إعلان

حازم دياب يكتب: المتسلل ليلاً

الكاتب حازم دياب

حازم دياب يكتب: المتسلل ليلاً

09:46 م الأحد 29 مارس 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - حازم دياب :
يشاهد "لويس بلوم" رجلاً يحمل الكاميرا، يقرّب العدسة إلى مصاب حادثة على قارعة الطريق، يسمعه يتفاوض تليفونياً على بيع هذه اللقطات بـ400 دولار، يقرر أن يسرق دراجة ويقايضها مع صاحب محل على كاميرا يد صغيرة، وجهاز يتعقب به إشارات الشرطة الأمريكية. ما أن يسمع عن حادثة ما، يسرع بسيارته، يلتقط الحادث ثم يعود ظافراً إلى إحدى القنوات الإخبارية الهامة لتشتري منه اللقطات، المنتج الفني للنشرة الإخبارية سيدة قوية، لاحظت فيه رغبة في شهرة، وأحست أن ذلك الشاب ذو العيون المتنمرة سيؤدي ما تطلبه منه، علّمته دروساً: اظهر المزيد من مشاهد الدماء، احرص أن تأت بما يثير تعاطف الناس، يفضّل أن تكون اللقطات المصوّرة لرجل أسود يقتل رجل أبيض، لا ضرر أن تبدّل في موقع الجريمة لتثير الريب، استخدم كل وسائلك غير الشرعية من أجل الحصول على لقطات تجعل الناس في المنازل يصيبها الذعر ولا تتوقف عن الحديث عن تلك اللقطات في كل مكان.
***
كان الرجل مديراً على مكان وليد حديثاً، كان كمثل الجميع يبحث عن غول اسمه "الترافيك"، يُذكر فرحته بأحداث دامية مصرية، طالما حصل من محرريه على لقطات جيّدة: شاهد الدماء تغرق شارع كذا.. شاهد فلان يعتدي بالأسلحة البيضاء على فلان في مظاهرة.. شاهد كيف انفجرت قنبلة المولوتوف في وجه المواطن. يستقبل اللقطات المصورّة من محررية فرحاً، ينشرها بأسماء جاذبة للجمهور، ليصبح معدل "الشير" أسرع، فيرتقي بموقعه في المراتب في سباق محموم كأن صاحب المركز الأول بين المواقع سيحصل على أرفع الجوائز الصحفية.
***
عيّن "لويس بلوم" مساعداً له، اختاره "غلبان"، ذات مرة بعد تأخره في الوصول إلى حادثة في طريق عودته، رأى حادثة تُرتكب بشكل حي. صوّر وشوش المجرمين وهم يركضون هرباً، دخل إلى المنزل وجد أهل البيت البيض مضرجين في دمائهم، قرّب الكاميرا على خيوط الدم المبعثرة على السجاد، التقط لقطات كاملة للحادث، قبل ذهابه للقناة التي يبيعها: قص وشوش المجرمين وأرقام سيارتهم، وأخبر جهات التحقيق عندما سألت عن مصوّر الحادث بأنه لم يستطع اللحاق بهم. فرحت المنتجة الفنية للنشرة – والتي حاول بلوم أن يقيم معها علاقة جسدية – باللقطات التي تجعل من الجريمة مثالية للشاشة، تدخل رئيس تحرير النشرة قائلاً إن ذلك مجاف للمهنية وللإنسانية، لكن المنتجة أوقفته بأن هذه الكلمات يُمكن أن يكتبها في تغريدة. ذيعت اللقطات، وأصبح أجر "لويس بلوم" الآف الدولارات وكوّن شركة لإنتاج اللقطات التلفزيونية أصبح اسمها يُقال في النشرة.
***
كنت في الفيوم أقوم بعمل صحفي منذ عامين لم يُكتب له النشر، ذهبت إلى الدير المنحوت برفقة صديقي الصحفي أحمد الليثي، بغرض عمل موضوع عن جمال الدير الواقع في صحراء آسرة، دخلنا فوجدنا الرهبان يخبرونا في وجل عن التعديات الموجودة.. عن الصراع مع العربان حول الأرض منذ سنوات، حكوا عن النباتات النادرة التي ماتت، وعن الحيوانات التي نفقت في بيئتها الجديدة التي لم تعتد أن تجاور بني البشر، مضى الوقت، ولم ينزل التحقيق أو يُكتب، ومنذ شهر تقريباً لمحت "بوست" عبر فيس بوك لأناس يدافعون عن "الدين" المسيحي باسم الرهبان، حيث نشروا أن ثمة عربات تريد أن تهدم الأجزاء المخالفة ويهتف قائدو العربات "الله أكبر". وجدت أن البوست تم تشييره الآف المرات في غضب، وأن القضية باتت رأي عام.
***
تتبّع "لويس بلوم" سيارة المجرمين بعد أيام من الحادث، بمجرّد وصولهم لمطعم في وسط المدينة، اتخذ موقعه، وأرسل مساعده بعد إغرائه بالمال إلى زاوية خطيرة للتصوير، هاتف الشرطة برؤيته المجرمين يحملون الأسلحة، دار الاشتباك بالنيران والمطاردة بالسيارات في وسط المدينة، صورّه. هناك قول لصاحبنا المصري بأنه حين تهدأ وتيرة الأحداث وتفشل في الحصول على حدث؛ اصنعه بنفسك. مات مساعد لويس بلوم بعد أن أخبره أن يذهب لتصوير أحد الضحايا، وهو يعرف أنه لم يمت بعد، قرّب "لويس" الزوم على مساعده الميت ليستدر العطف. حمل الشريط الحصري إلى القناة التي رفضت منتجتها الفنيّة أن تنشر أن الجريمة وقعت بسبب مخدرات لكيلا يخفت وتيرة التعاطف والحديث بين الناس.
***
يبدأ فيلم "Nightcrawler" أو "المتسلل ليلاً" بشخصية الممثل " جيك جيلنهال" في دور البطل "لويس بلوم" كلص أسلاك شائكة من المواقع، وينتهي به منتجا لأهم لقطات الفيديو التي تعرض في التلفزيون وفي النشرات الإخبارية. فيلم مرعب بما يكفي.


إعلان