إعلان

المخاطر الصحية ''للأصدقاء الأعداء''

09:14 م الجمعة 28 نوفمبر 2014

الأصدقاء الأعداء

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

لندن (بي بي سي)

ربما يكون قرابة نصف معارفنا وأصدقائنا من ''الأصدقاء الأعداء'' – وقد يكون لهم تأثير مفاجيء على حالتك النفسية وصحتك الجسدية، هذا ما يراه ديفيد روبسن.

لديّ مشكلة... لأن لي أصدقاء أود أن أمقتهم... ’أصدقائي الأعداء‘، كما يُسمّون. وقد يؤثرون على صحتي.

لا تسيئوا فهمي: فأنا أحب هؤلاء الأشخاص. كل ما في الأمر أنهم يثيرون غضبي إلى أبعد الحدود. أكثرهم سوءًا كان مغرورا ومخادعا وأحاديثه تغص بالإهانات المبطنة. يسألني عن أخباري فقط لكي يبدأ بالتثاؤب بشكل مبالغ فيه. ثم يقاطعني قائلاً: ''هذا ممل!''... ويقولها مقلداً لهجة فتاة قروية (قد يكون هذا مقبولاً على الساحل الغربي، ولكنه حدث في لندن).

ربما يبدو ذلك تافهاً، ولكنه يثير غضبي بشكل عارم لبضعة أيام. ومع ذلك وبعد سنوات من الشعور بخيبة الأمل، وحينما استجمعت الشجاعة الكافية لتهدئة الأمور، وجدت ان كل ما تبقّى هو شعور قوي بالذنب والندم تغلب على كل الأحاسيس الإيجابية التي بدأت تتفلت مني أيضا. وفي الأحوال التي لم أكن فيها مادته للسخرية، كان يبدو مرحا جداً.

اكتشفت بأن هذه الأنواع من الصداقات قد أثارت اهتمام الأطباء النفسيين بشكل جدي... حتى انهم يطلقون عليها مصطلحاً طبياً هو ''العلاقات المتأرجحة''.

في عالمنا شديد الترابط، قد يكون من الصعب تجنب

تقول جوليان هولت-لونستاد من جامعة بريغهام للشباب في يوتا إن ما يقرب من نصف الأشخاص الذين نعرفهم على شبكات التواصل الاجتماعي في المتوسط هم أشخاص نحبهم ونمقتهم في وقت واحد. وتضيف: ''يندر أن تصادف شخصاً لا يعرف على الأقل واحداً من العلاقات المتأرجحة''.

قد يكون هذا مصدر قلق أكثر خطورة مما يبدو للوهلة الأولى. وبحسب البحث الذي أجرته هولت-لونستاد، فإن ''الأصدقاء الأعداء'' ربما يكونون أكثر ضرراً من أولئك الأشخاص الذين تنتابك إزاءهم مشاعر كراهية شديدة ومؤكدة، إذ أن أصحاب الفئة الأولى قد يؤثرون على صحتك ويعرضونها للخطر. فلماذا اذن نواصل علاقات الصداقة هذه التي تلحق بنا الأذى؟

شبكات الدعم

لكي نفهم ذلك جيدا، ينبغي علينا أن ندرس التأثير الذي يمكن أن تسببه شبكات التواصل الاجتماعي. في أغلب الأحيان، كان يعتقد أن مزيجا حيوياً من الأصدقاء والمعارف سيكون أمراً متوازناً ووقائياً.

وبعد تحليل 150 دراسة منشورة في هذا المجال، وجدت هولت-لونستاد أن العلاقات الاجتماعية القوية تقلل من مخاطر الوفاة بما يساوي تقريبا معدل الإقلاع عن التدخين، في حين أن الوحدة تعامل في ضررها ضعف أضرار البدانة.

كيف يحدث ذلك؟ يُفترض بالأصدقاء أن يساعدوننا على الهدوء وحمايتنا من التوتر، فالتوتر يرفع مستوى ضغط الدم، وقد يزيد من مخاطر الإصابة بمجموعة كاملة من الأمراض، في حين يمكن للأصدقاء أن يساعدوا في التخفيف من هذه المخاطر.

وعلى العكس من ذلك، يمكن للبؤس الذي تسببه الوحدة بعينها أن تضخّم العديد من هذه العمليات الحيوية، وأن تؤدي الى مضاعفات أخرى، مثل فقدان النوم.

مع ذلك، هناك أطياف عديدة للصداقة... يشير روبن دنبار من جامعة أوكسفورد إلى أن الأصدقاء المتقلبين هم جزء لا يتجزأ من تطورنا ضمن مكونات اجتماعية كبيرة. ويقول: ''إنك دائما تتعامل مع مجموعة من المصالح المتنافسة''.

تكمن المشكلة في كيفية تحييد تلك الضغوط لإتاحة المجال للمجموعة لأن تظل متماسكة عبر الزمن. لذا فإنه يجب عليك أن تكون مستعدا لمداهنة حلفائك، من بينهم أصدقائك الأعداء أيضاً. ''إنك تتسامح معهم لكي تتعامل معهم على نحو أفضل.'' يبدو أن غريزة الحفاظ على علاقة مقربة مع أصدقائنا، وأكثر قربا مع الأصدقاء الأعداء، هي مسألة متلاصقة.

لسوء الحظ ان الدراسات الأولى التي بحثت تأثيرات أصدقائنا على صحتنا لم تُعِر الاهتمام لهذه الفروق الدقيقة. لذا أجرت هولت-لونستاد وبيرت أوشينو من جامعة يوتا دراسة أولية حول إذا كانت الصفات الايجابية للصديق العدو تعلو فوق الصفات السلبية. لكن النتائج جاءت مفاجئة للاثنين.

تحت الضغط

دراسات أظهرت ارتفاع ضغط الدم حين التحدث إلى الأصدقاء الأعداء

في واحد من الأبحاث الأولية، درس الاثنان شبكات العلاقات الاجتماعية لمتطوعين بحسب صداقاتهم المتوسطة وطويلة الأمد. جرى ذلك عن طريق استبيانات. ثبت الباحثان في أجسام المتطوعين أجهزة لقياس ضغط الدم قبل أن يعيدوهم إلى حياتهم العادية لمدة يومين.

وتقول هولت-لونستاد: ''في كل مرة تعامل فيها المتطوعون مع شخص ما، كنا نحصل على قراءة لضغط الدم.''

ووفقا لما هو متوقع، فإن ضغط الدم كان منخفضاً عندما كانوا يتواصلون مع أصدقاء داعمين لهم مقارنة بمعارفهم ''المنفرين''، سواء كان زميلا في العمل بذيء اللسان أو رئيسا متقلب المزاج. ولكن المفاجأة الكبرى كانت في أن ضغط الدم لدى المتطوعين كان في أعلى مستوياته جميعاً عندما كانوا يتواصلون مع أصدقائهم المتأرجحين.

وأكدت تجارب أجراها الباحثان لاحقا هذه النتائج وأضافت إليها. وتقول هولت-لونستاد: ''حتى عندما يكون الشخص الآخر في غرفة أخرى من المختبر، كان ضغطهم يرتفع ومستويات القلق لديهم. مجرد التحسب لاضطرار التعامل معهم كان له تأثير على المتطوعين''. فالأمور الأقل توقعا كان تؤثر على المشاركين في الدراسة ولو بتلميح مموّه (إظهار وميض خاطف عن اسم ''الصديق العدو'' على الشاشة)، إذ أن ذلك بدا كافياً لكي يزيد من مستوى التوتر، مثل ضربات القلب.

ويقول أوشينو إن هذه النتائج ''تشير إلى أن علاقاتنا ليس لها فقط تأثير على تفاعلاتنا المباشرة، ولكن أيضا (تأثير على صحتنا) من خلال هذه العمليات التي قد لا يدركها المرء بصورة واعية والتي تكون مستمرة في حياتنا اليومية.'' يمكن لأي شيء يذكّرك بهم أن يثير تلك الاستجابات في جسمك.

بهذا الشكل، يبدو أن الأصدقاء الأعداء هم من أكثر الأشخاص إثارة للتوتر في حياتنا. وهذا يمكن أن يُعزى جزئيا إلى عدم الثقة بهم.

وتضيف هولت-لونستاد: ''هناك هذا الغموض. هل يا ترى سيكونون مريحين معي هذه المرة أم سيعمدون مرة أخرى إلى إثارة قضية تثير غضبي؟'' يرى أوشينو أن علاقاتنا الوثيقة التي تدوم طويلا يمكن أن تلحق ضررا أكبر من الأشخاص الذين نحاول تجنبهم.

ويقول: ''إنهم تقريباً جزء منا. لذا فان ما يفعلونه ويقولونه له تأثير أكبر بكثير علينا. وبسبب قوة الارتباط العاطفي بهم، فإن هناك فرصة أقوى لإلحاق الأذى بها.''

إنهاء العلاقات

حتى الآن، ركّزت أبحاث ودراسات أوشينو وهولت-لونستاد على التأثيرات قصيرة الأمد لعلاقات ’الأصدقاء الأعداء‘. ويريد كل منهما من الآن فصاعداً دراسة كيف تتراكم هذه التأثيرات على مرّ السنين والعقود. ولسوء الحظ، فإن القليل من هذه الدراسات جمعت بيانات حول مواصفات محددة للعلاقات بين الأشخاص.

ومع ذلك، فان أوشينو حصل على أدلة أولية، رغم أنها أدلة عرضية، على حدوث أضرار لجينات المتطوعين. كل كروموسوم في خلايانا يغطيه جزء من الحمض النووي ويدعى ’تيلومير‘.

وعندما نكبر في السن، يتضاءل التيلومير مما يتيح المجال لبروز مجموعة من المشاكل، بما في ذلك النمو السرطاني. لهذا السبب، غالباً ما يُستعمل طول التيلومير لقياس عمر الخلايا، ومن المعروف ان هذا يتأثر بالتوتر والقلق. وجد أوشينو أن الأشخاص ذوي الأصدقاء المتأرجحين لديهم تيلومير أقصر.

في أغلب الأحيان نتجاهل أخطاء الأصدقاء الأعداء، لكن هل هذا يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الضغط؟

وإذا تأكد هذا الأمر في دراسات إضافية، فقد يتوجب علينا جميعاً أن نعيد النظر بعلاقاتنا... وإذا كانت هذه العلاقة تستحق أن نصبر على أذاهم. لكن لسوء الحظ، لا يسهل دوماً تهذيب هؤلاء الأشخاص في شبكات العلاقات الاجتماعية، خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار حقيقة كون أغلبها صداقات مدى العمر.

في الرد على سؤال هولت-لونستاد وأوشينو عن سبب الابقاء على علاقات ’الأصدقاء الأعداء‘، تحدث العديد من الأشخاص عن الاحساس بالولاء. وتقول هولت-لونستاد: ''يراودنا إحساس بالالتزام لأننا قد عرفناهم لسنين عديدة.'' أما آخرون فقد أرادوا اتخاذ مواقف تنعم عن رقي أخلاقي. ''عليك أن تصبر على أذاهم... وأن تتجاوز عن سلوكهم السخيف''.

إذن ما هي النصيحة التي يسديها الباحثان للتعامل مع ’الأصدقاء الأعداء‘؟ استراتيجية أوشينو الشخصية هي التحدث مع أصدقائه الأعداء وشرح مشاكله معهم، آملاً في التوصل الى تفاهم مشترك. ''عندما تلقي نظرة على الطريقة التي يتعاملون بها مع علاقاتهم المتأرجحة، فانك لا تجد طريقة مباشرة مثل هذه، فغالباً ما نكذب عليهم، نهملهم، أو ببساطة نتجنبهم''.

يبحث أوشينو أيضا في دراسة احتمال أن يكون للتأمل دور ايجابي في التأقلم مع هؤلاء. فقد توصلت بعض الدراسات إلى أن التفكير بإمعان في النقاط الايجابية لعلاقاتك باستمرار، من بينهم أصدقاؤك الأعداء، يمكنه ان يُحسِّن صحتك النفسية والعامة. لكن أوشينو يؤكد على الاختبارات التي أجريت كانت على نطاق ضيق، لذا فإنه يريد إجراء دراسات أخرى أكثر فاعلية تكون هوامش الخطأ فيها أقل.

عندما يتعلق الأمر بصداقاتي أنا، أجد إحدى تعليقات أوشينو قد علقت بمخيلتي حينما يقول إن ''كلنا مشغولون، ولا نلتقط الإشارات إلى أن الناس بحاجة للدعم والمساندة، وهو ما قد يؤدي إلى مشاعر ايجابية وسلبية.'' إنه شيء ليس من الفخر أن أعترف به، لكنني في خانة المذنب مثل المتهم. وإذا افتخرت بهذا الأمر، فإنني سأكون أسوأ صديق عدو لنفسي''.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: