إعلان

هل ظُلِمَ الإسلام؟

هل ظُلِمَ الإسلام؟

هل ظُلِمَ الإسلام؟

08:01 م السبت 27 أكتوبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

مقال: د. محمود الهوارى

عضو المكتب الفني لوكيل الأزهر

تتعدَّد وجهات النظر في الإجابة عن هذا السؤال! وبالرغم من أن الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لخلقه أجمعين، أسودهم وأبيضهم، فلم يأت نبي ولا رسول إلا به، لكن ما زال السؤال مطروحا هل ظُلِم الإسلام.

ومناسبة السؤال أن الأزهر الشريف أزهر الدنيا اختتم فعاليات ندوته الدولية الكبرى التي حملت عنوان: "الإسلام والغرب تنوع وتكامل"، فمدَّ كعادته يد التواصل والتلاقي مع الغرب، إلا أن الغرب ظلم الإسلام.

نعم ظُلِم الإسلام من الغرب، ويكفي هذه الاتهامات التي توجه كل حين إلى الإسلام على أن الإسلام دين إرهاب وتطرف ورجعية وتخلف إلى غير ذلك من التهم.

وأنَّى للإسلام أن يكون دين إرهاب، أو دين سيف، وهذه أجهزة الغرب ومؤسساته تعلن كل يوم زيادة عدد المسلمين في بلادهم، فأي سيف أجبرهم على الإسلام.

أنَّى للإسلام أن يكون دين إرهاب وهؤلاء المسلمون في كل بقاع الأرض أكثر مواطنة وإيجابية واندماجا من غيرهم؟

ومتى أمر الإسلام بقتل الناس، وهو يأمر بالمحافظة على الحياة حتى في حالة الحرب؟

ومتى أمر الإسلام أهله بأن يحتلوا البلاد وينهبوا خيراتها؟

أي إرهاب مع هذه التعاليم التي تصون الإنسان، وتحفظ الأكوان، وتحمي العقائد والأديان؟

أين الإرهاب وقد قال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} فلم يقل: "وإن أحد من المؤمنين" فلو استجار مشرك بمسلم وطلب حمايته فعلى المسلم أن يحميه، ويسمعه كلام الله، فما على المسلم إلا البلاغ، ثُمَّ يبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ دون قهر أو إجبار.

يغمض الغرب عينه عن مثل هذا التأصيل الرباني، ثم يوجه طاقاته وأجهزته وإعلامه لاتهام الإسلام بالإرهاب والرجعية والأصولية، ويوجه جيوشه لاحتلال أرضنا زاعمين أنهم يصدرون لنا الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

ولا أدري أي حرية، وأي ديمقراطية تلك التي تأتي على ظهور الدبابات والصواريخ والأسلحة المجرمة دوليا؟

فمن الأجدر بهذه التهمة؟

وهذا الظلم المبين أخبر به نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله: «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيكُمْ الأُمَمُ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا» فَقَالوا: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحنُ يَومَئذٍ؟! قَالَ: «بَلْ أَنتُمْ يَومَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ المَهَابَةَ مِنكُمْ، وَلَيَقذِفَنَّ اللهُ فِي قُلُوبِكُمُ الوَهَنَ». فَقَالوا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ وَمَا الوَهَنُ؟! قَالَ: "حُبُّ الدُّنيَا وَكَرَاهِيَةُ المَوتِ".

تَدَاعَى الأمم علينا بِأَنْ يَدعُوَ بَعضُها بَعضًا لِكَسرِ شَوكَتِنا، وَسَلبِ خيراتنا؛ فَيَأكُلُونَ ما في قصعتنا، ويَأخُذُونَ مَا فِي أَيدِينا بِغَيرِ تَعَبٍ يَنَالُهُم، أو ضَرَرٍ يَلحَقُهُم، أو بَأسٍ يَمنَعُهُم!!

والأمم لا تداعى على قصعة فارغة؟

إن قصعتنا مملوءة خيرا، وعلينا أن نحافظ عليها من اللئام.

حافظوا على بلادكم، لا تعطوا غيركم فرصة للانقضاض عليها، ولسلب خيراتها.

وننادي الجميع: هذا أوان الاتحاد، اتحدوا واعتصموا بحبل الله، كونوا كما أرادكم ربكم أمة واحدة.

إن الإسلام مظلوم من الغرب، ومظلوم كذلك من أهله الذين يعدون بالملايين، لكن كأنَّ القدر لم يكلِّف هذه الملايين بعملٍ، ولذا فهم يأكلون خبزا لم يزرعوه، ويلبسون ثوبا لم يصنعوه، فماذا قدمت هذه الملايين للإسلام؟

إن كثيرا من المسلمين ظلموا دينهم مرات، ظلموه حين أساءوا فهمه وظلموه حين أساءوا العمل بما فهموه ومرة أخرى بسوء عرضه على الآخرين.

إن الإسلام يجمّعُ ولا يفرِّقُ، ويقدِّم عقيدةً وشريعةً وسلوكًا تؤكِّدُ الأخوَّةَ الإنسانيَّةَ التي تكفلُ التَّراحمَ والتكافلَ بين خلق الله أجمعين، ويسوّي بين الناس في الحقوقِ والواجباتِ.

نسى هؤلاء الظالمون أن الإسلام نهى عن العصبيَّة لأيِّ رايةٍ من قبيلةٍ أو جماعةٍ أو أيّ معنى يجرُّ إلى فرقةِ، وأن.

في اختلافَ الألسنةِ واللُّغاتِ وتعدد الثَّقافاتِ والحضارات دعوة إلى التعاون والتعايش والتلاقي الإنساني.

نسي أصحاب الفكر المنحرف أن الإسلام يدعى إليه بالحكمة والموعظة الحسنة واللين والرفق، لا بالحرق والقتل والتهديد.

ظلم الإسلام حتى من بعض العابدين، فالأصل في العبادات أن تزكي سرائر العباد، وأن تعصم السلوك الإنساني عن العوج والجور، وهذا يتحقق لو أن العابدين تجاوزوا صور الطاعات إلى حقائقها! وسجدت ضمائرهم وبصائرهم لله مع سجود جوارحهم، وتحركت قلوبهم وعقولهم بتحرُّك ألسنتهم، وانطلقت جوارحهم بالعمل والإنتاج بدوران المسبحة في أيديهم.

وانظروا في دنيا الناس لتدهشوا من هذه المفارقة الغريبة، فكم في الناس من تسمى بعبد الله، وليس بينه وبين الله صلة إلا بهذا الاسم.

وكم من تسمى بعبد الرحمن، وهي أقسى قلبا من الحجارة.

وكم من تسمى بعبد الحق، وهو ظالم آكل للحقوق، وناهب للمال العام.

وانظروا في أسماء المحلات فهذه محلات التقوى، وهذه محلات الإيمان، وهذه محلات الأمانة، وأين تجد التقوى والإيمان والأمانة في معاملة أصحابها؟

إن أئمتنا يذكروننا مع كل صلاة فيقولون لنا: استقيموا يرحمكم الله، وليست الاستقامة المطلوبة أن يستقيم الصف في الصلاة فقط، بل أن تستقيم الحياة كلها، فاستقامة الصف في الصلاة بداية الاستقامة في الحياة.

إن الإسلام مظلوم من أهله ومن غير أهله ولو حورب دين على وجه الأرض بمثل ما حورب به الإسلام بل بعُشْرِ ما حورب به الإسلام ما بقي له ذكر على ظهر الأرض، لكن من البشارات التي تريح النفس أن الله عز وجل وعد في القرآن أن دينه لن يغلب، قال الله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}، وسيظل الإسلام شامخاً، وسيبقى بموعود الله وموعد الصادق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فهل نظلم إسلامنا، أو نترك فرصة لغيرنا أن يظلمه ويظلمنا معه.

إعلان