إعلان

كيف نشأ علم الفقه الإسلامي ولماذا ظهرت المدارس الفقهية؟ ( 1 )

06:28 م الأحد 23 أغسطس 2020

الفقه

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت – آمال سامي:

نسمع كثيرًا عن علم الفقه، دون أن نعرف ما هو ولا كيف نشأ، ونسمع كذلك ونردد كلمات مثل فقيه وفقهاء، واختلاف الفقهاء.. فما هو الفقه؟ وكيف نشأ؟ وكيف ظهرت المدارس الفقهية المختلفة واختلف العلماء على الرغم من أن علمهم يخرج من مشكاة واحدة، القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة؟ هذا ما يحاول مصراوي الإجابة عنه في التقرير التالي:

ما هو الفقه؟

الفقه في اللغة هو العلم بالشيء والفهم له والفطنة به، فالذي يجتمع له الفقه في الشيء يسمى فقيها والجمع فقهاء، ويقول محمد بن يعقوب الشيرازي في القاموس المحيط أن هذه التسمية قد غلبت على علم الدين لشرفه.

ويفرق الدكتور عزت العزايزي في كتابه "مدخل إلى الفقه الإسلامي" بين تعريفين اصطلاحيين للفقه الإسلامي، أولهما أنه العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية، والآخر هو الأحكام الشرعية العملية المستمدة من أدلتها التفصيلية، والفرق بين التعريفين أن الأول يركز على العلم بالأحكام وهو الأكثر شيوعًا، أما التعريف الثاني اعتبر الأحكام نفسها هي الفقه.

ويدرس علم الفقه الإسلامي عدة موضوعات وهي حسبما قسمها الفقهاء قسمين، أولهما قسم العبادات وفيه موضوعات الطهارة والنجاسات والوضوء والصلاة والزكاة والصيام وغيرهم، وثانيهما قسم المعاملات وفيه موضوعات الزواج والطلاق والبيوع والعقوبات والوكالة والشفعة والإجارة وغيرهم، وتعد مصادر التشريع الإسلامي هما القرآن الكريم والسنة النبوية، وهما المصدران اللذان تتفق عليهما جميع المذاهب والآراء، وأضيف لهما بعد ذلك الإجماع، ثم القياس، وهو ما عليه جمهور العلماء.

كيف تطور علم الفقه من عهد الرسول إلى المدارس الفقهية المعروفة؟

في كتابه "مدخل إلى العلوم الإسلامية" يتحدث الدكتور محمد نبيل غنايم أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم عن تطور التشريع الإسلامي قائلًا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان المرجع الأكبر والوحيد الذي كان يرجه إليه الصحابة في كل ما يخص أمور دينهم وبعد وفاته أصبح جمهور الصحابة وكبارهم مرجعًا، فيقول ابن قيم الجوزية ثم قام بالفتوى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم برك الإسلام وعصابة الإيمان وعسكر القرآن وجند الرحمن أولئك أصحابه صلى الله عليه وسلم، ألين الأمة قلوبًا وأعمقها علمًا وأقربها إلى الله وسيلة، وكانوا بين مكثر منها ومقل ومتوسط، والذين حفظت عنهم الفتوى من أصحاب رسول الله مائة ونيف وثلاثون نفسًا ما بين رجل وامرأة، وكان المكثرون منهم سبعة، وهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعائشة أم المؤمنين وزيد بن ثابت وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر.

اختلاف الصحابة فقهيًا وبداية نشأة المدارس الفقهية

كان تفرق الصحابة في البلدان الجديدة المفتوحة أثر في الاختلاف بينهم في الأحكام الفقهية، فكان عبد الله بن عباس في مكة، وفي المدينة عبد الله ابن عمر، وفي مصر عبد الله بن عمرو بن العاص، فكان الصحابي يفتي ويجتهد في ضوء ما يحفظ من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم دون اطلاع عما لدى الباقين من أحاديث أو أحكام، يقول غنايم: "وكان ذلك نواة لتكون المدارس الفقهية فيما بعد"

يضيف غنايم سببًا جديدًا من أسباب الاختلاف وهو ان معظم آيات القرآن الكريم ليست قطعية في دلالاتها بل ظنية ويضرب مثلًا على ذلك بآية: "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" واختلاف الصحابة حول تفسير القروء، ففسرها بعضهم بالحيض لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعي الصلاة أيام أقرائك، وبعضهم فسرها بالطهر لقوله تعالى: "فطلقوهن لعدتهن".

أما البعد السياسي، فلم يغفل غنايم تأثيره في التشريع، فكان للإنقسام السياسي الذي حدث حين تولى علي بن أبي طالب الخلافة أثر كبير في الفقه الإسلامي، حيث نتج عنه تشيع البعض لعلي وظهور الشيعة الذين انقسموا فيما بعد إلى فرق، وأيضًا خروج البعض على كل من علي ومعاوية وهم الخوارج، ومع هؤلاء وهؤلاء كانت هناك الأغلبية العظمى من المسلمين وهم أهل السنة والجماعة يلتمسون العذر لكل الأطراف، بينما رفض الخوارج الأحاديث التي روييت عن علي ومعاوية، والتي رواها الشيعة أيضًا، يقول غنايم: "فأصبح لكل فرقة فقه خاص بها على ضوء ما قبلته من أحاديث وما رفضته من أحاديث الفرق الأخرى".

لكن على الرغم من ذلك، يشير الدكتور عمر سليمان الأشقر في كتابه "تاريخ الفقه الإسلامي" إلى أن المسائل التي اختلف فيها الصحابة أنفسهم كانت قليلة، بل "قليلة جدًا" حسب تعبيره، وذلك لأسباب عديدة نذكر منها قول الأشقر أن السياسة في عصرهم كانت تابعة للدين ولم يكن الدين تابعًا للسياسة كما وقع في عصور تالية، كذلك المنهج الذي اتخذه الصحابة في التعامل مع القضايا الفقهية، فكان كبار الصحابة ملتزمين بالبقاء في المدينة في عهدي أبي بكر وعمر كان من السهل الرجوع إليهم عند الاختلاف، وأيضًا لم يفرض الصحابة الصور العقلية في اجتهادهم في استنباط الاحكام، كذلك استخدام نظام الشورى، فكان الخليفة إذا عرض عليه أمر استشار كبار الصحابة، وأيضًا قلة رواية الحديث وعدم التسرع في ابداء الرأي بل كان الصحابة يتروون قبل ابداء آراءهم، وأشار الأشقر أن من أسباب قلة اختلاف الصحابة أيضًا قلة الوقائع والمشكلات في عهدهم بالنسبة لما حدث في العصور التي تلت عصرهم.

نشأة المدارس الفقهية

ظهرت المدارس الفقهية في عصر التابعين وأبرزهما مدرسة الحديث ومدرسة الرأي:

مدرسة الحديث (المدرسة المدنية):

وكانت في المدينة المنورة حيث كان فيها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وظل علماؤها ورثة العلم النبوي، حتى أصبح عمل أهل المدينة حجة عندهم في الاحكام، حسبما يقول غنايم في كتابه السابق، فلا يذهب أهل هذه المدرسة إلى الرأي إلا نادرًا، وكان قائدهم في ذلك عبد الله بن عمر ثم سعيد بن المسيب، ثم يحيى بن سعيد ثم الإمام مالك بن أنس رضي الله عنهم.

مدرسة الرأي ( مدرسة الكوفة):

وقد نشأت في الكوفة بعد انتقال مجموعة من الصحابة إليها منهم عبد الله بن مسعود وأبو موسى الأشعري وسعد بن أبي وقاص وعمار بن ياسر، وساعد على نشأة تلك المدرسة ظروف البيئة التي عاش فيها الصحابة وكثرة الوضع فيها وظهور حوادث وقضايا لا نص فيها فكان لابد من الرأي والاجتهاد، ويعتمدون فيها على الحديث المتواتر والمشهور، ثم الرأي والاجتهاد، وقد نشأت هذه المدرسة على يد عبد الله بن مسعود ثم القاضي شريح ثم حماد شيخ أبي حنيفة ثم أبو حنيفة إمام المذهب الحنفي "الذي غلب عليه الاجتهاد بالرأي" يقول غنايم.

مدرسة الإمام الشافعي (الرأي والحديث):

يقول غنايم أن بين مدرستي الرأي والحديث ظهر اتجاه متوسط بينهما وتزعمه الإمام الشافعي، وقد جمع الشافعي بين الاتجاهين لأنه تتلمذ على يد مالك امام مدرسة الحديث، وأيضًا تتلمذ على فقه ابي حنيفة واخذ عنه ، فجاء مذهبه وسطًا بين الإتجاهين.

فيديو قد يعجبك: