إعلان

فقهاء السعادة والأمل

فقهاء السعادة والأمل

فقهاء السعادة والأمل

08:00 م السبت 20 أكتوبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - د. محمود الهواري:

الحقيقة المؤكدة التي لا يتطرق إليها شك أنَّ كل البشر على وجه الأرض يبحثون عن السعادة والراحة والطمأنينة، مهما اختلفت أجناسهم وتعددت أعراقهم، وتنوعت أفكارهم. حتى تكلم عنها علماء التربية وعلماء النفس وعلماء الاجتماع وغيرهم.

ولا أظن إنسانا مهما كان وصفه يطلب الشقاء لنفسه، اللهم إلا أن يكون عقله وقلبه قد توقفا عن العمل.

وقد تنوعت طرق البشر في تحصيل السعادة، فمنهم من طلبها في المال، ومنهم من طلبها في المنصب، ومنهم من طلبها في الشهرة أو في غير ذلك، وليس هاهنا مجال للكلام على مواضع وجود السعادة، لكن السؤال الذي يلحُّ على بشدة: لماذا لا يكون عندنا فقهاء متخصصون في إسعاد الناس وزرع الأمل في نفوسهم؟.

ولا أعني بذلك أن يكون فقه السعادة درجة وظيفية، بل فقه السعادة حالة نفسية ومهارة عملية وخصلة دينية؛ فما أنزل الله عز وجل وحيه السماوي لتشقى به البشرية، وإنما أنزله لراحة الناس وسعادتهم.

وتأملوا معي السياقات القرآنية الراقية التي تعلن في وضوح لا لبس فيه أن الغاية من الوحي سعادة البشرية لا شقاؤها، يقول الله عز وجل: (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى).

وتأمُّل الآيات من كتاب الله باب يعود على الإنسان بالراحة والسعادة والطمأنينة.

ومن أكثر ما يشغل الإنسان أن يكون سعيدا، والإنسان بطبعه يميل للفرح، ويحب البشرى، قال الله تعالى في معرض وصفه لنعم الله على الإنسان: (إنه لفرح فخور)، أي فرح بما عنده من نعم فخور بها على غيره.

وإذا كانت الحاجة للفرح والسعادة والأمل أمر مركوز في الطباع، فإن واجب الدعاة والعلماء والكتاب والمفكرين أن يكونوا أكثر مهارة في اكتشاف مواطن السعادة والأمل في حياة الناس، وفي الوصول بمن يخاطبونهم ويسألونهم إلى هذه الدرجة من الارتياح، ليستطيعوا الوصول إلى نعم الله المودعة عندهم فيستعملوها في مرادات الله، وبما يعود عليهم وعلى مجتمعاتهم بالنفع.

إن الفرح والأمل يدفعان الإنسان إلى العمل ويمدانه بالطاقة ويجعلان منه قوة إيجابية مبدعة خلاقة، وفي المقابل فإن التنفير يعزز مشاعر الإحباط واليأس، ويصيبه بالعزوف عن القيام بدوره في الحياة.

وكثير من الناس لا يرون الواقع إلا بمنظار أسود قاتم، فالدنيا عندهم بؤس وشقاء، وفقر وحاجة، ومرض وعاهة، ونحن لا ننكر ما في الواقع من بلاء، لكن كل واقع له سلبياته وله إيجابياته، بل كل إنسان له إيجابياته وله سلبياته.

وتصوير الواقع بهذه الصورة المزرية لا يسهم في إصلاح، ولا يؤتي ثمارا، بل إننا لو ظللنا نصور الواقع بهذا المنطق البائس وأن الفتن قد عمت، وأن البلايا قد طمت فإننا قد نزرع في نفوس الناس اليأس والإحباط في قلوبهم، وربما تركنا فرصة للشيطان ليتسلط على نفوس الضعفاء قائلا: إذا كان الناس كلهم على هذه الدرجة من الفساد أفتصلحهم أنت؟! كن مع الفاسدين، وهذا منطق الشيطان!

وبهذه المعالجة البائسة اليائسة، وبهذه الحماسة الانفعالية الخالية من فقه السعادة والأمل نضيف إلى المجتمع محبطين جدد.

أما حين نبشر الناس ونبث في نفوسهم الأمل ونعزز من ذكر الشواهد والأمثلة التي تدل على وجود الخير في المجتمع فإننا بذلك نستثير كوامن الخير في نفوسهم ونشجعهم على المنافسة والمسابقة في فعل الخيرات ونرقق قلوبهم ونعمق مشاعر المحبة وحسن الظن بينهم.

إن تربية الناس على معنى حسن الظن ليس تربية على السذاجة والبله والغفلة، بل هو أسلوب ناجع للطمأنينة القلبية والصحة النفسية والسلامة الدينية كذلك، وحين يتعمد الإنسان تغافل الجوانب السلبية ويركز على الجوانب الإيجابية المحيطة به أو بتعبير القرآن (يذكر نعمة الله) أو (يحدث بنعمة ربه).. فإنه سيبرمج نفسه برمجةً إيجابية وسيملأ قلبه بمشاعر الحب والثقة والأمل مما سيمنحه قوةً روحيةً لأداء رسالته في الحياة.

إعلان