إعلان

رمضان أسرار وأنوار

مركز الأزهر العالمي للفتوى الالكترونية

رمضان أسرار وأنوار

10:43 م الأحد 02 مايو 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم: د. وليد البلتاجي السيد

عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر

وعضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد، النبي الهادي الأمين، وعلى آله وأصحابه الطيبين، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين، وبعد:

فالله - عز وجل - لم يفرض علينا شيئًا قط إلا وفيه منفعة لنا- وإن كان في ظاهره غير ذلك، فهو - سبحانه - العليم بأمورنا، البصير بما ينفعنا وما يضرنا، ويظهر ذلك جليًّا واضحًا في عبادات كثيرة، من ذلك الصيام، ولقد اختص الله - سبحانه - شهر رمضان بأسرار عديدة، وخصائص فريدة، انفرد بها عن بقية الشهور، ومن الممكن أن نلخص هذه الأسرار إلى أسرار مادية محسوسة تتعلق بجسد الإنسان وصحته، وأخرى معنوية ملموسة.

أما الأولى وهي الأسرار المادية المتعلقة بجسد الإنسان، فإنَّ بعض الدراسات الطبية قد أثبتت أن الصيام له تأثير إيجابي على الجسد، فقد يقيه من أمراض القلب، والأوعية الدموية، وأمراض الجهاز الهضمي.

أما الأسرار المعنوية الملموسة التي تتجلى من عبادة الصيام، فقد ظهرت جلية واضحة في الحكمة التي شرع الله - عز وجل - من أجلها الصيام، وتتجلى هذه الحكمة العظيمة في الأمور الآتية:

-إن من أهم الأشياء التي من الممكن أن تظهر في حكمة مشروعية الصيام: أن الصوم وسيلة للتقوى؛ لأن المسلم إذا امتنع عمَّا أحله الله - عز وجل - من أجل مرضاته سبحانه، فأولى أن يمتنع عن الحرام من أجل مرضاته سبحانه، ولذا لمّا تَحَدَّث - سبحانه - عن فرضية الصيام ختم الآية بقوله: "لعلكم تتقون".

-كما أن الصيام وسيلة إلى شكر النعمة، فبسببه يمتنع المسلم عن الطعام والشراب، والجماع، فترة من الزمان، وهذه النعم من أجلِّ نعم الله - عز وجل - على الإنسان، فإذا فقدها الإنسان ولو لفترة قصيرة عرف قيمتها، فأداه ذلك إلى شكر هذه النعم، وهذا ما أشار الله - عز وجل - إليه عندما ختم الآية التي تليها بقوله - سبحانه -: "لعلكم تشكرون".

-كما أنَّ من فضل الله علينا أن شرع الصيام من أجل أنه يقي الإنسانَ من الوقوع في المعاصي؛ لأنه من المعلوم أن النفس إذا شبعت تمنَّت الشهوات، وإذا جاعت امتنعت عن الشهوات، ولذا أرشد-صلى الله عليه وسلم- الشباب الذي لم يقدر على تَكْلُفة مؤونة النكاح، بالصيام، فهو خير علاج للبعد عن المحرّمات، فيقي الإنسان من الشهوات، ويبعده عن المعاصي والمحرّمات، ولذا قال «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ». (متفق عليه).

-كما أن الصيام تتجلى حِكَمه السامية في أنَّ المسلم إذا ذاق ألم الجوع والعطش أدّاه ذلك إلى الرحمة والعطف على الفقراء والمساكين؛ لأنه يدرك من وراء ذلك أن من كان هذا حاله في بعض الأوقات، فما بالنا بمن هو حاله كذلك في جميع الأوقات؟. فيؤديه ذلك إلى الإحسان بهم، والعطف عليهم، والأخذ بأيديهم، فينال بذلك أعلى الدرجات.

-وختامًا لهذه الأسرار العظيمة أستطيع أن أقول إنَّ الصيام كذلك يُرَبّي النفس ويهذِّبها، ويساعد على الصبر عند الشدائد وفي أحلك الأوقات، فتجد المسلم صبورًا عند الشدائد كما كان صبورًا على ترك أجلّ النعم وأعلاها في الصيام.

وإذا كانت هناك أسرار لهذا الشهر الفضيل فلا بد أن تتجلَّى أنواره كذلك في أمور كثيرة، منها:

- أن صيام هذا الشهر الكريم يكون سببًا في مغفرة الذنوب، ومرضاة لعلاَّم الغيوب، فقد روى أبو هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». (متفق عليه).

- كما انفرد رمضان عن بقية الشهور في أنَّ أبواب الجنة تُفتَّح فيه، وتُصَفَّد الشياطين -أي تُسَلْسل-، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ»(صحيح مسلم).

وقد ذهب بعض العلماء: إلى أن الأمر على حقيقته، وأن أبواب الجنة تُفْتح بالفعل.

وذهب بعضهم الآخر: إلى أن المراد بفتح أبواب الجنَّة، كثرة الطاعات في هذا الشهر الفضيل، فإنها موصّلة إلى الجنَّة، وقد يقال: المراد ما فتح الله على العباد فيه من الأعمال المستوجبة للجنة من الصيام والصلاة، وتلاوة القرآن، وأن الطريق إلى الجنة في رمضان سهل، والأعمال فيه أسرع للقبول.

وكذا الأمر فيما يتعلق بتصفيد الشياطين فيحتمل أن يكون على ظاهره وحقيقته، وأن تفتيح أبواب الجنة، وتغليق أبواب جهنَّم، وتصفيد الشياطين علامة لدخول الشهر، وتعظيم لحرمته، ويكون التصفيد ليمتنعوا من إيذاء المؤمنين، ويحتمل أن يكون المراد المجاز، ويكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو، وأن الشياطين يقل إغواؤهم وإيذاؤهم ليصيروا كالمصفَّدين، ويكون تصفيدهم عن أشياء دون أشياء، ولأناس دون أناس.

وكل هذه المعاني جليلة، سامية، ولا مانع من احتمالية وجود كل هذه المعاني العظيمة.( شرح النووي على صحيح مسلم7/188، عمدة القاري شرح صحيح البخاري10/266).

-كما تتجلَّى أنواره كذلك في أن فيه ليلة خير من ألف شهر، ألا وهي ليلة القدر، قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خيرٌ مِنْ أَلْفِ شهرٍ}. (سورة القدر، آية رقم:1، 2، 3).

وبيَّن-صلى الله عليه وسلم- أنها ليلة يرفع الله بها الدرجات، ويمحو بها الذنوب والخطايا، فقد روى أَبو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". (متفق عليه).

-وأخيرًا فشهر رمضان تجلّت أنواره كذلك بوجوب زكاة الفطر فيه، حيث إن من أسبابها أنها طُهْرة للصائم من اللغو والرَّفث الذي قد يحدث له أثناء الصيام، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ».(صحيح. سنن أبي داود).

فهنيئًا لمن صام رمضان، وأقام لياليه، من أجل مرضات مولاه سبحانه، وطمعًا في جنة عرضها السموات والأرض، فمن المعلوم أن الجزاء من جنس العمل.

تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام، وصالح الأعمال.. وكل عام وأنتم بخير.

إعلان