إعلان

وثيقة الأخوة الإنسانية وتجريم الإساءة للمقدسات الدينية

د. وليد مرعي

وثيقة الأخوة الإنسانية وتجريم الإساءة للمقدسات الدينية

08:03 م الأحد 31 يناير 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم: د. وليد مرعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر الشريف


تجدر الإشارة بدايةً إلى أن الإساءة إلى المقدسات الدينية أو الاستهزاء بها بصفة عامة؛ منعطف خطير يمس كافة الأديان السماوية، تلك التي تحرص كل الحرص على الاستقرار، والسلم المجتمعي بإرساء وتوطين حالة السلام والوئام الإنساني داخل بيئة المجتمع العالمي.

فجميع الأديان - بلا استثناء - توجب على أتباعها عدم الاعتداء والإساءة إلى الأديان والمعتقدات الأخرى، كما توجب عليهم عدم الانجرار وراء ما من شأنه هدم دينهم وإنسانيتهم، حيث يؤدي التلاعب والاستهزاء بأي دين من هذه الأديان إلى عدم جريان مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج، وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم، والرجوع بالخسران المبين؛ حيث إن حفظ الدين أمر لا بد منه في قيام مصالح الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة. (كما أكده الغزالي في مستصفاه، والشاطبي في موافقاته).

ومن هذا المنطلق: جاءت " وثيقة الأخوة الإنسانية "، تلك الوثيقة التي وقَّعها فضيلة الإمام الأكبر، الأستاذ الدكتور/ أحمد الطيب (شيخ الأزهر الشريف، ورئيس مجلس حكماء المسلمين)، وقداسة البابا فرنسيس (بابا الفاتيكان)، والتي تشكل الوثيقة الأهم في تاريخ العلاقة التاريخية بين الأزهر الشريف وحاضرة الفاتيكان، تلك العلاقة التي تجمع الشرق بالغرب لترسيخ قيم الحوار الإنساني العابر للهويات الضيقة إلى فضاء الإنسانية الرحيب، ولا غرو إن قلنا: إن تلك الوثيقة تعد - وبلا شك - من أهم الوثائق في تاريخ العلاقة بين الإسلام والمسيحية.

جاءت لتؤكد على هذه الحقيقة؛ حيث أكدت على: "أهميَّةِ إيقاظِ الحِسِّ الدِّينيِّ، والحاجةِ لبَعْثِه مُجدَّدًا في نُفُوسِ الأجيالِ الجديدةِ عن طريقِ التَّربيةِ الصَّحِيحةِ والتنشئةِ السَّليمةِ والتحلِّي بالأخلاقِ والتَّمسُّكِ بالتعاليمِ الدِّينيَّةِ القَوِيمةِ لمُواجَهةِ النَّزعاتِ الفرديَّةِ والأنانيَّةِ والصِّدامِيَّةِ، والتَّطرُّفِ والتعصُّبِ الأعمى بكُلِّ أشكالِه وصُوَرِه".

مشيرة إلى: " أنَّ أهمَّ أسبابِ أزمةِ العالمِ اليَوْمَ يَعُودُ إلى تَغيِيبِ الضميرِ الإنسانيِّ وإقصاءِ الأخلاقِ الدِّينيَّةِ، وكذلك استِدعاءُ النَّزْعَةِ الفرديَّةِ والفَلْسَفاتِ المادِّيَّةِ، التي تُؤَلِّهُ الإنسانَ، وتَضَعُ القِيَمَ المادِّيَّةَ الدُّنيويَّةَ مَوْضِعَ المَبادِئِ العُلْيَا والمُتسامِية".

كما جددت مطالبتها الجميعَ بوَقْفِ استخدامِ الأديانِ في تأجيجِ الكراهيةِ والعُنْفِ والتطرُّفِ والتعصُّبِ الأعمى.

مما يؤكد عدم الاعتبار العقلي والأخلاقي لتلك الممارسات التي يباشرها البعض ممن لا يلتفتون إلى حق كل من يدين بدين في الحفاظ على مقدساته ورموزه الدينية بعيدة كل البعد عن التهكم أو الإساءة.

فحماية دور العبادة، من معابد وكنائس ومساجد (كما أكدته الوثيقة): واجب تكفله كل الأديان والقيم الإنسانية والمواثيق والأعراف الدولية، وكل محاولة للتعرُّض لها بأي شكل من أشكال التعرض يُعدّ خُروجًا صريحًا عن تعاليم الأديان، وانتهاكًا واضحًا للقوانين الدولية.
ولا شكَّ أن الإساءة أو الاستهزاء بالمقدسات الدينية بصفة عامة - بعد ما سبقت الإشارة إليه - قد أضحت نوعًا من الإرهاب البغيض، وضربًا من التطرف المقيت الذي يؤجج مشاعر الكراهية والعنصرية، لا يخدم إلا أصحاب الفكر المتطرف الذين يريدون نشر أجواء الكراهية بين المجتمعات الإنسانية المختلفة، وجميع الأديان - وعلى رأسهم الإسلام دين التسامح، والتراحم، والتلاحم بين جميع الأطياف والأجناس- من ذلك براء.

إعلان