إعلان

خالد داود يكتب.. محافظين عهد مبارك

خالد داود يكتب.. محافظين عهد مبارك

11:50 ص الأربعاء 18 سبتمبر 2013

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - خالد داود:

مسكينة هي مدينة الأقصر العزيزة أحد أجمل مدن مصر ومن ضمن الأكثر ثراء بالآثار الفرعونية. فبعد أن أصابها الشلل التام من جراء سياسات الرئيس الإخواني السابق محمد مرسي وقراره الذي أدهش الجميع بتعيين محافظ لها ينتمي للجماعة الإسلامية التي أعلنت مسئوليتها عن مذبحة سواح الأقصر الشهيرة في 1997، يبدو أنها ستعيش محنة جديدة على يد سيادة اللواء المحافظ طارق سعد الدين، والذي جاء تعيينه بعد انتفاضة 30 يونيو ضمن قرار واضح بالعودة لسياسة تعيين محافظين من خلفيات أمنية بزعم الحاجة لهم في مرحلة المواجهة الحالية مع جماعة الإخوان وأنصارها من المنظمات الإرهابية الأخرى.

سيادة اللواء تكرم وقام بدعوة عدد من ممثلي الأحزاب لإجراء نقاش حول التعديلات الدستورية التي تقوم بها لجنة الخمسين حاليا وذلك في مقر مكتبة مصر العامة في الأقصر. استجابت الأحزاب واعتبرت ذلك تعبيرا عن نمط جديد من العلاقة مع الحكومة المركزية، خاصة وأن شباب هذه الأحزاب هم من أتوا بسيادته إلى منصبه بعد تصميمهم على مواجهة صلف وغرور الرئيس السابق وجماعته الإخوانية في 30 يونيو. كما اعتقدوا أن هذا اللقاء امتداد في الغالب لما يقوم به شاكرا الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور في القاهرة من لقاء لرؤساء الأحزاب التي دعمت خريطة الطريق التي تم إعلانها في 3 يوليو.

ولكنه ولأنه طبعا شخص مهم جدا وحكومة يا باشا، وصل محافظ الأقصر إلى اللقاء متأخرا ساعتين، عادي جدا. وزاد سيادته الطين بلة بالقول أنه لم يأت في الواقع ليناقش أو ليستمع، بل أنه سيمكث خمسة دقائق فقط، وذلك على عكس الرئيس عدلي منصور والذي أمضى خمس ساعات كاملة في النقاش مع رؤساء الأحزاب مؤخرا. أما مساهمة محافظ الأقصر في النقاش حول التعديلات المطلوبة لكتابة دستور لدولة ديمقراطية، فكانت وصلة من الاستهزاء والاستخفاف بممثلي الأحزاب ودعوتهم إلى الكف عن الكلام والطنطنة، زاعما أنهم لا يتمتعون بأي أرضيه، وأن المطلوب هو اتباع قدوة سيادته في العمل مع الجماهير على الأرض وحل مشاكلهم.

ويبدو أن المحافظ لم يبلغه بعد أن النظام السياسي في مصر يقوم على تعدد الأحزاب منذ العام 1977، عندما كان يبلغ من العمر 22 عاما وهو الآن في الثامنة والخمسين. وللتذكرة كذلك لأنه قد يكون فاته ذلك، أن هناك ثورة قامت في هذا البلد في الخامس والعشرين من يناير 2011، وشعب واع لم يعد ليقبل الاستهزاء والاستهتار به من قبل مسئولين حكوميين يظنون أنفسهم فراعنة صغار يستمدون قوتهم من الفرعون الكبير، وهو ما أكدناه مجددا في انتفاضة 30 يونيو.

صحيح أن هذه التجربة الحزبية تحولت إلى ديكور يتباهى به الحزب الواحد الحاكم في مصر منذ 1952، مع التغيير الموسمي للتسميات من اتحاد اشتراكي لحزب مصر ونهاية بالحزب الوطني، ولكن المسئول عن ذلك هم أمثال سيادة المحافظ الذين يتمسكون بإدارة البلد بعقلية الستينات ويقاومون بشدة أي سعي لتقدم مصر نحو مجتمع تعددي حقيقي يتم فيه مسائلة ومحاسبة أمثاله. مبارك وتزويره المتواصل للانتخابات ونتائج ال 99 في المائة موافقة المخزية، واعتماده في إدارة مصر على عقليات كتلك التي ينتمي لها محافظ الأقصر هي من جففت الأحزاب وجعلتها خالية من المضمون، بل وفتحت الباب لتمكين الإخوان من تحقيق فوز سهل ومتوقع في أول انتخابات برلمانية في أعقاب ثورة 25 يناير وذلك لأنهم كانوا الوحيدين الذين يمتلكون تنظيما فعالا، مقارنة بالتنظيم الهش المتداع للحزب الوطني المنحل القائم على بركة من الفساد.

كما أعتبر المحافظ اللواء وجود ممثلين لحزب الدستور الذي أسسه الدكتور محمد البرادعي، نائب رئيس الجمهورية السابق، مناسبة للمشاركة في حملة التشويه المنظم التي يتعرض لها منذ أن قرر الاستقالة من منصبه قبل شهر احتجاجا على إصرار السلطات الأمنية على فض قوات الأمن لاعتصامي رابعة والنهضة باستخدام القوة المفرطة مما أوقع مئات القتلى، وذلك بدلا من التدريج في الفض من أجل الحفاظ على أرواح المصريين، وللسماح بالمضي قدما في مصالحة وطنية، وتجنب الدخول في موجة من الإرهاب كتلك التي نشهدها الآن. ونصح اللواء السابق ممثلي الحزب بتغيير اسمه بعد أن تبين أنه "لا أمان لهم."

ولم تكن هذه هي المواجهة الأولى التي تخوضها الأحزاب في الأقصر مع سيادة المحافظ مدير سلاح المهندسين السابق. فسيادته، وغالبا بعد مشاهدة هذه الأغنية الجديدة التي تشكر دول الخليج التي مدت لنا يد المساعدة في أعقاب 3 يوليو، وتمجد أسماء الأسر الحاكمة هناك أسرة، أسرة وتحديدا، آل سعود وآل نهيان وآل الصباح، قرر فور توليه منصبه أن يغير اسم أحد ميادين الأقصر من "ميدان التجارة" إلى "ميدان الملك عبدالله،" ووضع صورة كبيرة للملك السعودي وسط الميدان وأصدر بيانا زعم فيه أن ذلك كان بناء على قرار شعبي شاركت فيه الأحزاب.

طبعا الأحزاب لم توافق ولا يحزنون، بل إن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي أصدر بيانا قال فيه أنه "يرفض هذا الشكل من الرياء." ولكن تفسيري الشخصي التأمري هو أنه ربما يكون سيادة المحافظ بحكم منصبه قد وصلته نسخة مبكرة مسربة من تلك التي التسجيلات التي يتم تداولها من مقتطفات لحوار مع الرئيس المخلوع حسني مبارك، والتي اثنى فيها ثناء بالغا على حكام المملكة وكيف أنهم عرضوا في أحد المرات ستة مليارات دولار دفعة واحدة على المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري السابق مقابل الإفراج عنه. وبالتالي فور توليه لمنصبه، قرر الوفاء بالدين ظانا أن كل الأوضاع قد عادت إلى ما كانت عليه قبل ثورة 25 يناير.

ممثلو أحزاب الوفد والتحالف الاشتراكي والتيار الشعبي والدستور، لقنوا سيادة المحافظ درسا لن ينساه، وقرروا الانسحاب الجماعي من ذلك اللقاء المهزلة قبل أن ينهي سيادته دقائقه الخمسة المتاحة. كما أصدروا بيانا صارما أعربوا فيه عن رفضهم لذلك الأسلوب في التعامل، واعتبروا أن تهجمه على الدكتور البرادعي "جزء من الحملة الاعلامية القذرة ضد ثورة 25 يناير ورموزها لاستبدالها بثورة 30 يونيه لوأد الشعارات الحقيقية ل 25 يناير، عيش -حرية - عدالة اجتماعية - كرامه انسانية." المحافظ المباركي سعى سريعا للاعتذار، وقال أنه يقوم فقط "بمداعبة" ممثلي الأحزاب. هذا ليس وقت مداعبة يا سيادة اللواء، وإذا لم تكن تدرك بعد أن مصر أحزاب، فربما يكون قد حان وقت التقاعد المبكر.

إعلان

إعلان

إعلان