إعلان

فلسطينية تروي ذكرياتها مع بناية قصفتها إسرائيل: انخلع قلبي لكنه لا يزال ينبض

04:02 م الإثنين 17 مايو 2021

قصف الاحتلال الإسرائيلي

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- محمد زكريا:

كانت لحظة قاسية. تلك التي شهدتها لمى حوراني من منزلها في مدينة رام الله المحتلة بالضفة الغربية. قصف الاحتلال الإسرائيلي برج الجلاء بغزة. سوته صواريخه بالأرض. قتلت فيه الحياة. ومعه ذكريات 13 عاما كاملة، سكنت فيهم السيدة إحدى شققه، شاهدة على حملها بعد انقطاع، إنجابها للطفل الوحيد بعد شوق، حبوه، كلماته الأولى ومشيه في الشارع. لحظة سقوط البناية، انخلع قلب السيدة من مكانه كما تعبر، ولا يزال ينبض بالصمود كما تحكي.

استهداف الأبراج في غزة ليس بجديد على المحتل. ومنذ التصعيد الدموي الأخير ضد الاحتجاجات الفلسطينية على محاولة إجلاء أهالي حي الشيخ جراح بالقدس من بيوتهم، كثفت إسرائيل استهداف الأبراج السكنية والمنازل والمراكز التجارية في قطاع غزة، كان ضمنهم برج الجلاء الذي يضم شققا سكنية ومقرات لمكاتب إعلامية دولية.

كما أن الاستهداف ليس بجديد على حوراني.. الحكاية طويلة، لها أصول وجذور...

في أعقاب 1948، أحكمت ميليشيات صهيونية مسلحة قبضتها على معظم أراضي فلسطين، فيما أخرجت مئات الآلاف من الفلسطينيين من مساكنهم وأراضيهم، كان من ضمنهم والدا حوراني، لجآ إلى سوريا، وأنجباها هناك، فيما تشربت الفتاة مياه الصمود من والديها، كالحق في العودة الواصل جيلا من وراء جيل، تزوجت من لاجئ فلسطيني في مدينة نابلس، وأصله يعود إلى مدينة يافا، لتحصل بالنضال على الحق في "لمّ الشمل"، بعد اتفاقية أوسلو بالعام 1993، وتعود إلى الضفة الغربية، وتحمل بطاقة هويتها، ومنها إلى قطاع غزة في العام 1994.

صورة 1

قبل أن يسوي الاحتلال برج الجلاء بالأرض، عبر 4 صواريخ أطلقتها طائرات حربية إسرائيلية، استقبلت حوراني مكالمة من رفقاء لها في غزة، أبلغوها بمنح إسرائيل مهلة لساعة واحدة قبيل تدمير المبنى المؤلف من 11 طابقا، ساعة واحدة هي كل ما يتبقى لساكني البناية المُقرر استهدافها لتسوية كل شيء؛ احتضان أطفالهم، اصطحاب ملابس تعينهم على النوم في الشارع، لملمة ما يَسهل حمله من أشيائهم، لكن ماذا عن ذكرياتهم لما تبقى من العمر؟ البحث عن إجابة دفع السيدة لفتح التلفاز ومتابعة أخبار القصف لحظة بلحظة، عبر بث مباشر عايشت تهدم المبنى رأسا على عقب، والحزن يخيم على أفراد الأسرة بالكامل، لكن كان لسقوط المبنى أثر لا ينسى على نفس السيدة؛ تقول إن قلبها انخلع عن جسدها لحظتها، قبل أن تدهمها الذكريات.

بالعودة 27 عاما وراء تلك اللحظة، وبمجرد أن وطئت قدم حوراني أرض غزة، توجهت لزيارة أهل والدها، قبل أن تستقر هي وزوجها هناك، ويعملان لتأسيس منزل: "كانت البلد وقت اتفاقية أوسلو تجنن؛ بنية تحتية جيدة ومنتعشة، ومتوفر بها المياه والكهرباء والتليفونات. أعتقدنا أننا قادرين على بناء دولة مستقبلية، لكن تلك الأحلام تبخرت مع مرور السنوات. التهمت إسرائيل الأرض الفلسطينية وحاصرت القطاع للقضاء على كل فرص نشوء دولة فلسطينية.. لكننا صامدون".

صورة 2

في العام 2000، اشتعلت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وفي الأثناء استأجرت حوراني وزوجها شقة بالدور التاسع في "برج الجلاء"، بالتزامن مع تولي أرئيل شارون رئاسة الحكومة الإسرائيلية، ذاك الذي يتورط في جرائم حرب ضد المدنيين الفلسطينيين، تطال نظيره في المنصب الآن بنيامين نتنياهو.

صورة 3

كانت لحظة قصف "البرج" هي ثانية التذكر بالكامل. البنايات ليست مجرد جدران مصمتة كما قد يبدو، بل تحمل بين طياتها حيوات لمن عاشوا فيها. كل ركن يحمل ذكرى. كل غرفة تشهد على ضحكة ودمعة. ذكريات سعيدة وقاسية داهمت حوراني في آن، شريط في ذاكرة السنين يمرره العقل على العين في ثوانٍ، فيما هي تذرف الدمع.

تذكرت حوراني مع سقوط "البرج" لحظة دخولها الشقة للمرة الأولى، غزة المنتعشة بمستقبل دولة فلسطينية مستقبلية، مآسي الاجتياحات الإسرائيلية للقطاع في سنوات الانتفاضة الثانية، أيامها الخوالي مع زوجها، رؤيتها لقصف الاحتلال العشوائي لبنايات المدنيين من شرفة الدور التاسع، دعائها المتكرر بأن يرزقها الله بطفل بعد شوق، النار المنقادة في البيوت والدكاكين، سنوات علاجها لمشكلة سببت تأخر الإنجاب، الدخان المتصاعد، حملها بعد سنوات طويلة، انقطاع المياه والكهرباء والتليفونات لأيام، أول رضعة للمولود، أول صرخة وضحكة وكلمة "ماما"، الخوف من أن يضرب صاروخ عشوائي بنايتها، هذا ما اعتادته من أرئيل شارون، فيما أعادها القصف إلى الوراء قليلا، كأن السنوات ضُغطت في تلك الثواني، إلى العام 1982، وذكرياتها مع الاجتياح الإسرائيلي لبيروت، وقتما كان الوالد يعمل هناك، قبل أن تعود إلى فلسطين مع زوجها، لتعيدها الذاكرة إلى اللحظة الآنية، إلى بيتها في رام الله المحتلة، والبث التلفزيوني من غزة.. بناية الجلاء لم يتبق منها غير ركام.

صورة 4

في 2007، كانت حوراني على موعد مع مغادرة غزة، بعد سيطرة حركة حماس على القطاع، توقعت السيدة أن يكون لذلك عواقب وخيمة، وقد كان، خافت من الاجتياحات الإسرائيلية والقصف المتواصل، وقد وقعت، بينما أرادت أن تؤمن حياة أهدأ لابنها الوحيد، فلم يكن شيء أهم من التفكير في مستقبله، لكن تعلم أن لا مستقبل بالخروج من فلسطين، إن لم يكن صمودا فلا أثر له ولا معنى، فلسطين هي البدء والمنتهى كما تقول. توجهت الأسرة إلى رام الله المحتلة بالضفة الغربية، وسهل حمل الزوجين بطاقتي هويتيهما من الأمر، عملت وزوجها هناك، لكنها لم تنفصل عن غزة ليوم، زارتها قبل 4 سنوات اشتياقا، فيما تتابع من رام الله كل ما يدور فيها، ومن خلال أقارب وأصدقاء، تعيش ما يعيشه القطاع يوميا من معاناة، تعيش الحصار، انقطاع الكهرباء، ندرة المياه، الجوع، موت المعارف وتبدل الملامح، وما أقسى الأخيرة هذه، تعيش العدوان الإسرائيلي المتواصل على أهله، واشتداد شراسته يوما بعد يوم.

صورة 5

الاحتلال الإسرائيلي يبخ ناره في كل مكان، في غزة بالحصار وشن الحروب وقصف الصواريخ، وفي القدس بمحاولة إجلاء سكان الأحياء عن بيوتهم وحرمانهم من ممارسة شعائرهم الدينية، وفي الضفة الغربية بالتطهير العرقي والعنصرية والاعتقالات وتقييد الحركة.. لكن حوراني تقول بصوت عالٍ إنها وأسرتها صامدون للنهاية: "يا نموت هون، يا يقتلونا، يا يطلعونا من أرضنا متل ما عملوا مع أهلنا في 48"، مردفة في تحدٍ: "نتلقى الضربات ونصمد بالبقاء في هذه الأرض، نقاوم سلميا بالحفاظ على تراثنا، بالمقال والرواية والشعر، بالعمل والزرع والتعليم، بالسلاح". والبطولة في رأيها: "إنك تستمر بحياتك الطبيعية في متل تلك الظروف، إنك تروح شغلك ومدرستك، إنك تبني وتعمر، إنك تحتفل بمناسباتك الحلوة، إنك تضل تحكي لولادك إحنا من أي بلد وأهلنا من أي قرية، إنك تعمل سينما ومسرح وتنظم المهرجانات، إنك لما يقصفوا الصاروخ على البناية ما تكون خايف منه على العكس تجمع أطفالها وتغني للصمود".

صورة 6

تابع باقي موضوعات الملف:

فلسطيني يروي دقائق الرعب والفزع في قصف إسرائيل لبنايته بغزة

1L

جار القصف الإسرائيلي على بنايات غزة: نعيش الموت مرات

2-

بين نارين.. كيف تعيش مصورة فلسطينية في غزة وسط القصف الإسرائيلي؟ (صور)

3-

قصف الاحتلال منزلها بعد 4 أشهر من الزواج.. رسالة سيدة من غزة إلى العالم

4-

فلسطيني عن قصف إسرائيل لمحل عمله بغزة: ما عاد لي بيت في وطني

6-

كيف قصفت إسرائيل أسرة مكونة من 50 فردا في غزة؟ (فيديو)

7

في 11 يوما.. حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة (فيديوجراف)

8

فيديو قد يعجبك: