إعلان

الزيتون رمز للصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين

11:51 ص الإثنين 08 ديسمبر 2014

يصعب تصور ان تنتج تلال الضفة الغربية اي زيت رتيب ا

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

الضفة الغربية المحتلة (بي بي سي)

المرة الأولى التي عرفت فيها كم هو لذيذ زيت الزيتون الذي تنتجه الضفة الغربية كانت قبل أكثر من عشر سنوات، عندما دعاني مزارع فلسطيني إلى الإفطار فيما كنت أراقب الإسرائيليين وهم يدمرون أجزاء كبيرة من أرضه.

لسوء حظ هذا المزارع، كانت أرضه مجاورة لمستوطنة اريئيل، وهي واحدة من أكبر التجمعات الاستيطانية التي زرعتها إسرائيل في الضفة الغربية المحتلة - الأرض التي يحلم الفلسطينيون بأن يؤسسوا فيها دولتهم.

في السنوات الأولى من هذا القرن كانت إسرائيل في المراحل الأولى من مشروع تشييد جدار الفصل الذي تقول إنه ضروري لحماية شعبها من هجمات الفلسطينيين.

ولكان جدار الفصل هذا أقل إثارة للجدل واللغط لو كان قد شيد على خط وقف إطلاق النار القديم القائم منذ عام 1949.

 

فخط 1949 كان يمثل حدود الضفة الغربية - بما فيها القدس الشرقية - وإسرائيل إلى أن احتل الجيش الإسرائيلي الأراضي الفلسطينية بأسرها عام 1967.

ولكن جدار الفصل قضم مساحات كبيرة من اراض يعتبرها الفلسطينيون ملكهم.

 

وذلك الصباح قبل اكثر من عشر سنوات كان دور ذلك المزارع ليشاهد مزرعة الزيتون العائدة له وهي تمزق اربا.

كان المزارع ينوي نقل اكبر عدد ممكن من اشجار الزيتون الى مكان آخر، ولكن ارضه كانت ستصادر في كل الاحوال.

ومن ذلك التاريخ اصبح يتعين عليه الحصول على اذن خاص من اجل الوصول الى الجانب الثاني من ارضه الذي اصبح واقعا خلف الجدار.

واذا كان المزارعون الفلسطينيون محظوظون، فانهم يتمكنون من عبور الجدار مرتين، مرة لحراثة الارض ومرة لجني المحصول - هذا اذا كان الجنود الاسرائيليون موجودون ليسمحوا لهم بعبور الجدار.

رمز قوي

دعاني المزارع الى بيته وقدم لي الشاي والخبز وجبنا صنعه من حليب خرافه، وصحنا كبيرا من زيت الزيتون الذي انتجته اشجاره.

كان الزيت ذا مذاق قوي ومميز، وفي حقيقة الامر يصعب تصور ان تنتج تلال الضفة الغربية اي زيت رتيب المذاق.

ومما لا شك فيه ان زيت الضفة الغربية ربما يكون اكثر الاطعمة المسيسة في العالم.

فالصراع بين الاسرائيليين والفلسطينيين قد سيس كل مناحي الحياة في هذه البلاد، من معدل الولادات الى مراسم الدفن. لذا فقطاف محصول الزيتون السنوي لا ينحصر بالزيت فقط بل يتعدى ذلك.

يقول مكتب الامم المتحدة للشؤون الانسانية إن المستوطنين اليهود قطعوا في السنوات الخمس الاخيرة نحو 50 الف شجرة تعود لفلسطينيين معظمها من اشجار الزيتون.

وفيما يحصل المزارعون الفلسطينيون على ربع دخلهم تقريبا من الزيتون، لا يقتصر الموضوع على المال فحسب.

فشجرة الزيتون هي اقوى رمز لتمسك الفلسطينيين بارضهم.

صلاح ابو علي قرب شجرته التاريخية

صلاح ابو علي قرب شجرته التاريخية

لمس مزارع فلسطيني يدعو صلاح ابو علي غصن واحدة من اغرب اشجار الزيتون التي رأيتها اثناء تجوالي في الضفة الغربية. كانت الشجرة من الضخامة بمكان بحيث لم اتمكن من احاطة ربع قطر ساقها بذراعي. كان قطر ساق هذه الشجرة التاريخية اكثر من ستة امتار.

وبمرور القرون نمت من هذه الشجرة سيقان اصبحت اشجار بحد ذاتها. وفي حقيقة الامر، تعتبر هذه الشجرة غابة كاملة وليست شجرة زيتون.

ويتحدث صلاح ابو علي عن هذه الشجرة وكأنها تمتلكه وليس العكس. يقول ''الله وحده يعلم عمرها، فقد يمتد تاريخها الى 4 آلاف سنة او اكثر، وانا اتشرف بكوني خادم هذه الشجرة، فعلاقتنا بها تعود لايام والدي وجدي. وانا اشعر وكأن هذه الشجرة هي جزء من روحي وجسدي.''

ويقول صلاح ''إنها مثل الحياة، مثل الماء. احب هذه الشجرة بصدق، ولي علاقة بها. فانا اعرف ما تحتاج وما يؤلمها. اشعر بالامان بجوارها. هذه الشجرة ترمز للشعب الفلسطيني وتاريخه وحضارته.''

''كم من جيل مضى واصبح طي النسيان، بينما ما زالت الشجرة واقفة وتحمل الزيتون.''

معركة سنوية

تقع ارض صلاح ابو علي في قرية الولجة القريبة من القدس وبيت لحم.

ويمر جدار الفصل على مسافة قريبة جدا من شجرته التاريخية.

ابتسم صلاح عندما قلت له إن الشجرة رغم عمرها وحجمها لا تتعدى كونها شجرة. كانت ابتسامته تشير الى انني لا افقه ما اقول.

فبالنسبة له، تعتبر الشجرة رمزا لحياته وحياة اولاده واجداده ومكانهم في ارض فلسطين. اضافة لذلك، للشجرة اهمية اقتصادية كبرى، فزيت الزيتون مرغوب وغالي الثمن. وقد وجدت نفس هذه المشاعر اينما ذهبت في الضفة الغربية.

فموسم قطاف الزيتون يحمل معان تتعدى الزيت وثمر الزيتون، بل اصبح معركة سنوية لامتلاك الارض والسيطرة عليها.

فالاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية مفروض بالعنف ويولد بدوره العنف، ويهاجم المستوطنون والفلسطينيون احدهما الآخر.

يعتقد بعض المتطرفين اليهود ان الارض ملكهم وحدهم، وان اشجار الزيتون تعتبر اهدافا مشروعة. فالزيتون اصبح جزءا من الصراع العقائدي المتنامي بين المسلمين واليهود.

في واد غير بعيد عن مستوطنة ''تابواخ'' اليهودية في الضفة الغربية المحتلة التقيت بافراهام هرزليش.

افراهام هرزليش يرعى الماعز

افراهام هرزليش يرعى الماعز

وافراهام يهودي متدين يتمتع بجاذبية كان قد هاجر الى اسرائيل من حي بروكلين بمدينة نيويورك في الولايات المتحدة قبل اكثر من 50 عاما.

ويعتبر افراهام قدوة للشباب في مستوطنته. وكانت ابنته تاليا قد قتلت بمعية زوجها في هجوم مسلح نفذه فلسطينيون عام 2000. وكان الزوج حاخاما وابن المتطرف اليهودي الشهير مئير كاهانا زعيم منظمة الدفاع اليهودية التي تعدها الولايات المتحدة منظمة ارهابية.

ويقضي افراهام وقته في رعي الماعز.

ويقول إن الماعز تشعره بالارتباط بالارض التي يؤمن بأن الله منحها لليهود، ارتباط لا يشعر به سكان تل ابيب وغيرها من المدن الساحلية وهي مدن تبدو بعيدة عن لب الصراع.

ويجعل افراهام ماعزه ترعى في بساتين الزيتون العائدة لفلسطينيين من قرية مجاورة. ورأيت الماعز وهي تقف على ارجلها الخلفية لتقضم ما يتيسر لها من اغصان واوراق وفاكهة اشجار الزيتون.

ويتأبط افراهام نسخة من التوراة، ولديه اجابة للفلسطينيين الغاضبين من الاضرار التي تسببها الماعز لاشجارهم.

يقول ''اقول لهم بكل بساطة إن هذه ارضنا. عندما ارى عربيا لديه شجرة اقول له إن هذه اسرائيل - هذه ارض اسرائيل. ان كانت هذه اشجاركم، خذوها الى قريتكم. هذه ارضنا، وليست ارضهم.''

''هذه ارضنا''

ولوح افراهام بالكتاب الذي كان يتأبطه وقال ''يقول لنا التوراة إن هذه الارض ملك لبني اسرائيل، لاحفاد ابراهيم واسحق ويعقوب، وليست لاحفاد اسماعيل. هذه ارضنا.''

بعد ذلك، تفوه افراهام بكلام قال إنه ليس تهديدا بل حقيقة مجردة ''اقول للعرب، اقول لهم إنني لا اريد ان اراهم يقتلون... يجب ان يرحلوا، لأنهم ان لم يرحلوا فسيموتون هنا... سيقتلون هنا... سوف تكون هناك حرب اخرى، لن يتمكنوا من الرحيل بعدها لانها ستكون حربا ضروسا وصعبة جدا.''

ومضى للقول ''العديدون يتكلمون عن السلام مع العرب، ولكن شخصا مثلي تأثر بشكل مباشر لا يمكن ان تقيس الالم الذي يشعر به. لقد قتل العرب ابنتي ويتموا احفادي. ان هؤلاء الناس هم قمة الوحشية، تصور انهم يفجرون انفسهم.''

المستوطنون على شاكلة افراهام هرزليش يعتبرون زعماء لاتباع كثر، ولكن العديد من الاسرائيليين - بمن فيهم بعض المستوطنين الذين انتقلوا للاقامة في المستوطنات طمعا في السكن الرخيص والهواء العليل وليس لاسباب عقائدية - يعتبرونهم مصدر ازعاج في احسن الاحوال ومصدر تهديد لمستقبل اسرائيل ونظامها الديمقراطي في اسوءها.

ولكن افراهام وسواه من المستوطنين المؤدلجين يتمتعون باهمية في الحياة السياسية في اسرائيل، لأن المستوطنين بكل بساطة يهيمنون على اليمين الاسرائيلي، والنقاش حول مستقبل المستوطنات يعتبر واحدا من القضايا الاساسية التي ينبغي الخوض فيها في اي عملية سلام مستقبلية.

في الوادي الذي يقع تحت مستوطنة ''تابواخ'' هناك قرية فلسطينية تدعى ياسوف، يقطنها باسم راشد وزوجته اللذان كانا يقطفان الزيتون من الاشجار العائدة لهما.

قبل بضعة ايام، سمع باسم وزوجته بأن مستوطنين استخدموا منشارا آليا لقطع بعض اشجارهما بما فيها اشجار تجاوز عمرها مئة سنة.

كان باسم على وشك البكاء من شدة الغضب وقال ''اشعر كمن ربى طفلا ثم فقده. هذه الاشجار هي اساسنا وجذورنا.''

''حرب ابدية''

ومضى للقول ''شعرنا وكأننا ندفن عزيزا علينا. كل اسبوع يحاول المستوطنون النزول الى ارضنا، ويحاول رجالنا التصدي لهم ومنعهم. ويقول هؤلاء المستوطنون إن علينا نحن الرحيل؟ نفضل ان نموت في ارضنا. ليقطعوا الاشجار وليدمروا الارض وليهدموا البيوت وليهاجموا الاطفال... سنبقى في ارضنا... لن نرحل ابدا. وان لم يرحلوا هم، ستكون هذه حربا ابدية.''

المشكلة ليست عاطفية فحسب، بل اقتصادية ايضا.

يقول باسم راشد ''لم يعد انتاجنا وفيرا كما كان، فنحن لا نستطيع ان نصل الى كل ارضنا لجني المحصول. ثلث المحصول يقع بالقرب من المستوطنة، ولا نستطيع ان نصل اليه.''

''في الماضي، كنا نصطحب الاطفال والكهول معنا في موسم القطاف، ولكننا لا نفعل ذلك الآن فنحن نخشى ان يهاجمهم المستوطنون ويعتدون عليهم.''

''نحاول تجنب المشاكل، لأنه حتى في حال تعرضنا لاعتداء نحمل المسؤولية ونودع السجن ونخسر اذونات التنقل.''

وفي واد ليس ببعيد عن رام الله، حيث كان فلسطينيون يعيشون قرب مستوطنة يهودية منهمكين في جني محصول الزيتون، اصر ضابطان في الجيش الاسرائيلي - اور مالكي ويام ماتير - على ان الجيش يفعل كل ما بوسعه لمنع نشوب اي مشاكل بين الفلسطينيين والمستوطنين.

وقالا إن النظام العام هو اولوية الجيش، وان الجيش الاسرائيلي لا يفضل المستوطنين بشكل تلقائي.

اثناء تبادلنا الحديث، رحب صاحب الارض الفلسطيني عبدالله نعسان بالضابطين ودعاهما لتناول الشاي.

عبدالله نعسان

عبدالله نعسان

ولكن نعسان، الذي يمتلك 7 آلاف شجرة زيتون، لم يتفق مع نظرة الضابطين الاسرائيليين للامور.

اشار الى بستان زيتون قال إن المستوطنين يدعون ملكيته، ومنعوه ورجاله من الاقتراب منه، وقال ''عندما تحصل مواجهة، يدفعوننا الى الخلف ويسمحون للمستوطنين بفعل ما يريدون.''

''ولكن الامر الجيد هو ان المستوطنين لا يتعرضون لنا عندما يكون الجيش موجودا، ولكن ما ان يغيب الجنود حتى يهاجمنا المستوطنون المسلحون.''

واشار نعسان الى مستوطنة على تل مجاور وقال ''كل مرة آتي بها الى هنا يتعقبني مستوطنون من تلك المستوطنة. من الخطر ان يأتي المرء الى هنا بمفرده. الناس خائفون لأن المستوطنين يتصرفون بوحشية وينزلون من ذلك التل ويؤذونهم.''

ولكن عبدالله نعسان اضاف انه في يوم من الايام سيلعب الزيتون دورا مهما في بناء الدولة الفلسطينية المستقلة.

وقال ''إنه موضوع رمزي. الزيتون هو كل ما تبقى لنا، ويجب ان نتمسك به. هدفنا حماية ارضنا.''

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

 

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: