إيكونوميست: كيف يتدخل بوتين لتقويض ديمقراطيات الغرب؟
كتب - هشام عبد الخالق:
نشرت مجلة "إيكونوميست" البريطانية، تقريرًا لها في نسختها المطبوعة، أمس الخميس، حول تدخلات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الديمقراطيات الغربية، وقالت في بدايته: "في أواخر الثمانينيات، وفي الوقت الذي أطلق فيه ميخائيل جورباتشوف - السكرتير العام الأسبق للحزب الشيوعي السوفييتي - حملة إعادة الهيكلة أو ما تعرف باسم بيريسترويكا، استطاعت روسيا إقامة سلام مع الغرب، وكان من الممكن الاعتقاد أن كلًا من الاتحاد السوفييتي والغرب سوف يتخلى عن فكرته وحلمه في التفوق على الآخر بالأكاذيب ونظريات الحرب الباردة، ولكن الآن ومع اتهام 13 روسيًا من قِبل المحقق الخاص روبرت مولر، أصبح واضحًا أن هذا الاعتقاد كان هشًا للغاية.
وتضيف المجلة، يدّعي مولر، أنه في 2014 بدأت روسيا مؤامرة ضد الديمقراطية الأمريكية، ويعتقد أن لديه الدليل على دحض الإنكارات الروسية في هذا الشأن، وقد يكون هذا بسبب أن بوتين اعتقد أن المخابرات المركزية الأمريكية تقف وراء دعم الثورة في أوكرانيا، وأقامت "وكالة أبحاث الإنترنت"، بدعم من أثرياء روسيا التي تربطهم صلات بالكرملين، فريقًا لتصيّد الأخطاء ويكون مسؤولًا عن أنظمة دفع الأموال والهويات المُزيفة، وذلك بغرض توسيع الانقسامات في أمريكا، ومن ثم، إمالة التصويت في انتخابات عام 2016 من هيلاري كلينتون إلى دونالد ترامب.
وتتابع المجلة، لم تكن الولايات المتحدة هي الهدف الوحيد للاستهداف الروسي، بل أوروبا أيضًا تم استهدافها، وعلى الرغم من أن التفاصيل حول هذا ضئيلة، وأن هذا ليس محور قضية مولر، فإنه من المعتقد حاليًا أن روسيا موّلت السياسييين المتطرفين، واخترقت أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم، ونظّمت المسيرات ونشرت الأكاذيب، وكل ذلك بهدف توطيد الانقسامات الداخلية.
ومن غير المجدي التكهن إذا ما كانت جهود روسيا نجحت في تغيير نتائج الأصوات وتسميم السياسة، ومن غير الممكن معرفة الإجابة، ولكن المؤامرات خاطئة في حد ذاتها، وتثير القلق حول مواطن الضعف في الديمقراطيات الغربية، وإذا كان الغرب سيتجه لحماية نفسه ضد روسيا ومهاجميه الآخرين، فإنه يحتاج إلى التعامل مع اتهامات مولر، باعتبارها صرخة حشد.
وتحمل اتهامات مولر ثلاثة دروس غير مريحة للإعلام الغربي، أولها أن وسائل التواصل الاجتماعي تُعد أداة أكثر فعالية من تقنيات الستينيات، والتي كانت تشمل زرع القصص ورشوة الصحفيين، فليس من المكلف أن تستخدم فيسبوك لإيجاد المتعاطفين مع قضيتك، وإذا كنت بارعًا يمكنك خداع الأنظمة التكنولوجية لجعلهها تفضل منشوراتك وتغريداتك، فإذا قمت باختراق أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالقيادين الديمقراطيين، مثلما فعل الروس، فسوف يكون لديك شبكة من الحسابات للحديث حول ما قد تجده من فضائح.
واستطاع الروس، بميزانية متواضعة تفوق المليون دولار شهريًا، إدارة شبكة من أجهزة الكمبيوتر الخاصة المصابة بالبرامج الضارة، وعدد من الحسابات المزيفة على شبكات التواصل الاجتماعي، وكل ذلك من مكانهم في سان بطرسبرج بروسيا، وذلك ليحصدوا أرقامًا تجاوزت ملايين من إعادة التغريد وعلامات الإعجاب، ولا يعرف أحد بعد تأثير كل هذا على السياسة المتغيرة بعد، ولكن من السهل التخمين أن هذا سوف يؤدي إلى توطيد عمليات التحزّب (الانتماء المتعصب لحزب ما)، ويحد من نطاق الحلول الوسط.
والدرس الثاني، أن حملة روسيا لم تخلق انقسامات في أمريكا بقدر ما جعلتها تواجه نفسها في مرآة مشوهة، ولعبت على أوتار العرق، لتحث المُصوتين السود على أن يروا هيلاري كلينتون كأنها العدو، وفضلوا البقاء في المنزل يوم التصويت، وسعت إلى إشعال استياء البيض، حتى أنها دعت التقدميين للتصويت لجيل شتاين من حزب الخضر، وبعد فوز ترامب، التي سعت جاهدة لتحقيقه، نظمت مسيرة مضادة له في مانهاتن، وبعد حادث إطلاق النار في مدرسة بباركلاند، دعت روسيا - عن طريق اللجان الإلكترونية - إلى إطلاق مناقشات حول التحكم في الأسلحة.
أوروبا الآن مُقسمة بشكل أكبر، خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتجعل تلك الانقسامات في الديمقراطيات الغربية، من الدول الأوروبية عرضة للدخلاء.
الدرس الثالث والأهم هنا، هو أن الاستجابة الغربية كانت ضعيفة، ففي الحرب الباردة، حاربت أمريكا التضليل الروسي بالدبلوماسيين والجواسيس، وعلى النقيض من ذلك، فإن مولر تصرف لكون الرئيسين السابق والحالي عاجزين، فباراك أوباما لم يتصرف بشكل جديّ بعد ظهور أدلة التدخل الروسي، وانتهت فترة حكمه قبل فرضه العقوبات، ربما لأنه افترض أن ترامب سيخسر، وأن تحدثه سوف يغذي الشكوك بأنه - كأحد الديمقراطيين - كان يتلاعب بالسباق الرئاسي، وكان هذا سوء حكم مميت.
فشل ترامب في التصرف حول التدخل الروسي قصة أخرى، وعلى الرغم من امتلاكه للمعلومات منذ يوم انتخابه، لكنه عامَل التدخل الروسي حسبما رأى من ناحيته الشرعية، وكان يفترض به مواجهة بوتين وحماية أمريكا ضد العداء الروسي، ولكنه بدلًا من ذلك - وبتحريض من بعض الجمهوريين في الكونجرس - كرس نفسه لتشويه سمعة الوكالات التي تحقق في المؤامرة، وألمح لطرد مولر ومرافقيه في وزارة العدل، مثلما طرد جيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، ولكن لم ينتهِ مولر بعد، وإذا فكر ترامب في إقالته الآن سيكون ذلك كإثبات على وجود تواطؤ بين حملته الانتخابية وبين روسيا.
حتى تنمو الديمقراطية في أوروبا، يجب على القادة الغربيين أن يجدوا طريقة لاستعادة ثقة الناخبين، وهذا يبدأ بالشفافية، فأوروبا تحتاج تحقيقات صارمة أكثر مثل التي يجريها مولر، على الرغم من أنهم يخاطرون بكشف مصادرهم وأساليبهم الاستخباراتية بشكل قد يسعد روسيا نفسها.
كما أن قوانين تمويل الأحزاب يجب أن تكشف من يعطي أموالًا لمن، ويجب أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي مفتوحة للتدقيق، حتى يتم التعرف على من يدفع الأموال مقابل الإعلانات، ويمكن للباحثين كذلك أن يقتلعوا الحيل.
وبعد ذلك تأتي المرونة، التي تبدأ من أقوى الدول، حيث حذّرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بوتين من عواقب التدخل في الانتخابات الألمانية، أما في فرنسا فأغضب ماكرون القراصنة الروسيين عندما وضع رسائل مزيفة وسط الرسائل الحقيقية في البريد الإلكتروني، والتي قللت من مصداقية التسريبات التي اتّضح أنها تحتوي على معلومات خاطئة، وتُدرس فنلندا محو الأمية الإعلامية، حيث تعمل جميع وسائل الإعلام المحلية معًا لتطهير الأخبار الوهمية، وتصحيح المعلومات الخاطئة.
تكون المرونة أسهل بكثير في ألمانيا، فرنسا، فلنلندا، أكثر من مثيلتها في الولايات المتحدة، ولهذا تظهر أهمية الانتقام والردع أيضًا - ليس مثلما حدث في الحرب الباردة عن طريق الخدع القذرة - ولكن عن طريق ربط التعاون الأمريكي الروسي في المهمات الدبلوماسية بالسلوك الذي تتبعه روسيا، وأيضًا عن طريق فرض عقوبات إذا دعت الحاجة.
وتختتم المجلة تقريرها بالقول: "يخذل قادة الكونجرس الجمهوريون دولتهم، فعلى الأقل يجب أن يعقدوا جلسات استماع طارئة لحماية أمريكا من تخريب انتخابات منتصف المدة في نوفمبر القادم، والآن مع إلقاء ترامب اللوم بشكل دائم على مكتب التحقيقات الفيدرالي والديمقراطيين، يبدو أن الولايات المتحدة لا تعتقد أن القتال من أجل الديمقراطية يستحق العناء".
فيديو قد يعجبك: