إعلان

ظاهرة التسول وخطرها على الفرد والمجتمع

د. أحمد محمد شبل عضو مركز الأزهر العالمي للرصد وال

ظاهرة التسول وخطرها على الفرد والمجتمع

08:24 م الجمعة 21 فبراير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم د. أحمد محمد شبل
عضو مركز الأزهر العالمي
للرصد والفتاوى الالكترونية

يلفت انتباهَ كلِّ من يخالط الناس في الشوارع والأسواق والمواصلات العامَّة انتشارُ ظاهرة التسولِ في المجتمع، وزيادةُ أعداد المتسوِّلين بصورة مفزعةٍ تنذر بالخطر، ولا شك أن هذه الظاهرة من أهم الظواهر السلبية التي يعاني منها المجتمع، وتحتاج إلى وقفة كبيرة من كل أفراده. والتسول هو: طلب العطية والإحسان بطرق مختلفة تثير العطف والشفقة، جاء في "معجم اللغة العربية المعاصرة": تسوَّل فلانٌ:
شحَذَ، سألَ واسْتَعْطى. فتطلق هذه الكلمة على كل من يسأل الناس بهذه الطريقة، وقد يكون بوجه حقٍّ نتيجة اضطرارٍ، وقد يكون بدون وجه حق فيقع هذا الفعل من القادر على الكسب، وعنده ما يكفيه، من غير اضطرارٍ لسؤال الناس وهذا هو الغالب، والكلام هنا موجهٌ نحو الصنف الثاني بلا شك، حيث إن كثيرًا من الناس أصبح يتخذ من التسول مهنة، لا يستطيع الابتعاد عنها بحالٍ؛ لأنها تمثل له مصدر الدخل الذي يضمن له العيش الرغيد بدون تعب أو تحمل مسئولية، هذا وقد مدح القرآن من يتخلى عن هذا الأمر البغيض وخلّد ذكر هذا الصنفِ إلى يوم القيامةِ فقال تعالى في سورة البقرة: "لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا.."، وقد جاءت السنةُ النبويةُ محذِّرةً أشد التحذير كلَّ من مدَّ يده للناس بدون وجه حقٍّ؛ وذلك للحدِّ من انتشار هذه الظاهرة السلبية بين أفراد المجتمع المسلم، ففي "صحيح مسلم" أن رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا –يعني للاستكثار لا من حاجة-، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ»، ورغب النبيُّ صلى الله عليه وسلم أتباعه في التمسك بعزة النفس، والتحلي بالقناعة، وعدم النظر لما في أيدي الآخرين مبينًا أن اليد التي تعطي أفضل وأنبل بكثيرٍ من التي تأخذ، ففي "صحيح مسلم" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ –يعني مرغوبًا فيه-، فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ –يعني بطمع- لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى»، فكيف يرضى المتسوِّل لنفسه بالمذلة والانتقاص وأن يعيش بين أقرانه مكسور العين مطأطأ الرأس؟ فإنه لا يشك أحدٌ أن الذي يتساهل في مسألة الناس دون وجه حاجة فإنه بذلك يُذهِبُ ماءَ وجههِ ويرضى لنفسه بالذلة والصغار وهو ما لا يرضاه الإسلام لأتباعه؛ ولذلك فإن من يستمرئُ هذا الفعل يُحْشَر يوم القيامةِ واللَّحمُ يتساقط من وجهه جزاءًا وفاقًا، ففي "الصحيحين" أن النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ، حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ»، ومن باب المعاملة بنقيضِ القصدِ حكَم الله تعالى على من يتساهل في هذا الأمر بأن يفتقر بقدر ما يعمد إلى الناس فيسألهم، ففي الحديث الشريف «لَا يَفْتَحُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ مَسْأَلَةٍ، إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ».

إن المسلم الحقيقي هو من يواصل الليل بالنهار يتحمل مشاقَّ الحياة وَنَصَبِهَا، يعتمد على ساعديه، يأكل من عرق جبينه، ينطلق في حياته البسيطة يجوع مرة ويشبع مرة ولا يمدُّ يديه فإنه يؤمن أنَّ الرزاقَ موجودٌ وعطاءَه غيرُ محدودٍ، وأنَّ خزائنَه لا تنفد، وأنه لن تموت نفسٌ حتى تستوفيَ رزقها وأجلَها؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ فَضْلِهِ، فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ، أَوْ مَنَعَهُ».

إن التسوَّلَ أمرٌ محرمٌ اتفق العلماء على تحريمه إن كان من غير ضرورة مُلِحَّةٍ كما نقل ذلك النووي رحمه الله، فكيف يستمرأُ المتسوِّلُ الحرامَ ويأمنُ عواقبَه وهو يعلم أن كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به؟ كيف يستبيح لنفسه الكذب الذي يستعطف به الناس، والأيمان الكاذبة التي تغمسه في نار جهنم؟
كيف يتحمل نظرة المجتمع إليه، واحتقار الناس له؟
إن ظاهرة التسوُّل من أخطر الظواهر المجتمعية التي تهدد المجتمع أفرادًا وجماعات، فمن خطرها أنها تشيع البطالة وروح الكسل في المجتمع ويؤثِّر ذلك على الاقتصاد بلا شك، ومن خطرِها أنها مبنيةٌ على الكذب والتدليس ولا يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذابًا، ومن خطرها أنها تتسبب في حرمان فئةٍ كبيرة من الحق الذي فرضه الله تعالى لهم ممن يستحقون الصدقة والنفقة على الحقيقة سواء الأفراد، أو المؤسسات التعليمية، أو الخيرية كدور الأيتام والمستشفيات وغيرها من خلال ذهاب هذه الصدقات إلى غير مستحقها، أو من خلال إحجام المجتمع عن التصدق؛ لاختلاط الحابل بالنابل، ومن خطرها ما يترتب عليها من كوارث أخلاقية وجرائم أمنية مما لا يخفى على القارئ الكريم.

ولذلك وجب على المجتمع أن يواجه هذه الظاهرة بكل حزمٍ وبشتى الوسائلِ المتاحة أفرادًا وحكومات، وأن يبحث الناس عن الفقراء الحقيقيين ممن يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، ويساعد على هذا أن تودع الصدقات والتبرعات في الجمعيات الخيرية ولجان الزكاة والصدقات القانونية ليعيدوا توزيعها على المستحقين الحقيقيين فهي الجديرة بالوصول إليهم، فإذا تم ذلك نستطيع القضاء بشكل كبير على ظاهرة التسول التي تئن منها شوارعنا ومساجدنا ومواصلاتنا العامَّة.

إعلان