إعلان

في ذكرى رحيل الشيخ المهدي العباسي.. أول من جمع بين منصبي الإفتاء ومشيخة الأزهر

04:54 م السبت 08 ديسمبر 2018

الشيخ المهدي العباسي

كتبت – سارة عبد الخالق:

هو أول شيخ يجمع بين منصبي الإفتاء ومشيخة الأزهر الشريف.. كان قد تولى منصب الإفتاء وهو في العشرينيات من عمره.. له تاريخ حافل غزير بالعلم والمعرفة والدراسة.. قدم للمكتبة الإسلامية مؤلفاً يعد من أهم المصادر في الإفتاء هو الإمام الشيخ محمد المهدي العباسي الحنفي.. وفي هذا التقرير يرصد مصراوي أبرز المحطات في حياته وأهم المواقف التي اشتهر بها، وذلك في ذكرى رحيله في مثل هذا اليوم في 8 ديسمبر من عام 1897م.

هو محمد بن محمد أمين بن محمد المهدي العباسي الحنفي، وُلِدَ بالإسكندرية سنة 1827 م، "هو ابن الشيخ محمد أمين الحنفي ابن الشيخ محمد المهدي الكبير الشافعي، كان جده المذكور قبطياً فأسلم على يد الشيخ العلامة محمد الحفني، وقرأ عليه وعلى أخيه الشيخ يوسف الحفني وغيرهما، حتى صار من كبار العلماء"، وفقا لما جاء في كتاب (أعلام الفكر الإسلامي الحديث) لأحمد تيمور.

وأضاف "تيمور" في كتابه أن الشيخ محمد العباسي المهدي، قرأ في الأسكندرية بعض القرآن، ثم حضر بعد ذلك إلى القاهرة، وأتم حفظه لكتاب الله بها، واشتغل بالعلم، وقرأ على يد الشيخ إبراهيم السقاء – الشافعي، والشيخ خليل الرشيدي – الحفني، والشيخ البلتاني وغيرهم، ثم صدر أمر إبراهيم باشا ابن محمد علي بتوليه منصب إفتاء الديار المصرية خلفًا للشيخ أحمد التميمي المفتي السابق، وهو مازال في سن صغيرة، فكان يبلغ من العمر آنذاك نحو 21 سنة، ولم يتأهل بعد لمثل هذا المنصب الكبير.

- توليه منصب الإفتاء في سن 21

"يقال إن السبب في ذلك عارف بك الذي تولى القضاء بمصر، وكانت له الصلة بوالد الشيخ المهدي العباسي، فلما ذهب إبراهيم باشا إلى القسطنطينية ليتسلم من السلطان مرسوم ولايته على مصر قابله عارف بك، وكان إذ ذاك شيخاً للإسلام وأوصاه خيراً بذرية الشيخ المهدي، وأن يولي منهم من يصلح لمنصب أبيه، فكان همه السؤال عنهم عودته لمصر، وطلب الشيخ المهدي لحضرته"، وفقا لما جاء في العدد رقم (51) من مجلة الرسالة الثقافية – في موضوع بعنوان: (أعيان القرن الرابع عشر).

وأضاف المصدر السابق أنه بعد أن طلب الشيخ المهدي لحضرته: "فصادفوه في درس الشيخ السقاء يحضر مقدمة مختصر السعد، فركب إليه وهو بين الخوف والرجاء، ولما قابله أثنى عليه لاشتغاله بالعلم، ثم أنبأه بأنه ولاه منصب الفتوى بمصر، وعزل عنه الشيخ أحمد التميمي الخليلي وخلع عليه خلعة هذا المنصب، ثم عقد له مجلساً بالقلعة حضره حسن باشا المنسترلي والشيخ مصطفى العروسي وغيرهما، فأقروا على إقامة أمين للفتوى يقوم بشئونها حتى يتأهل صاحبها لها ويباشرها بنفسه، واختاروا له الشيخ خليلاً الرشيدي الحنفي بدل الشيخ علي البقلي أمين فتوى التميمي، ونزل الشيخ المهدي من القلعة بموكب كبير من العلماء والأمراء ووفد الناس على داره للتهنئة، ومدحه الشعراء".

عُرف عن الشيخ المهدي العباسي أنه يتمتع بذكاء حاد وبتحصيل علمي وافر، وكان يدرس الكتب الصعاب، وكانت ولايته لمنصب الإفتاء حافزا له للانكباب على القراءة والبحث والدراسة، حتى وصل إلى مكانة الصدارة بين العلماء، وأصبح جديرا بمنصب الإفتاء، وجلس للتدريس بالأزهر، فقرأ كتاب الدرر المختار، وهو من أهم مصادر الفقه الحنفي، كما قرأ عدة من أمهات الكتب، وباشر أمور الفتوى عن جدارة واستحقاق، وفقا لما جاء في كتاب (شيوخ الأزهر في مصر) لعمرو إسماعيل محمد.

- أول وأصغر شيخ حنفي يتولى مشيخة الأزهر مع احتفاظه بمنصب الإفتاء

وبعد ذلك تولى الشيخ العباسي المهدي في عام 1870 م في عهد الخديوي إسماعيل منصب مشيخة الأزهر خلفًا للشيخ مصطفى العروسي، مع احتفاظه بمنصب الإفتاء، فكان أول من جمع بين المنصبين وأول حنفي يتولى مشيخة الأزهر على غير العادة، لأنه عادة ما كان يتولى منصب الأزهر من هم أصحاب المذهب الشافعي، وكذلك يعد أصغر من تولى مشيخة الأزهر على مر السنين، وكانت مدة ولاية الشيخ المهدي العباسي لمشيخة الأزهر ثمانية عشر عامًا، وولايته الإفتاء كانت أربعين عامًا، وفقا لما ذكر على موقع دار الإفتاء المصرية – قسم "تراجم وسير".

واشتهر الإمام العباسي بالعفة والأمانة والدقة، واشتهر بين الناس بالعزم والحزم وعدم ممالأة الحكام، وكان شديد المحافظة على كرامته، وكانت له مكانة سامية لذا منحه الباب العالي كسوة التشريف من الدرجة الأولى، كما منحه الوسام العثماني سنة 1892م، كما كان كثيرا ما يتدخل لدى الحكام لدفع المظالم حتى قبل ولايته لمشيخة الأزهر، حتى أن الحكام كانوا يستشيرونه في معضلات الأمور حتى غير العلمية منها، فقد كان غزير العلم والمعرفة، يتمتع بجودة الرأي، وصدق النصيحة والتقوى والصلاح، وكان أول من سن قانونا بتنظيم الامتحان لمن يريد التدريس بالأزهر، وفقا لكتاب شيوخ الأزهر في مصر – المصدر السابق ذكره.

- الشيخ المهدي العباسي أنقذ أسود قصر النيل

جاء في دراسة للمستشرق الهولندي رودلف بيترز متحدثا عن أهمية إحدى كتب الإمام المهدي العباسي (كتاب الفتاوى المهدية) مستندا إلى فتوى أصدرها الشيخ عام 1882 م – وفقا لما جاء في مقال منشور بتاريخ 18/3/1994 بجريدة الأخبار المصرية تحت عنوان " كيف أفلتت أسود قصر النيل من المذبحة وعندما تتلاعب السياسة بالدين": "في تاريخ سابق مباشرة على تعدي بريطانيا على الديار المصرية وزحف قواتها صوب العاصمة، فرد على سؤال موجه حول مدى شرعية إقامة التماثيل (تمثال إبراهيم باشا في ميدان الأوبرا والأسود المقامة بمدخل كوبري قصر النيل)، فأجاب الإمام بما مفاده أن إقامة هذه الصور والتماثيل مكروه كراهة تحريمية وإن كان قد أضاف في فتواه، في حاشية، أن إزالة كل منكر في البلاد وتجنب الحكم بغير ما أنزل الله لهو أمر آكد، أي أشد توكيدا، من إزالة الصور والتماثيل.

وأضافت الدراسة "أن المفتي يكون فيما أكده قد أضاف، ولأول مرة، تعقيبا إلى فتوى يصدرها لا يتصل بطبيعة الموضوع الذي ينظره، وأن ذلك كان إدراكاً من الإمام بأن المطلوب كان استعمال، أو بالأحرى استغلال موقف معين وصبغه بصبغة دينية وصولاً إلى تحقيق أهداف سياسية محضة، وهي زعزعة الثقة بالحاكم القائم وقتذاك، في حين أن العدو الغاصب كان على الأبواب منتهكا ديار الإسلام"، وعلى ذلك "انتهى المستشرق إلى أن الإمام فطن إلى خبيئة السؤال فكان الرد مناسبا للمقام، وتفويتا على السائل ما كان يهدف إليه من تحقيق أمور سياسية متسترا خلف دعوى الحفاظ على الشريعة".

- أهم مصنفاته: (الفتاوى المهدية في الوقائع المصرية)

أسفرت سنوات عمل الشيخ المهدي العباسي الأربعين في منصب الإفتاء على إخراج ثمرة تضم ثروة فقهية هائلة تعتبر أهم مصنفات العالم الجليل ألا: (الفتاوى المهدية في الوقائع المصرية)، وهي عبارة عن سبعة مجلدات كبيرة ضمت مجموع فتاواه، وتعد من أهم المصادر في الإفتاء، وقد تم طبعاتها في القاهرة عام 1883 م، وأعيدت طبعاتها من جديد عام 2001 بواسطة حفيد الشيخ المهدي.

- وفاته

توفى الشيخ محمد المهدي العباسي – رحمه الله – في 8 ديسمبر من عام 1897م ، بعد 4 سنوات من المرض قضاها بعد أن أصيب بمرض الشلل.

فيديو قد يعجبك: