إعلان

شهادات أسرى غوانتانامو.. أينما تكونوا يلاحقككم الفزع

12:26 م الثلاثاء 11 أكتوبر 2016

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت – أماني بهجت:
قبل أن تسمح الولايات المتحدة باستخدام طرق مروعة لاستجواب المتهمين، قام محامو الحكومة ومسؤولو الاستخبارات بالتأكيد على نتائج واحدة. لقد علموا أن الطرق التي سيتعرض لها المشتبه بتورطهم في جرائم متعلقة بالإرهاب ستكون مؤلمة وصادمة لدرجة لا يتخيلها ويقبلها المجتمع الأمريكي، ولكن لم يعلم أحد منهم عن الأثار النفسية طويلة الأمد التي ظلت تلازم المشتبه بهم، وفق تحقيق نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية يوم الأحد الماضي.

بعد مضي 15 عامًا يبدو جليًا أنهم كانوا مخطئين.

اليوم في سلوفاكيا، يصف حسين المرفضي شعوره الدائم بالصداع والنوم المضطرب وذلك بعد استرجاعه ذكريات وجوده في سجن مظلم وترهيبه بوجود كلب. في كازاخستان، لا يزال لطفي بن علي تلاحقه كوابيس حيث يرى نفسه يختنق أسفل بئر. في ليبيا، صوت مذياع السيارة المارقة يحفز الغضب داخل ماجد مختار ساسي المغربي، حيث يذكره بوجوده في أحد سجون الاستخبارات الأمريكية حيث الموسيقى التي أودت بسمعه، واحدة من الاعتداءات التي تعرضت لها حواسه.

ثم هناك اليأس الذي تملك الرجال. هؤلاء لم يعودوا كما كانوا. يقول يونس شكري: "أنا أعيش هذا النوع من الاكتئاب". شكري مغربي يخشى الخروج لأنه يتخيل حراس سجن غوانتانامو في الزحام.

يقول شكري "لم أعد شخصًا سويًا".

فما بين السجون السرية لوكالة الاستخبارات الأمريكية "سي آي ايه" حول العالم ومعتقل غوانتانامو في كوبا الذين شهدوا جميع أنواع الممارسات ضد المشتبه بهم، عانى عشرات من المحتجزين من مشاكل نفسية شتى، وفقًا لسجلات طبية لم يتم الكشف عنها من قبل.

وقد أظهرت وثائق حكومية ومقابلات مع سجناء سابقين وعسكريين وأطباء مدنيين أن من تعرضوا لهذا النوع من التعذيب يعانون من نفس الأعراض التي عانى منها أسرى الحرب الأمريكيين الذين تم تعذيبهم على أيدي أقسى الأنظمة في العالم.

أجندة غوانتانامو
تنصلت الولايات المتحدة في وقت لاحق ممن تعرضوا لتعذيب مروع وثبت فيما بعد أنهم ضحايا بسبب الأدلة الواهية أو بسبب خطأ في تحديد هويتهم. اخرون كانوا جنود مشاه لطالبان أو القاعدة ولم يشكلوا تهديدًا يُذكر. بعضهم كانوا إرهابيين متشددين من ضمنهم أولئك الذين تم اتهامهم بالتخطيط لهجمات 11 سبتمبر أو تفجير المدمرة الأمريكية كول عام 2000. وفي العديد من الحالات، أدى تعقيد وضعهم العقلي جهد البلاد في تقديمهم للعدالة.

بحث الأمريكيون كثيرًا في إرث طرق استجواب في عصر ما بعد 11 سبتمبر، متسائلين إذا ما كانوا تجاوزوا في التعذيب أم نجحوا في استخراج المعلومات الاستخباراتية. ولكن حتى مع محاولات الرئيس باراك أوباما تحويل وجهة الناس عن غوانتانامو، تعهد المرشح الجمهوري دونالد ترامب باستعادة تقنيات استجواب تم منعها مثل الإيهام بالإغراق، والتي فقد عدد غير معروف حياته بسبب تلك الممارسات.

على الأقل نصف الـ39 شخص الذين تعرضوا لبرنامج "الاستجوابات المعززة" الخاص بوكالة الاستخبارات الأمريكية والذي تضمن المنع من النوم، الإغراق في الماء المثلج، التعليق على الجدران والاحتجاز في أماكن أشبه بصناديق الموتى عانوا من مشاكل نفسية. وجدت صحيفة النيويورك تايمز في تقريرها أن بعض منهم تم تشخيصهم باضطراب إجهاد ما بعد الصدمة والبارانويا "جنون الارتياب" والاكتئاب أو الذهان.

يقول بن رودس، نائب مستشار الأمن القومي، "لا يوجد شك في أن هذه التكتيكات تتعارض تمامًا مع قيمنا كأمريكيين، ونتائجها تمثل تحديات دائمة لنا ولبلدنا وللأفراد المعنيين".

لم تقم حكومة الولايات المتحدة الأمريكية قط بدراسة على الآثار النفسية طويلة المدى لممارسات الاستجواب غير المعتادة التي انتهجتها. وقالت متحدثة باسم وزارة الدفاع، ردًا على سؤال حول الضرر النفسي طويل الأمد أن السجناء تتم معاملتهم بطريقة إنسانية ولديهم رعاية ممتازة. بينما رفض متحدث باسم وكالة الاستخبارات الأمريكية التعليق.

هذا المقال مبني على عينة واسعة من دراسة الحالات ومئات الوثائق، بما في ذلك سجلات المحكم محاضر اللجان العسكرية والتقييمات الطبية ومقابلات صحفية مع أكثر من 100 شخص من بينهم معتقلين سابقين في 12 بلدا، المحاسبة الكاملة مستحيلة وذلك بسبب أن سجناء سابقين لم يكن لديهم يوما أي وسائل اتصال بأطباء أو محامين، وكل السجلات الخاصة باستجوابهم وحالتهم الصحية تظل سرية.

يحذر باحثون من صعوبة تحديد سبب المرض العقلي. بعض السجناء السابقين لوكالة الاستخبارات الأمريكية والجش قد مروا بمشكلات نفسية. فالسجن وخصوصًا الاعتقال لأجل غير مسمى دون توجيه اتهامات والذي ابتكرته الولايات المتحدة يولد الاجهاد. ومع ذلك يقول أطباء استشاريون ومسؤولون حكوميون إنهم وجدوا رابطًا بين المعاملة القاسية والمشاكل النفسية.

ندبات دائمة
من قاموا بمعالجة السجناء في غوانتانامو لم يسألوا مرضاهم عادةً عن سبب مرضهم أو ما حدث معهم خلال التحقيقات، بعض الأطباء وجدوا سريعًا أدلة على الضرر النفسي الذي وقع على مرضاهم.

ووفقًا لألبرت سيمكوس، وهو إخصائي نفسي متقاعد كان يتبع البحرية الأمريكية، وعمل في مستشفى غوانتانامو في السنوات الأولى لإنشاء المعتقل، "عمل فريقي على عواقب الاستجوابات دون علم ما حدث". في ذلك الوقت كانت الحكومة لا تزال تعاني من أثار هجمات 11 سبتمبر. كانت الحكومة يائسة للحيلولة دون حدوث مزيد من الهجمات.

ولكن النقيب شيمكوس يشعر بالندم الآن لعدم القيام بمزيد من الاستفسارات. "كان هناك صراعًا دائمًا. بين الواجب الطبي لمرضانا وبين واجبنا في البعثة، كجنود،" هكذا قال.

بعد أن تم الافراج عن السجناء من غوانتانامو والسجون الأمريكية السرية الأخرى، لم يجد البعض لا إغاثة ولا مساعدة. فمحمد عبد الله صالح الأسد، وهو رجل أعمال في تنزانيا واخرون تم خطفهم واستجوابهم وسجنهم ثم الإفراج عنهم وإرسالهم لبلدهم دون تفسير، عادوا إلى عائلاتهم بندوب عميقة جراء الاستجوابات والعزل والخجل من الاعتداءات الجنسية والتعري القسري وعمليات التفتيش العدوانية.

الأسد والذي وافته المنية في مايو الماضي، تم احتجازه لمدة تزيد عن عام في سجون عديدة تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي ايه)، تقول أرملته زهرة محمد في بيان أعدته للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب، "في لحظات بين الزوج وزوجته كان يعترف لي كيف كان الأمر مروعًا وكيف شعر... لقد أزلوه. هذا الشعور لم يتركنا يومًا".

في غرفة بادرة لطالما اُستخدمت للتحقيقات في جوانتنامو، قابل ستيفن زيناكس، طبيب نفسي عسكري سابق، عمر خضر الطفل الذي جندته القاعدة في ديسمبر 2008 وكان هذا التقييم قد مر عليه عامين.

الطبيب والذي يشغل رتبة جنرال والذي عمل في عدة مستشفيات عسكرية، كان محاربًا في القوات الجوية وكان مترددًا في قبول الوظيفة بغوانتانامو، وكان يتساءل هل قبوله للوظيفة يفيد وطنه. وعندما انتهى الأمر بقبوله، وعندما قابل دفاع خضر أخبرهم "أنهم كانوا يدفعون لرأي طبيب مستقل وليس لجندي مرتزقة".

كان خضر وهو مواطن كندي الجنسية قد أصيب وتم القبض عليه وهو بعمر الـ 15 على خلفية عملية إرهابية في أفغانستان، حيث قال إنه تم إرساله ليعمل كمترجم للمقاتلين الأجانب من قِبل والده، وهو عضو بتنظيم القاعدة. وبعد مرور سنوات تمت إدانته في جرائم حرب من ضمنها قتل طبيب حربي. في ذلك الوقت كان عمر أصغر محتجز في غوانتانامو.

عمر خضر أخبر محاميه أن الجنود الأمريكيين كانوا يمنعون عنه النوم وبصقوا في وجهه وهددوه بالاغتصاب. وفي اجتماع مع الطبيب النفسي، قال خضر وكان عمره آنذاك 22 بدأ يتعرق بشدة برغم أن مكيف الهواء كان يعمل، وعندما قام بخلع قميصه وهنا لاحظ الطبيب النفسي أن خضر كان يعاني مع حالة اضطراب نفسي سببها القلق الشديد.

وعندما تكرر الأمر مجددًا، شرح عمر أنه تبول على نفسه أثناء أحد التحقيقات فقام الجنود بجذبه تجاه المكان الذي تبول فيه، وقال عمر "هذه هي الحجرة التي استخدموني فيها كممسحة بشرية".

باقي موضوعات الملف:

شهادات أسرى غوانتانامو.. أينما تكونوا يلاحقككم الفزع

معتقلو غوانتانامو... ''ليبي يعيش مرارة الإيهام بالغرق''

المغربي سجين غوانتانامو السابق: لا زالت ارتعد من الخوف

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان