إعلان

''التحول''.. كيف دنس المتمردون الحرم المكي.. وتضامن أسامة بن لادن معهم بعد ذلك؟ ''4)

11:06 م الإثنين 17 فبراير 2014

''التحول''.. كيف دنس المتمردون الحرم المكي.. وتضام

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب -حازم دياب:

في حياة المرء لابد أن يواجه نقطة تحوّل، تلك التي تغيّر دفة تصرفاته، ولا يمكن فصل أسامة بن لادن عن التحول الأخطر في تاريخ المملكة العربية السعودية، حيث تواردت الأنباء عن مقتل الملك فيصل على يد أحد أبناء إخوته، وفي فجر يوم العشرين من نوفمبر لعام 1979، كان إمام المسجد الحرام يتهيأ للصلاة ومن خلفه نحو خمسين ألف مصلي في اليوم الأخير من الحج، وفجأة طُرح جانباً، ودوى أصوات رصاص أثارت الذعر، وظهر عدد من الملثمين يرتدون ملابس رثة، قتلوا رجال الشرطة، وصاح أحدهم في مكبرات الصوت ''انتبهوا أيها المسلمين.. الله أكبر، لقد ظهر المهدي''.

هذه هي القصة التي يبدأ لورانس رايت، فصله الرابع بعنوان ''التحول'' في كتابه البروج المشيدة الحائز على جائزة بوليتزر، وقد تعرضنا في حلقات ثلاثة مضت، عن سيد قطب، وأيمن الظواهري، وبن لادن، وكيف نشأ الثلاثة حياة عادية لا مكان للعنف فيها، ليبدو الكاتب كأنه يقف عند نقطة التحول، الذي يجب أن يعيها الإنسان جيداً، وإلا انجرف وراء تيارات لا مستقر لها أو مستودع.

الذي ادعى كونه المهدي هو محمد عبد الله القحطاني، لكن قائد الثورة الحقيقي كان رجل يدعى جهيمان العتيبي، وكان أحد أفراد الحرس الوطني، قبل أن يسجن مع القحطاني، ومجموعة من متطرفي الإخوان المسلمين في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وكان هدف القحطاني والعتيبي إعلان خلافة إسلامية وحكومة دينية من مكان مهبط الوحي، هنا استدعى الملك خالد خليفة نجله الأمير تركي، وكان في الرابعة والثلاثين من عمره وكان مديراً للمخابرات، وتركي تلقى تعليمه في أمريكا، وأثناء دخوله لمقر الاجتماعات، أطلق المتمردون الرصاص عليه، فنجى بأعجوبة، لكنه وعى خطورة تمرد المتطرفين. الموقف كان بالغ التعقيد، فالقرآن يحرم القتال داخل البيت الحرام، ومائة ضابط من الأمن الوطني سقطوا صرعى خلال محاولتهم اقتحام اعتصام المتمردين، الذين قاموا بدورهم بإطلاق عدد من الرهائن والاحتفاظ بالبقية. ابن باز رئيس هيئة العلماء آنذاك، كان في حيرة، فالعتيبي يعد من أحد تلاميذه، وعقب مفاوضات بين هيئة العلماء والحكومة، خرج القرار بتخويل السلطات باستخدام الأسلحة الفتاكة لإبادة نحو 500 متمرد توزعت جنسياتهم بين اليمنية والمصرية والإفريقية، تمركزوا بشكل منظم داخل مسجد يشد إليه الرحال.

طالت الأيام والأمير تركي موجود في مركز القيادة، دون أن يكون صاحب الكلمة العليا بعد، في هذه الأثناء كان العتيبي يعلن مطالبه بشكل واضح، والتي تتلخص في تطبيق المبادىء الإسلامية غير الغربية، وقطع العلاقات مع دول العالم الكافرة، ومنع تصدير البترول إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وإسقاط العائلة الحاكمة من عرشها، تلك المطالب، التي سيقوم أسامة بن لادن بالمطالبة بها بعد 15 عاماً فقط من التاريخ الذي لن تنساه السعودية.

تسلم الأمير تركي مقاليد إدارة الأزمة المشتعلة، وبمعاونة شركة بن لادن التي طورت الحرم، حصل على خطط توضح مخابئ المكان، وذات ليلة، ذهب الأمير بنفسه ليلاً برفقة الابن الأكبر لمحمد بن لادن، وطاف نصف ساعة في الحرم المكي، وبعملية عسكرية، سيطرت قوات الأمن على المآذن بعد أن قتلت القطحاني، ولجأ الأمير تركي إلى رئيس المخابرات الفرنسية، الذي قام بإحضار الغاز الذي يسبب فقدان الوعي، وقام بضخه في منافذ الحرم، ولما كان دخول المسيحيين ممنوعاً، فقد أعلن المقاتلين الفرنسيين الثلاثة الذين أشرفوا على العملية إسلامهم، وتسبب الغاز في إفقاد المتمردين وعيهم، لكن المقاومة ظلت مستمرة، فاضطروا إلى إحداث ثقوب وإلقاء قنابل، تسببت في مقتل عدد من الرهائن، لكنها قضت على المتمردين، وأعلنت نجاح العملية، وقبض على 62 فرداً من بينهم العتيبي، وتم إعدامهم جميعاً في التاسع من يناير لعام 1980، في أكبر عملية إعدام في تاريخ المملكة. وقدرت الأعداد غير الرسمية وفيات هذه العملية بنحو أربعة الأف فرد.

قبض على أسامة أثناء قيادته لسيارته في أيام الحصار الأولى للمتمردين ظناً كونه واحداً منهم نظراً لسرعته في القيادة، وأفرج عنه نظراً لمكانته الاجتماعية، كان بن لادن وقتذاك معترضاً على ما قام به العتيبي والقحطاني، لكن بعد سنوات خمسة فقط، وبن لادن في أفغانستان، كان يعتبرهم مسلمين صادقين وأبرياء من كل جريمة نسبت إليهم.

وفي الشهر الذي فصل بين استسلام المتمردين وإعدامهم، تلقى العالم الإسلامي صدمة جديدة، حيث اجتاحت القوات الروسية أفغانستان، وقد زعم بن لادن فيما بعد: ''شعرت بغضب شديد وذهبت إلى هناك على الفور، ووصلت في غضون أيام قبل نهاية 1979''. في حين أنه وفقاً لما قاله جمال خليفة رفيق دربه، لم يكن بن لادن قد سمع بدولة أفغانستان حتى ذلك الوقت، ولم يذهب هناك بشكل فعلي حتى عام 1984 حين بدأ يجذب الأنظار في باكستان وأفغانستان، ولكن بن لادن برر ذلك بأن تلك الرحلات ''سراً كبيراً حتى لا تعرف عائلتي ما أفعل''، ويقول: إنه أصبح رسولاً ينقل إليهم التبرعات من السعوديين الأثرياء، ويقول: ''اعتدت أن أسلم النقود وأعود أدراجي مباشرة، فلم أكن على دراية كافية بما يحدث هناك بالضبط''.

الشخص الذي جذب اهتمام بن لادن إلى أرض الأفغان، وكان بمثابة المحارب الساموراي بالنسبة إليه هو رجل فلسطيني يدعى عبد الله عزام، الذي ولد عام 1941 في جنين، ودرس في الأزهر بالقاهرة وحصل على الدكتوراه في الفقه، وبعدها درس في جامعة الأردن قبل أن يفصل ويعين كإمام مسجد جامعة الملك عبد العزيز بجدة. كان شعار عبد الله عزام: ''الجهاد والبندقية وحدهما، لا مفاوضات، ولا مؤتمرات، ولا حوارات''.

وكان عزام من المؤمنين بالجهاد، وكان يسجل الشرائط التي تجمع من حوله الأتباع، وحين سافر إلى أفغانستان بدأ في تجميع المجاهدين، وكان يقول ''وصلت إلى أفغانستان ولم أصدق ما تراه عيناي، وشعرت أنني قد ولدت من جديد''. وكان يؤمن بفكر سيد قطب الذي يقول إن الجهاد الإسلامي يحارب الجاهلية التي تفسد المؤمنين وتدمرهم بإغراءات المادية والعلمانية والمساواة بين الجنسين. ولطالما ردد عبد الله عزام قصص مفادها أن المجاهدين لديهم الكثير من المعجزات، ما بين ثقوب للرصاص في الأجساد بلا نقطة دم، وإسقاط للطائرات بالحبال، وأسراب للحمام تعمل كأجهزة رادار.

كان بن لادن يحترم عزام الذي يمثل نموذجا للرجل الذي سيصبح هو عليه فيما بعد. ومن ناحيته، كان عزام مفتونا بشخصية مضيفه الشاب الذي له صلات بشخصيات من ذوي النفوذ، وكان يتعجب من كون أسامة يمتلك القدرة على تحرير شيك بمليون جنيه في الحال للمجاهدين في أفغانستان، وفي غضون وقت قليل، تحول منزل بن لادن، ومكتب الشركة في مصر ودول العالم العربي إلى محطة عبور للمجاهدين، ويرجح لورانس رايت أن أيمن الظواهري الذي يعمل كطبيب في جدة في ذلك الحين، كان على صلة بالمصريين الذين يمرون من مصر إلى جدة، ومنها إلى أرض الجهاد مع روسيا.

جمال خليفة، صديق بن لادن الأقرب، لم يطق صبراً على السفر إلى هناك، وقرر بن لادن أن يرافقه، لكن السلطات السعودية رفضت سفره، حيث قالت إن وجوده هناك بشكل رسمي، يضع السعودية في حرج بالغ نظراً لمكانة عائلته الكبيرة، وكانت المملكة تساعد المجاهدين بالأموال ظناً منها أن ذلك سوف يقضي على خطر الشيوعية المتمثل في الدب الروسي، وكان على بن لادن أن يتحدى سلطة أخرى أكثر صعوبة بالنسبة إليه، حيث رفضت والدته ذهابه إلى هناك، ولكنه ترجاها أن توافق وأخبرها أنه سيذهب إلى هناك فقط لرعاية عائلات المجاهدين في بيشاور بباكستان، وقال إنه سيتصل بها هاتفياً كل يوم، وفي النهاية وعدها قائلاً: ''لن أقترب حتى من أفغانستان''.

في الحلقة القادمة، تفاصيل حرب المعجزات والتعاون الأمريكي السعودي مع بن لادن والمجاهدين في أرض أفغانستان.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان