن ما يُكتب في كتاب التاريخ اليوم باعتباره ذهبيًا بحتًا قد يتحول هبابيًا قطعًا بتغيير الأنظمة).

ونعود إلى حديث السائق واعتباره أن “الراجل زودها” وأشير على سبيل السرد الموضوعي أن السائق لم يتطرق إلى ازدواجية تقارير “هيومان رايتس ووتش” أو انتقائيتها أو أدلجة محتوياتها. كما لم يأتِ بسيرة الحركات الانفصالية هناك في كتالونيا أو هنا في كردستان. وهو لم يتطرق إلى صواريخ كيم يونج أون أو بتغرديات دونالد ترامب أو بالحكم الصادر على فضل شاكر أو حتى مصير فريق برشلونة في حال انفصال كتالونيا فعليًا.

وفعليًا وفي ظل ما نعيشه من أوضاع صعبة وظروف ملتبسة – بعضها من صنع أيادينا والبعض الآخر وارد الخارج بالتعاون مع الداخل- يمكن القول أن الحكومة بوزرائها، والبرلمان بنوابه، والهيئات والمؤسسات الحكومية ومن فيها وما عليها، والهيئات أو الأفراد الاستشارية المحيطة بالرئيس غير مرئيين للمواطن العادي.

المواطن العادي لا يرى – أو بالأحرى لا يجد - من يحمله المسئولية ويعاقبه بالكراهية أو يثيبه بالحب سوى الرئيس. وهذا مربط الفرس.
وأغلب الظن أن المواطن العادي لم يجد من يعرض عليه رؤية وطنية بأسلوب لا يهين ذكاءه، أو يطرح عليه خطة لا تتعالى عليه بالمعلومات المجعلصة والمفردات المكعبلة، أو يصارحه ليس فقط بواقع اقتصادي مر يستوجب علاجًا إصلاحيًا أمر منه ولكن أيضًا بخطة زمنية وقواعد إجرائية ونتائج واقعية يتم حساب المُخطئ والمقصر بناء عليها.

وبناء على ما تقدم، فإن سائق الأجرة ومعه كثيرين سيظلون على قناعة بأن أحدهم زودها “شوية” أو “أوي” أو “نص نص” لحين إشعار آخر! وسيظل الرئيس مُتحملًا حملًا ثقيلًا عاتيًا يصعب أن يتحمله بشر، وهو حمل إدارة بلد كمصر بما فيها من خيرات وويلات، وحمل تحمل مسئوليات يفترض أن تكون موزعة ومعلنة ولا يصب جميعها على مكتب الرئيس!

إعلان