إعلان

ارضَ بما قَسَم الله

عبد الله السـبع

ارضَ بما قَسَم الله

06:58 م الإثنين 27 يناير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - عبد الله السـبع:

لكلِّ واحدٍ منا نصيبُه المُقَرَّر من الابتلاءاتِ والأحزان. فمَن منَّا لم يمرَّ قَطُّ بمعاناةٍ؛ بأن أحسَّ في لحظةٍ ما أنَّ قلبَه ينفطرُ، أو أنه يَنْقُصُه شيءٌ لم يتمكَّن من الظَفَرِ به؟!

ومَنْ منَّا لم يَشْعُر في وقتٍ ما مِنْ حياتِه بأنَّ العيشَ في الدُّنيا مسألةٌ سقيمة ومُمِّلَةٌ: فالأحبابُ يموتون، والأهلُ قد يتباعدون.

مَنْ منا يستطيع أن يَزعُمَ أنه حقَّقَ كلَّ شيءٍ، ولم يعد يَنْقُصُه شيءٌ؟! والواقعُ يقولُ إن مَنْ يَمْتَلِكُ المالَ؛ قد يَفْتَقِدُ الأطفالَ، والذي يَمْتَلِكُ الأطفالَ؛ قد يَفْتَقِدُ المالَ، والذي يَمْتَلِكُهما معًا؛ قد يَفْتَقِدُ الصِّحَّةَ، ومن يَمْتَلِكُها جميعًا؛ فقد يَفْتَقِدُ الطُّمَأْنِينَةَ وراحةَ البال!!

وهكذا، فمهما يمتَلِك الإنسانُ؛ فإنَّه يظلُّ في حالة احتياجٍ وعَوَزٍ دائمين، وصَدَقَ الله القائلُ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}.. [فاطر: 15] .

والإنسانُ بطبعِه مُتَعجِّلٌ دائمًا، يَمَلُّ الانتظارَ ولا يُطِيقُه، يقول الله تعالى: {وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً}.. [الإسراء : 11].

فمعظمُنا يُفضِّلُ المصلحةَ الآنية على النظرةِ البعيدة للأمور. مُعظمُ الناسِ هكذا إلا من آتاه الله الحِكْمَةَ. فالذي رُزِق الحِكْمةَ وآتاه الله إيَّاها؛ يَنْظُرُ إلى بعيدٍ، ولا يتكالَبُ على شيءٍ ليس مقسومًا له، ويَرْضَى بما قَسَمَه اللهُ له. فما الذي يسعى الإنسانُ ويلهثُ وراء تحقيقه في دُنْياه؟

شباب وصحة.. وظائف ومناصب.. أموال وعقارات.. مُتع وأحباب..؟!

الحقيقة التي نراها كلَّ يومٍ بأعيننا؛ تقول: لا شيءَ من هذا كلِّه يدومُ إلى الأبد؛ فكلُّ ما في هذه الدُّنْيا له نهاية، وله حدود؛ مَهْمَا يَبْلُغ أقْصَاه. إلا الفوزُ بالجنَّة؛ فلا شيءَ في الدُّنيا يُساوِيها على الإطلاق، أو يُعوِّضُ فَقْدَنا لها. ولأنَّ الأمرَ كذلك؛ فإنَّه مما يُدْهَشُ له ما نَرَاه من أكثرية الناسِ التي تُفضِّلُ الدُّنْيا على الآخرة!! هل لأن الدُّنيا أمامَ أعينِهم، وفي متناولِ أيديهم؟ ومتاع الدُّنيا - برغم قِلَّته وضآلتِه - يُغرِيهم ويَصرِفُهم عن التفكيرِ في النعيمِ الآجل، الكثير والدائمِ في الجنَّة؟! يقولُ ربُّنا تعالى: {كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ}.. [القيامة : 20 - 25] .

فكن من الذين نَظَروا إلى بعيد؛ حيث ستأتي وجوهُهم يوم القيامةِ يَعلُوها البِشْرُ.. وهي ستَشرُفُ بالنظرِ إلى ربِّها.. ويا له من رجاء، ويا لها من غاية؛ تهون في سبيل تحقيقها حميع مُتع الحياة.

أما قِصَارُ النظرِ الذين أغرتهْم العاجلة - أي الدُّنيا الفانية - فوجوهُهم يوم القيامةِ مُعْتِمَةٌ مكفَهِرَّة؛ إذ يترقبون الكارثةَ الكبرى التي ستَنزِلُ بهم، وهي: عدمُ دخولِ الجنَّة؛ وهذه هي الخَسَارةُ التي ما بعدَها خَسَارة، والفَقْدُ الحقيقيُّ الذي ما بعدَه فَقْد!

إعلان