إعلان

"جبر" حارب "نزيف المخ" وتعلم القراءة والكتابة "مرة تانية" في شهرين

12:58 م الأحد 27 مارس 2016

احمد جبر

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-إشراق أحمد:
المساء يقترب، عيد الفطر في يومه الثاني، يجلس أحمد جبر وابنته "شذى"، ينتظران عودة الزوجة ليستعدوا لحضور زفاف أعز أصدقائه. ذهبت "آمال" تنفيذا لوصيته بشراء أجمل ما يمكن ارتداءه فرحا بتلك المناسبة، فيما كان النبأ العظيم باستقبالها "بابا تعبان تعالي بسرعة". يبكي ويضحك ظل "جبر" ينظر لصغيرته، يتسلل العجز فجأة إلى كافه جسده، تسقط السيجارة من بين يده، لا يقوى على النطق بكلمة ردا على ابنته. حتى تأتي الزوجة وتنقله إلى المستشفى، يظل مسجيا في غيبوبة تامة بغرفة العناية المركزة، بعد خبر يقين بأنه "نزيف في المخ"، مع تعبيرات أطباء تُفضي بقلة الحيلة، وأن أمر الله نافذ وما على العائلة غير الدعاء.

تبدو تلك نهاية "جبر"، غير أن هذا لم يحدث؛ يجلس ابن السادسة والثلاثين ربيعا مع ابنته مرة أخرى، بعد عام وسبعة أشهر، يفتح كاميرا الموبايل، يتحدث بصوت يقاوم للخروج، يسجل دقائق يشارك بها مَن بمثل حالته بعض التمارين المساعدة على الحركة، ويداوم على كتابة تجربته مع المرض عبر صفحته الشخصية على "فيسبوك"، يبحث عن المتحدثين عن "نزيف المخ"، ليتكشف أنه لا يوجد سوى طبيبة أمريكية تدعى "جيل" قامت بذلك، فيما اقتصر الأمر على روايات المقربين، فقرر أن يسعى ليكون أول عربي يحكي علنا تجربته مع ذلك المرض.

1

"أحمد" شاب ثلاثيني" بحث عن حياة جديدة في الكويت، استقر بها قبل ثمان سنوات، بصحبة زوجته العاملة بالتدريس، معيشة هنيئة ارتضاها، ما كان بها مجرد موظف يعمل مدير مالي بإحدى الشركات، له مواعيد ثابتة، بل مارس نشاطات مختلفة، مع المصريين المتواجدين بالكويت المشكلين "رابطة مصر المحروسة في الكويت"، من خلالها قدم برنامج إذاعي على الانترنت اسماه "دايما متفاءل"، غير أن ذلك الاستقرار تزلزل بعد أن باغته "نزيف المخ".

قبل شهرين فقط، كان "جبر" حال ورقة بيضاء "مش عارف أعبر ولا اتكلم"، وكانت آخر كلمات عالقة بذهنه "أنت شارب إيه يا برنس"، قالها الطبيب المصري بالمستشفى الكويتي، الذي انتقل إليه يوم 29 يوليو 2014، فيما لم يستطع "جبر" إجابته، إلا عبر إشارات تنفي تعاطيه لشيء، دخل بعدها في غيبوبة لمدة خمسة أيام، لم تستقبل بها زوجته سوى كلمة "الله يرحمه".
وحده الضغط من أصدقاء الشاب الأطباء، دفعت لإجرائه عملية جراحية لوقف النزيف البالغ مداه 115 سم مكعب، حالت دون تركه للموت، ليفيق الشاب بعد استئصال ثلث جمجمته.

2

بغرفة الرعاية المركزة، أبصر "جبر" صورة زوجته وأصدقاءه يبكون من وراء الزجاج، فهمس سرا "بتعيطوا ليه دي الجنة حلوة"، ظن الشاب الثلاثيني أنه مات، وأصابته الصدمة حين نقله لغرفة عادية "مكنش حاسس أني راسي متشال منها"، أخذ ينظر لزوجته، وصوته يعجز عن الخروج، محاولات عصيبة حتى أعلمته بما جرى.

نزيف المخ، هو خلل يتسبب في تلف بالأنسجة الدماغية، ينتج عنه شلل في أجزاء الجسم، وخلل بعملية النطق، وإن لم يتم التدخل السريع، زادت فرص الوفاة، ومَن تكون العناية الإلهية رفيق له حال "جبر"، يواجه معاناة من نوع آخر، إذ فقد الشاب جانب كبير من ذاكرته "أصدقائي المقربين مكنتش فاكر اسمهم لكن فاكر مواقف لهم" يقول "جبر" بلسان ثقيل، مازال يسعى لتحسين مخارجه.

3

لم يعكر حياة ابن السادسة والثلاثين ربيعا شيئا، جسده خفيف الوزن، ما عانى يوما من مرض، فقط التدخين بشراهة، هو ما كان يعيبه، وذلك ما تسبب فيما آل إليه من نزيف بالمخ كما يقول "ما لقيتش عندي من الأسباب اللي بتؤدي للمرض ده إلا التدخين"، لذا باتت رسالته منذ تحسن حالته أن يبتعد جميع من حوله والشباب بشكل عام عن التدخين.

قضى "جبر" 7 أشهر بالمستشفى غير المتخصص في علاج أمراض المخ والأعصاب، قبل أن ينتقل لمشفى "ابن سيناء" المتخصص الوحيد بالكويت –حسب قوله- ويمكث شهر آخر. طيلة تلك الفترة كان أشبه بطفل صغير، بل يجد الطفل أفضل حالا ممن يصاب بمثل حالته، فقد "جبر" كل ما يعرف، وبات عليه تعلم كل شيء من جديد "نسيت القراءة والكتابة.. مكنتش عارف إزاي أنطق أصلا"، غير أن وجود الزوجة والأصدقاء هون عليه الأمر.

بعد عام، في 29 يوليو المنصرف، اليوم ذاته لإصابته بالمرض أمسك "جبر" بهاتفه، تحسس الأزرار، "أنا مش بعرف أكتب" كتبها على صفحته بفيسبوك، غير المعتاد الانقطاع عنه طيلة هذه الفترة، فكانت أولى كلماته، التي ظهرت في ثوانٍ، استغرق لكتابتها نحو الساعتين، لم تسلم فيها من الأخطاء الإملائية، غير أن هذا كان انجازا بالنسبة له، ليواصل التمارين حتى عاد لمعدل سرعة الكتابة الطبيعية خلال نحو 60 يوم تعلم بها القراءة والكتابة مرة أخرى.

لم يملك الشاب الثلاثيني، سوى الاستماع، فاستجاب لنصيحة زوجته، بدوام قراءة القرآن، للمساعدة على استعادة صوته مرة أخرى، ورغم صعوبة الأمر لكنه ظل "يعافر"، متكئا على زوجة تحملت فراق أبنائها لأشهر بعودتهم إلى مصر، لكي تتفرغ للبقاء جوار شريك حياتها، وفي تلك الفترة عرف معادن الناس من جديد، كما كان حاله مع كل شيء، لذا كان تأثير الأصدقاء عليه كبير، حين حرصوا على طباعة قمصان تحمل كلمات "جبر" المعروف بها "دايما متفاءل".

4

تغير كل شيء في حياة "جبر"؛ كبر الأبناء دون أن يدركهم، "شذى" التحقت بالمدرسة وصارت بالسادسة من عمرها، و"حسين" الذي أبصر شهوره الأولى بلغ العامين. التفاصيل بات لها مذاق مختلف، فيطير فرحا بركوبه السيارة ورؤيته الطرق لأول مرة بعد خروجه من المشفى "كنت عايز أفضل راكب العربية"، بعين طفل أخذ يحملق لما حوله، لذراعه التي أغلق عليه باب السيارة دون أن يشعر بألم، فأدرك كم خسر جراء المرض، وظفره الذي فقده نتيجة لذلك، حركة ارتداء الحذاء، أول صلاة جمعة بالمسجد، العكاز المستند عليه وغيرها من أشياء صار لها شأن عظيم عند ابن الشرقية.

لم يواجه "جبر" المرض وحده، بل الأشخاص أيضا. فكثيرا ما اضطر أن يكتم أنينه أمام كلمات على غرار "يا رب اشفيه.. اللهم عافنا مما ابتليت به غيرنا"، فرغم نبل العبارات غير أن الجهر بها ينزل على الشاب كجمر من نار "هو أنا بقيت مرض" يقول لنفسه، متذكرا نظرات الشفقة الملاحقة له، حين خاض تجربة التدريب قبل نحو 10 أشهر، للعودة إلى مزاولة حياته، غير أن الابتسامة في جميع الحالات، وما يتلقاه من إثناء البعض على فعله، كان بردا وسلاما على روحه، للتعامل مع مثل تلك المواقف.

5

باليوم الأول من عامه الـ36، بلغ "جبر" أول خطوات حلمه، إذ أرسل إليه مؤتمر "تيد إكس" بالكويت، العامل على نشر الأفكار المستحقة، من خلال حديث الأشخاص الملهمين، ليكون بين الحضور، أراد ابن الشرقية أن يكون من المتحدثين الرئيسيين، لكن تلقي الدعوة والحضور يوم 24 مارس الجاري، منحه شيئا من الرضا ومزيد من المثابرة، للعودة سريعا إلى عمله، ومواصلة ما يسعى إليه.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان