إعلان

لغة الضاد بين يديك.. الأستاذ جُمعة يُعلم العربية لغير الناطقين بها

11:02 م الجمعة 18 ديسمبر 2020

مدرس لغة عربية لغير الناطقين بها

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- شروق غنيم:

مع كل مجموعة جديدة يستحضر محمد جمعة القواعد الأساسية؛ أربعة طلاب يجلسون أمامه، يحاول كسر جليد اللقاء الأول وصعوبته "يكون يومًا فيصليًا، قد ينصرف الطالب عن تعلم اللغة كلها بسببه". يلتزم مُعلم اللغة العربية لغير الناطقين بها بأبسط التفاصيل؛ التحية، السؤال عن الحال، المكان الذي يقطن به الطالب، فيما يُخبرهم بأهم قاعدة في التعلُم "أن نتحدث باللغة العربية الفُصحى".

قبل عشرة أعوام بدأ المُعلم الأربعيني رحلته مع تدريس لغة الضاد إلى الطلاب غير الناطقين بها، والوافدين إلى مصر طلبًا للعلم وعلى رأسها تعلم العربية "أغلبهم الجالية المسلمة التي تقطن بالخارج، يأتون إلى مصر خصيصًا لتعلم اللغة من أجل فهم القرآن".

داخل أحد المراكز التعليمية بالإسكندرية بدأ جمعة مشواره مع الطلاب، يضم البرنامج التعليمي عدة مستويات منها التمهيدي للطالب الذي لا يفقه العربية ولا يعرف قواعدها الرئيسة "نبدأ بالحروف وخلال شهر او شهرين يكون الطالب قد تعلمها وتعلم أيضًا بعض الكلمات ويُجيد قرائتها بسرعة، ويتمكن من قراءة الكتب العربية المُبسطة"، مثل الكتاب الذي ألفه المُعلم باسم الصرفية في تعليم القراءة العربية، والذي صار منهجه لتعليم غير الناطقين بالعربية.

1يعلم جمعة أن الطلاب يدرسون العربية في الأساس للتعرف على القرآن الكريم وفهم معانيه "لذلك يتلقون أيضًا دروسًا في القرآن الكريم بجانب اللغة"، يتدرج الطلاب في المستويات المختلفة للتعلم وحين يصحبوا في مرحلة مُتقدمة "ابدأ شرح معاني الكلمات وأُدرس لهم كتبًا أدبية لكن تُقدم طريقة سلسلة ويسيرة".

حوالي ساعتين في اليوم تكون مدة الحصة التي يتلقاها الطالب في بداية تعلمه للغة العربية "الطلاب يتعلمون سريعًا لأن لديهم شغف وقدموا إلى مصر خصيصًا لطلب العلم لذا يكثفون جهودهم"، ورغم جدية الدرس إلا أن بعض المواقف الطريفة قابلت جُمعة "ذات مرة أبلغت الطالب أن يضع كلمة الأُسرة في جملة واحدة، فالطالب وقتها قال لي الأسرة جيد جدًا في الشاي، وذلك لأن وقتها كان هناك نوع سُكر بنفس الاسم يُباع في المحال"، لذا يتمهّل جمعة في تعليمهم الكلمات ومعانيها "لأنه من الممكن أن يعرفها في سياق واحد ولا يستطيع التعرف عليها في سياق أخر".

2لا يزداد عدد الطلاب في الصف الواحد عن أربعة "لأن كل طالب يحتاج إلى المتابعة معه بدقة شديدة"، لا يقتصر تدريس المُعلم على الأطفال وحسب، لا ينسى جبريل الأب الذى أتى برفقة ولديه عبدالله وسُليمان من روسيا إلى مصر مُشتاقًا لتعلم اللغة العربية "وأيضًا درست لطالب اسمه عبدالبديع كان يبلغ 67 عامًا حين جاء إلي، ورغم أنني أبلغ نصف عمره تقريبًا إلا أنه كان يُناديني دائمًا بالأستاذ وكنت أستحي منهم".

فُتن جبريل باللغة العربية، تعلمها في مصر على يد محمد جمعة وحين عاد إلى بلده مرة أخرى صار مُعلمًا، يُدرس للمسلمين الروسيين اللغة العربية ويُلقنهم العلم الذي عرفه في مصر، قابل المُعلم المصري تلك المواقف كثيرًا "أسعد حينما يرسل لي أحدهم أنه صار يُدرس العربية، قبل أيام أرسل لي طالب درست له منذ 7 سنوات يحكي لي كيف تبدّل حاله الآن وصار مُعلمًا، أدعو لهم دائمًا بأن ييسر لهم الله الأمر".

3لا يبدو الأمر يسيرًا في البدء؛ أحيانًا يواجه المُعلم مصاعب مع الطلاب الجُدد "خصوصًا من لا يُجيد لغة بلاده، يكون الموضوع أصعب في تعليمه لأنه في تلك اللحظة يكون أُمي لا يُجيد فّك الخط كما نقول، فيحتاج هّمة كبيرة من المُعلم قبل أن تكون من الطالب".

لا يتطرق جمعة في حديثه مع الطلاب إلى استخدام لغتهم، لذا يعتمد على طُرق مختلفة مثل الرسم على السبورة أو تحريك يديه لتكوين تعبير معين، ورغم استخدام اللغة العربية الفُصحى إلا أن أحيانًا يأتي له الطُلاب بأسئلة من العامية "أحد الطلاب خصص نهاية دفتره لكلمات من العامية جاء لي بها يسألني عن مقابلها بالفُصحى مثل "عايز إيه؟" لأنه يسمعها كلما ذهب للأسواق أو لشراء شيئ ما".

4يتجاوز شعور جمعة تجاه التدريس بأنها مُجرد مهنة منذ بدأ الطريق مع غير الناطقين بالعربية "فكرة أنني استطعت نقل طالب من الأُمية إلى أن يكون ماهرًا في النطق باللغة العربية وقراءة القرآن تكفيني في الحياة، وألتمس من الله أن تكون شفيعة لي في الأخرة".

علاقة طيبة تجمع بين المُعلم وطلابه، قبل ثلاث سنوات أقام معه طالبين من روسيا عبدالله وسُليمان في منزله "والده ووالدته اضطرا لترك مصر ولم يكن معهم نفقات لاصطحاب أبنائهم والعودة بهم مُجددًا، طلبوا مني إذا يمكن أن يستقروا معي لمدة شهر الدراسة ووافقت على الفور".

كان ذلك في شهر رمضان الكريم؛ منح الصغيرين أصحاب العشرة والثمانية أعوام الونس للمُعلم فيما صارا جزءًا من العائلة وأصدقاء لابنائه "كنت أعود من عملي ونجلس سويًا لتناول الطعام، وكنت أندهش من سلوكهما واختلاف الثقافات، لم يبكِ الطفلان مثلًا لابتعاد والدهما، على العكس استمتعا بقضاء الوقت معنا، وحينما جاء العيد سافرنا سويًا إلى مطروح للاحتفال به".

في دفتر ذكرياته يحتفظ المُعلم أيضًا بأسماء الطُلاب أصحاب المواقف المميزة، لا ينسَ عبدالله الذي أحّب عصير القصب في مصر حدّ أنه أراد شرائه وأخذه معه في رحلته للعودة إلى وطنه "وذات مرة نظمت مسابقة بجائزة مالية وفاز بالمركز الأول، منحناه وقتها 50 جنيهًا مكافأة، فوجئت ثاني يوم صديقه ياسين يحكي لي أنه أنفقها جميعها عند محال عصير القصب".

5يُدرّس جمعة حاليًا عدد من الطلاب من أصحاب الجنسيات المختلفة؛ عُمر من فرنسان رسلان وإيميل من روسيا، عبدالله وحسين من بلجيكا، يأمل في كل مرة أن يسكب من علمه في نفوسهم ويتشربوا حُب لغة الضاد، ليتمكنوا من فهم القرآن الكريم، ورغم أن العمل غير مستقر دائمًا على حال واحد إلا أنه لم يُفكر يومًا في تركه، يؤمن بأنها رسالة ويتمنى أن يمنحه الله المقدرة لتعليم أكبر عدد فيما يكفيه أن يستقبل رسالة من طالب سابق يُخبره أن العربية صارت أحّب اللغات إلى قلبه، أو ولي أمر يُبلغه بأنهم صاروا امتدادًا لتعليمه في بلدهم "جزاك الله خيرًا على ما تفعل، لقد أصبحنا الآن نُدرّس العربية لرفاقنا هنا في وطننا".

فيديو قد يعجبك: