إعلان

من الغيط إلى العالمية.. 50 عامًا لـ"ست لُطفية" في عالم النسيج

05:03 م الثلاثاء 18 ديسمبر 2018

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- محمد مهدي:

تصوير- جلال المسري

من مذياع بسيط خرج صوت المُطربة أم كلثوم "أنساك؟ دا كلام؟" داخل إحدى غُرف مركز رمسيس ويصا للمنسوجات، حينها قال أحد العاملين بالمكان "كدا يبقى سِت لُطفية بدأت شُغل" إذ اعتادت السيدة الخمسينية على طقوس بعينها حينما تهم بالعمل على الأنوال لإنتاج قطعة جديدة من المنسوجات "لُطفية من الجيل الأول اللي اتربى على إيد بابا ولسه مكملة لحد دلوقتي" تقولها ابنة المعماري رمسيس ويصا، بينما تمر على لُطفية تُلقي عليها السلام، تثني على اختيارها للرسومات والألوان ثم تتركها لتُكمل عملها.

بزيها الفلاحي تجلس "لُطفية" أمام النول، بجوارها نافذة تطل على حديقة المركز، تنظر مليًا إليها ثم الخيوط بين يديها، تراودها فكرة ما فتنهمك في تنفيذها بينما تهز رأسها مع كلمات كوكب الشَرق، مر على وجودها في المكان نحو 50 عاما "جيت هنا وأنا عندي 11 سنة" كانت صغيرة جدًا- كما تصف نفسها- سمعت أسرتها عن "رمسيس بيه وعيلته اللي بيشغلوا الناس في قريتنا " جاءت إلى السيدة صوفي حبيب- زوجة رمسيس- فوافقت على الفور "وبقيت واحدة منهم على طول".

أكثر ما لفت انتباه الطفلة حينها "المعاملة الكويسة، والتشجيع طول الوقت" ظلت على مدار أيام تأتي إلى المركز دون أن تعمل "كنا نقعد نلعب شوية، ويحضرولنا أكل" قبل أن تطلب منهم المشاركة في صنع المنسوجات "إدوني خيوط وقطن في الأول" أخبرها المعماري الكبير بالخطوات الأساسية "لما بدأت أعمل أول حاجة ليا، لقيته نده عليا وإداني جنيه، دي كانت حاجة كبيرة وقتها" شعرت بالفرحة، استكملت عملها بحماس أكبر.

صورة 1

مع الانتهاء من عملها الأول "حسيت إني عايزة أكمل مش موضوع شُغل وخلاص" كانت تستشير الفنان الكبير وزوجته مع كُل عمل جديد "كان يقولي إيه الحلو والوحش، ويخلوني دايمًا أعمل حاجات من دماغي" كثيرًا ما تجد عقلها خاليًا من أي أفكار "لو جيت ومعرفتش أرسم أطلع أتمشى في الجنينة لحد ما ألاقي فكرة نطت في بالي أجري أعملها" مع الوقت أحست أن المركز صار بيتًا لها "رغم إننا كنا بنأخد تريقة من أهالي البلد" حينما يشاهدها بعض الأهالي رفقة زملائها "يعايرونا، يقولولنا يا بتوع المصنع" تضحك بينما تتذكر "مكنوش عارفين قيمة الحاجة اللي إحنا فيها".

قواعد العمل التي أرساها "رمسيس" واضحة، الحضور في ساعة مبكرة من الصباح "نقعد لحد الضُهر، نأخد راحة ونرجع تاني الساعة اتنين نكمل" الأجر دائمًا جيد، يحصلون عليه بعد إتمام السجادة "لكن نقدر نأخد فلوس في أي وقت بنعوزه، محدش بيقولنا لا" تسليم أعمالهم ليست بمواعيد مُحددة "كل يوم بنخلص اللي نقدر عليه" النقاشات دائمة ومستمرة عن الرسومات "بنقعد مع أ. رمسيس ومراته نتكلم، يساعدونا، لحد ما نوصل لشكل نهائي".

حين تزوجت لُطفية لم تجلس في بيتها كعادة نساء قرية الحرانية "أقعد إزاي وأنا بحب شُغلي؟" اتفقت مع زوجها على الاستمرار في مركز المنسوجات وعندما أبدى امتعاضه "حكمت رأسي اشتغل" تستيقظ فجرًا تقضي أمور منزلها، تعد الطعام ثم تنطلق سريعًا إلى المركز، وحتى بعد إنجاب 4 أطفال ظلت على عهدها مع المكان "إحنا حابين الشغل، متعرفش دخل دماغنا إزاي".

صورة 2

علاقة السيدة الخمسينية مع عائلة "رمسيس ويصا" لم تكن مقتصرة على العمل "راحتي معاهم، بآجي كإني جاية على حاجة حلوة" المعاملة الطيبة، الحكايات التي ترويها لها السيدة صوفي "بنتكلم في مشاكل بيوتنا". لا تنسى "لُطفية" حينما تعرضت لوعكة صحية منذ سنوات "روحت المستشفى وعرفت إن عندي ورم ولازم عملية" ساندوها حتى أتمت التجربة الصعبة في مستشفى خاص حتى لا تنتظر دورها في قائمة الانتظار بالمستشفيات الحكومية "شوفت خوفهم عليا ولهفتهم إني أتعالج" تدمع عيناها امتنانا لهم.

أيام لا مثيل لها حين كانت لُطفية ترى ناتج عملها بينما كلمات التشجيع والتنهئة تنهال عليها "ولما بشوفها في المعارض، وتسافر بلاد بره" تشعر حينها بأنها تفعل شيئا مميزا عن مثيلاتها من أهالي القرية، فيما مر عليها يوم أسود لا تنساه عندما توفى "رمسيس" فجأة، باتت تفتقد وجوده في المكان، ملاحظاته، طريقته السلسة في الحديث، وطيبته خلال التوجيه "راجل ميتعوضش" لكنها تجد العزاء في وجود السيدة صوفي وابنتهما "سوزان" التي حلت مكان والدها في مباشرة أعمال الجيل الأول وكافة العاملين.

صورة-3

بعد مرور عقود على بداية المركز في فترة الستينيات انحصرت أعداد تلامذة "رمسيس" من الجيل الأول، غادر أغلبهم المكان سواء لعامل السِن أو المرض أو الرغبة في الراحة غير أن لُطفية رغم اقترابها من سن الستين رفضت ترك المكان مهما كانت الظروف "مش هيخليني أقعد إلا الشديد القوي" رفضت طلب أولادها بأن ترتاح "عشان بلاقي روحي وراحتي هنا".

جزء من راحة السيدة داخل المركز هو طقوسها الخاصة "لازم أقعد جنب الشباك عشان أطل على الخضرة" تصطحب معها مذياعا قديما "أسمع عليه أم كلثوم وأغني معاها كمان" تجلس وحدها أثناء إعداد المنسوجات الخاصة بها، بجانبها "كنكة" لإعداد شاي حينما تحب "وطبعًا أكتب اسمي في حتة مميزة بالسجادة" تلك خطوة شديدة الأهمية لـلُطفية "لأني أمية، مبعرفش أكتب اسمي في الورق، لكن بعرف أرسمه على السجاد" تذكرها بفخر.

تابع باقي موضوعات الملف:

حلم "رمسيس ويصا" بالحرانية.. 66 عاما من الحُب والفن (ملف خاص)

الفنان رمسيس ويصا واصف

الطريق إلى الحرانية.. حلم "رمسيس ويصا" في حفظ النسيج المصري (1)

1

الطريق إلى الحرانية.. حلم "رمسيس ويصا" في حفظ النسيج المصري (2)

2

كيف تحول أهل الحرانية إلى فنانين عالميين؟.. زوجة "رمسيس ويصا" تروي (حوار)

3

بالنول والخيوط.. "نجلاء" تُكمل مسيرة الأم في مركز الحرانية للنسيج‎

5

مدير مركز "رمسيس ويصا ": حافظنا على التجربة وتلك خططنا المستقبلية (حوار)

6

من هو رمسيس ويصا.. إمبراطور النسيج المصري (فيديو جراف)

7

فيديو قد يعجبك: