إعلان

في ذكرى توليه الخلافة.. لماذا تشوهت سيرة الخليفة الورع هارون الرشيد؟

04:37 م الإثنين 11 نوفمبر 2019

في ذكرى توليه الخلافة.. لماذا تشوهت سيرة الخليفة ا

كتبت- آمال سامي:

هارون الرشيد، الخليفة المثير للجدل، تولى الخلافة بعد وفاة أخيه موسى الهادي سنة 170 هـ، في مثل هذا اليوم الرابع عشر من ربيع الأول، على الرغم من محاولات أخيه لخلفه من ولاية العهد وتثبيتها لابنه، وأمه هي الخيزران الجرشية، وهي عالمة وفقيهة أخذت الفقه عن الإمام الأوزعي، وكانت في الأصل جارية من جواري المهدي أعتقها وتزوجها.

يرد الدكتور شوقي أبو خليل، المؤرخ والباحث الفلسطيني، في كتابه " هارون الرشيد: أمير الخلفاء وأجل ملوك الدنيا"، على سؤال هام وهو: لماذا شوهت سيرة الخليفة هارون الرشيد دون غيره؟ فيقول أبو خليل إن تشويه سيرة الرشيد كان مدروسًا ومحكمًا، وأنه سلط على واسطة العقد في الحضارة العربية الإسلامية، فكان عصر الرشيد قمة التقدم العلمي وذروة الحضارة العربية الإسلامية. وعليه فإن الطعن والتشويه الموجه للرشيد هما موجهان ضد ذروة الحضارة العربية الإسلامية بالذات، والطعن في سيرة أعلام الإسلام، طعن في الإسلام ذاته. وأن الطعن في الإسلام بشكل مباشر لم يجد نفعًا، فلم يجد أعداءه طريقة إلا بالطعن الخفي والتشويه غير المباشر، وشبه شوقي تشويه سيرة الرشيد بمن شوه سيرة السلطان عبد الحميد بسبب رفضه قيام الدولة اليهودية في فلسطين ليشوهوا فكرة الخلافة في أذهان المسلمين كلهم. وذكر أن دولة الرشيد ضمت أعلام العلم الذين تفخر بهم البشرية جمعاء، امثال: جابر بن حيان، والحسن بن الهيثم. وأشار إلى أن الرشيد أهتم بالعلماء فبنى لهم بيت الحكمة ووفر لهم المناخ الملائم للفكر والأبداع والنفقة اللازمة لكل ما يحتاجونه.

ولد الرشيد بالري عام 150 هـ، أي تولى الخلافة وعمره 22 عامًا، وكان الرشيد يحج عامًا ويغزو عامًا ويصلي في كل يوم مائة ركعة إلا أن تؤخره علة، وحين تولى الخلافة، ولد له ابنه المأمون، فكان يقال: "ولد في هذه الليلة خليفة، وولي خليفة، ومات خليفة".

كان معلمه وفقيهه هو الكسائي، وعلم من بعده الأمين والمأمون ولديه، وكان عالمًا وإماما في عدة فنون، وكان وزيره يحيى بن خالد. وقد حج الرشيد في سنوات حكمه تسع مرات، وقد أورد المؤرخون روايات عدة حول خشيته وخوفه من الله، فمنها ما رواه ابن عساكر من تقديم لحم جزور له علم وهو يهم بأكله أنه تكلف أربع مئة آلاف درهم، فبكى بكاءًا شديدًا وأمر برفعه من أمامه وأمر بألفي ألف تصرف إلى فقراء الحرمين في كل حرم ألف الف صدقة، وأمر بالفي ألف يتصدق بها في جانبي بغداد الغربي والشرقي، وبألف ألف يتصدق بها على فقراء الكوفة والبصرة.

ومما روي عنه أيضًا أن قال له ابن السمّاك يومًا: إنك تموت وحدك، وتدخل القبر وحدك، وتبعث منه وحدك، فاحذر المقام بين يدي الله عز وجل والوقوف بين الجنة والنار، حين يؤخذ بالكظم، وتزل القدم، ويقع الندم، قلا توبة تقبل، ولا عثرة تقال، ولا يقبل فداء بمال. فظل الرشيد يبكي حتى علا صوته، فقال يحيى بن خالد لابن السماك: لقد شققت علىأمير المؤمنين الليلة، فقام فخرج من عنده وهو يبكي.

عهد هارون الرشيد.. الرخاء والعدل والرفاهية

في عهد هارون الرشيد، كانت الرفاهية تعم الدولة كلها، والطمأنينة كذلك، لأنه تتبع أمور الرعية ولم يتعجل بإراقة الدماء. ومما يذكر أن الرشيد لما تولى عام 170 هـ ، آمن من كان هاربًا أو مستخفيًا، غير عدد من الزنادقة منهم يونس بن فروة ويزيد بن الفيض. وأستطاع الرشيد أن يسيطر على الفتن والثورات التي قامت في عهده، مثل فتنة النزارية واليمنية في الشام، التي اطفأها جعفر البرمكي سنة 179هـ وخروج الخزر في ثلمة أرمينية وقضى على تمردهم واعتداءاتهم على حدود المسلمين حازم بن خزيمة ويزيد بن مزيد عام 186 هـ.

كان هارون الرشيد حريصًا على صلاح ولاته، فحين ولى علي بن عيسى بن ماهان على خرسان وظهرت خيانته وسوء سياسته لأهل ولايته، خلفه بهرثمة بن أعين وهو قائد شجاع وحكيم، ولما عزل الرشيد علي بن عيسى أرسل له كتابًا مع هرثمة في يلومه لومًا شديدًا له لظلمه الرعية ولمخالفته أمره في حسن السيرة، لأنه استصفى لنفسه أمولًا كبيرة، ينقله لنا الطبري في تاريخه : "يابن الزانية، رفعت من قدرك، ونوهت باسمك، وأوطأت سادة العرب عقبك، وجعلت أبناء ملوك العجم خولك وأتباعك، فكان جزائي أن خالفت عهدي، ونبذت وراء ظهرك أمري، حتى عثت في الأرض، وظلمت الرعية، وأسخطت الله وخليفته بسوء سيرتك، ورداءة طعمتك، وظاهر خيانتك...". وكتب إلى هرثمة عهدًا بخطته على تقوى الله وطاعته ورعاية أمر الله ومراقبته، وأن يكون كتاب الله إمامًا وأن يصلح في سياسة أمور رعيته.

هارون الرشيد يلتقي بمالك والشافعي

يروي لنا شوقي أبو خليل في كتابه السابق ذكره مواقف الرشيد مع الإمامين الجليلين مالك، والشافعي، حيث أتى مجلس الإمام مالك ذات يوم وجلس، فقال له مالك: من تواضع إلى الله رفعه، ومن تكبر وضعه، فقال الرشيد: ماذا صنعت؟ - وكان قد دخل مجلس الحديث وأخذ مكانه إلى جوار مالك- فقال الإمام مالك: إن من جلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم في مجلس علمه، فقم واقعد بين يدي. فاسرع الرشيد ممتثلًا.

أما الشافعي، فقد حاول عامل اليمن أن يوقع بينه وبين هارون الرشيد، الرشيد وقال له إن أراد ألا يفسد اليمن ولا يخرج عليه فعليه أن يخرج الشافعي وذكر أقوام من الطالبيين، وأقر الطالبيون بثورتهم فاعدموا، أما الشافعي فقال أنه ليس بطالبي ولا علوي، وإنما أدخل في القوم ظلمًا، وأنه من بني عبد المطلب بن عبد مناف بن قصي، وله حظ من العلم، وأن القاضي –يعني أبو يوسف- يعرف ذلك. فبرئت ساحته وأمر له بعطاء قدره خمسون ألفًا وهي من اموال المسلمين ينفقها الخليفة على العلم والعلماء، فاستخدمها كلها في نسخ الكتب، ورد ما أعطاه من هدية قائلًا: "إني لا آخذ الهدية ممن هو دوني"، وقربه الرشيد من مجلسه وفضله على من سواه.

توفي هارون الرشيد عام 193 هـ في طوس، وكان عمره حينها ثلاثة وأربعين عامًا.

فيديو قد يعجبك: