إعلان

مؤشر الفتوى العالمي .. ذلكَ ما كُنَّا نبغِ

د/ طارق أبو هشيمة - رئيس وحدة الدراسات الاستراتيجي

مؤشر الفتوى العالمي .. ذلكَ ما كُنَّا نبغِ

08:00 م الثلاثاء 23 أكتوبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - طارق أبو هشيمة

لا تزال بعض النصوص الدينية والتراثية معينًا صارخًا أمام تطويع الجماعات الإرهابية لها وإعادة بعثها من جديد خارج سياقاتها الزمانية والمكانية، واستغلالها في أحداث ومجالات وأزمنة لا تتواءم معها كلية، أو تطويعها كنباتات مسمومة أو أسلحة تحمل في طياتها شرًّا مستطيرًا.

ولا شك أن العصر الحاضر والواقع المعاش شهد استدعاء تلك الفتاوى، وهو ما بات أمرًا أساسيًّا لدى التنظيمات المتطرفة في الوقت الحالي، ومن نماذج تلك الفتاوى الدامية التي أراقت واستباحت الدماء؛ فتوى الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية عمر عبد الرحمن التي ارتدت رصاصات بصدر الدكتور فرج فودة، الذي دعا إلى فصل الدين عن السياسة، وحذر من خطر الجماعات التكفيرية، وقد اغتيل فودة فعليًّا في 8 يونيو عام 1992.

وكذلك حاول شاب قتل الأديب العالمي نجيب محفوظ عام 1994 نتيجة فتوى أخرى لعمر عبد الرحمن، حيث اعترف الشاب "محمد ناجي محمد مصطفى" خلال التحقيقات بأنه حاول قتل محفوظ تنفيذًا لأوامر أمير الجماعة، والتي صدرت بناء على فتاوى الشيخ عمر عبد الرحمن، بزعم أن محفوظ هاجم الإسلام في كتبه لذلك أهدر دمه.

أما حادث اغتيال الرئيس الأسبق أنور السادات فقد استند منفذوها لفتوى أهدرت دمه "بسبب خروجه عن الملة"، وأكد هذا القول عبود الزمر الذي كشف في حوار صحفي في العام 2011، أن عددًا من العلماء أجازوا لهم الخروج على السادات، وفي مقدمهم الشيخ ابن باز والدكتور عمر عبد الرحمن.

وفي الجزائر كانت المجازر التي ارتكبتها «الجماعة الإسلامية المسلحة»، والعمليات الانتحارية التي تنفذها «القاعدة» و"داعش»، جميعها بناءً على فتاوى استخدمها الإرهابيون في غير ما وضعت له.

من هنا برزت أهمية (المؤشر العالمي للفتوى) الصادر حديثًا عن دار الإفتاء المصرية والذي أطلق في المؤتمر العالمي للإفتاء الذي عقد في القاهرة من 16: 18 أكتوبر 2018، والذي كان هدفه الأساس ضبط العملية الإفتائية في العالم على أسس علمية وعملية تحليلية استراتيجية حديثة.

والحق فإن مثل تلك الأعمال والمؤشرات يفتقدها الجانب الديني الذي بات مجمدًا في غالب محتواه، بيد أن هذا العمل الرائد سيسهم بلا شك في عودة الهدوء والانضباط للحقل الإفتائي، كما أنه سيصبح مرجعية لكافة العاملين في المجال الدعوي، فضلاً عن المهتمين بالجوانب الاجتماعية والنفسية والإعلامية.. الخ.

والمطلع على المؤشر يجد أنه أمام محتوى علمي لا تنقصه الدقة؛ بداية من منهجية العمل الذي أشار إلى العينة المختارة من الدول والمصادر ليقوم المؤشر عليها، مرورًا بالمؤشرات الرئيسية وقضاياه الفرعية وانتهاء بتوصيات خرجت لمختلف التخصصات. وقد كان من أهم ما نادى به المؤشر، الانتهاء من هذا النمط من الإفتاء الاعتباطي أو العشوائي والفوضوي عن طريق تفعيل "مأسسة الفتوى بشكل أكبر"، وكذلك مراعاة الجانب النفسي للمفتي والمستفتي على حد سواء، ناهيك عن ضرورة الاستباق الإفتائي، لا سيما من جانب المؤسسات الدينية الرسمية عند النوازل أو إحداث خطر بالمجتمع.

وفي النهاية لا بد أن يعلم كل مُقدِمٍ على الفتوى أنه موقّع عن رب العالمين، فلا يجنحنّ بفتواه ويصر عليها وإن عارضها عارض أو كانت مخالفة لأي من شروط الإفتاء الواضحة الجلية، فقد أخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن الشعبي قال: "خطب عمر بن الخطاب فحمد الله تعالى وأثنى عليه وقال: ألا لا تغالوا في صداق النساء! فإنه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه رسول الله ﷺ أو سيق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال، ثم نزل فعرضت له امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين أكتاب الله تعالى أحقّ أن يتّبع أو قولك؟ قال: بل كتاب الله تعالى، فما ذاك؟ قالت: نهيت الناس آنفًا أن يغالوا في صداق النساء، والله تعالى يقول في كتابه: {وَءاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا}.. [ النساء : 20]، فقال عمر: كلّ أحدٍ أفقهُ من عمر - مرتين أو ثلاثًا - ثم رجع إلى المنبر فقال للناس: إني كنتُ نهيتكم أن تغالوا في صداق النساء ألا فليفعل رجل في ماله ما بدا له".

رئيس وحدة الدراسات الاستراتيجية بدار الإفتاء

إعلان