"احتياج اقتصادي".. إبراهيم عيسى: صفقة الغاز ليست نصرًا يحتفى به ولا خيانة تدان
كتب- أحمد العش:
إبراهيم عيسى
قال الكاتب الصحفي والإعلامي إبراهيم عيسى، إن إعلان صفقة استيراد الغاز بين مصر وإسرائيل أثار موجة واسعة من الهجوم السياسي والإعلامي، شاركت فيها تيارات إسلامية وإخوانية وسلفية، ومعها بعض الأصوات اليسارية والليبرالية، في هجوم مشترك على الحكومة المصرية، هذا الهجوم لم ينطلق من قراءة اقتصادية أو فنية للصفقة، بقدر ما جاء محمولًا على خلفيات أيديولوجية وشعاراتية، تجاهلت السياق السياسي والقانوني الذي يحكم علاقة مصر بإسرائيل منذ توقيع معاهدة السلام.
وأوضح "عيسى"، خلال بث مباشر عبر قناته الرسمية على موقع "يوتيوب"، أن توقيت هذا الهجوم تزامن مع خروج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليصادق على الصفقة ذاتها أمام الرأي العام الإسرائيلي، مقدمًا إياها باعتبارها إنجازًا اقتصاديًا مهمًا لإسرائيل.
وفي الوقت نفسه، كان نتنياهو يتحدث عن ترتيبات إقليمية واتفاقات وصفها بأنها غير مسبوقة، ويعرضها كنجاحات استراتيجية، في مفارقة تعكس التناقض بين الخطاب الإسرائيلي الداخلي والخطاب العربي المعترض.
وأشار إلى أن المشهد الإقليمي يكشف عن ازدواجية صارخة، إذ إن القوى ذاتها التي تهاجم صفقة الغاز المصرية مع إسرائيل، تصمت تمامًا عن العلاقات الاقتصادية الواسعة والمتينة بين تركيا وإسرائيل، رغم ما يعلنه النظام التركي من مواقف سياسية متشددة.
واستشهد بأرقام موثقة عن حجم التبادل التجاري بين أنقرة وتل أبيب، الذي شهد نموًا كبيرًا على مدار سنوات، حتى في ذروة الأزمات السياسية بين البلدين، دون أن ينعكس ذلك على حملات أو هجمات مماثلة.
وأكد أن السؤال الجوهري الذي يجب طرحه هو ما إذا كان الاعتراض موجهًا إلى فكرة السلام ذاتها، فمصر، وفقًا لكلامه، دولة وقّعت معاهدة سلام ملزمة منذ عام 1979، ولم تشهد حدودها الشرقية أي مواجهة عسكرية منذ ذلك التاريخ، وهو سلام أقرّه الشعب المصري وسانده، وأصبح واقعًا سياسيًا لا يمكن القفز عليه بالشعارات أو المزايدات.
وأوضح عيسى أن صفقة الغاز يجب أن تفهم في إطار احتياج اقتصادي مباشر، فمصر تستهلك نحو 7.5 مليار قدم مكعب من الغاز يوميًا في أوقات الذروة، بينما تعتمد على 3 مصادر للغاز، تختلف تكلفتها، فالغاز المحلي يعتبر الأقل تكلفة، يليه الغاز المستورد عبر الأنابيب، بينما يعتبر الغاز المسال الأعلى تكلفة، وهناك استيراد الغاز من إسرائيل عبر خطوط الأنابيب، وفقًا لهذه المعادلة، يحقق وفرًا سنويًا يتراوح بين 2.5 و3 مليارات دولار مقارنة باستيراد الغاز المسال.
وشدد على أن هذا الوفر لا يعني تحقيق طفرة اقتصادية أو تحول مصر إلى مركز عالمي للطاقة، منتقدًا ما وصفه بالمبالغات الرسمية السابقة في الترويج لملف الغاز، خاصة فيما يتعلق بحقل “ظهر”، مؤكدًا أن هذه المبالغات رفعت سقف التوقعات لدى المواطنين، ثم انتهت بإحباط واسع حين لم تتحقق الوعود المعلنة.
وانتقد إبراهيم عيسى إدارة ملف الغاز في مصر، معتبرًا أنها أديرت بطريقة ضبابية، دون شفافية كافية أو محاسبة واضحة، ما أدى إلى انتقال مصر من وضعية تصدير الغاز إلى استيراده، رغم الحديث المتكرر عن الاكتفاء الذاتي. وأكد أن هذا الفشل الإداري هو جوهر الأزمة، وليس الصفقة في حد ذاتها.
وأوضح الكاتب الصحفي أن تعميق المصالح الاقتصادية بين الدول يعزز السلام ويقويه، ويمنح مصر قدرة أكبر على لعب دور الوسيط في القضية الفلسطينية، مؤكدًا أن السلام القائم على المصالح لا يعني التخلي عن الشعب الفلسطيني، بل قد يكون أداة ضغط أكثر فاعلية من الشعارات التي لم تمنع الحروب ولا الدمار.
وفرّق عيسى بوضوح بين تطبيع الدولة وتطبيع الشعوب، فالدولة المصرية، بحكم كونها دولة ذات سيادة وفي حالة سلام، تجري اتفاقاتها الاقتصادية والسياسية وفق مصالحها، أما التطبيع الشعبي، فسيظل مرفوضًا وجدانيًا وأخلاقيًا لدى المصريين إلى أن يتحقق سلام عادل، أو تقوم دولة فلسطينية حقيقية، وهو موقف راسخ لم يتغير.
واختتم الإعلامي إبراهيم عيسى حديثه بالتأكيد على أن صفقة الغاز ليست نصرًا يحتفى به ولا خيانة تدان، بل هي نتيجة اضطرار اقتصادي فرضته إدارة سابقة فاشلة للملف.
ودعا إلى توجيه النقاش نحو السؤال الأهم: كيف تدار موارد الدولة؟ وكيف ينعكس ذلك على حياة المواطنين اليومية، من كهرباء وصناعة وتشغيل، بدل الانجرار وراء صراخ سياسي لا يقدم حلولًا ولا يحمي مصالح مصر.
اقرأ أيضًا:
أطول ليل وأقصر نهار.. موعد الانقلاب الشتوي وبداية الشتاء رسميًا
"إعلام الوزراء" يكشف حقيقة فيديو لطائرة تتجاوز الطاقة الاستيعابية للركاب