إعلان

كيف سيطرت إيران على العراق بعد أن "سلمته أمريكا"؟

11:42 ص الثلاثاء 18 يوليه 2017

الجنرال سليماني عراب الدور الإيراني في المنطقة (أر

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب – سامي مجدي ومحمد الصباغ:
قبل ثلاثة أيام نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تحقيقا من جنوب العراق ضمن سلسلة بعنوان "استدارة إيران" تستقصي النفوذ الإيراني في المنطقة. تطرقت الصحيفة في موضوعها الذي تخطت كلماته الأربع آلاف كلمة إلى الهيمنة الإيرانية على الدولة العربية ذات الأغلبية الشيعية بعد أربعة عشر عاما من الغزو الأمريكي للعراق والإطاحة بالرئيس صدام حسين والنخبة السنية من الحكم هناك.

كشفت الصحيفة عن الأهداف الإيرانية الأساسية من الهيمنة على العراق، وكيف تعمل الجمهورية الإسلامية لتوسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط خصوصا بعد الانسحاب الامريكي من العراق في 2011، وغرقه في فوضى أدت في نهاية المطاف إلى بزوغ نجم تنظيم الدولة الإسلامية وسيطرته لاحقا على مساحات شاسعة من بلاد الرافدين والتي استغرق تحريرها أكثر من ثلاث سنوات بداية من إعلان أبوبكر البغدادي خلافته المزعومة من قلب الموصل، ثاني أكبر مدينة عراقية، حتى إعلان رئيس الوزراء حيدر العيادي "النصر" على التنظيم المتطرف.

تحدثت نيويورك تايمز أيضا عن كيف استغلت إيران المليشيات الشيعية في العراق لمد نفوذها إلى البحر المتوسط وتأمين ممر بري من طهران إلى لبنان حيث حليفها حزب الله عبر العراق وسوريا.... وإلى نص الموضوع:

إيران تهيمن في العراق "بعد أن سلمت أمريكا البلاد"

I

حال سيرك في أي سوق عراقي، تجد أمامك البضائع الإيرانية متراصة على الأرفف في المتاجر – من ألبان وزبادي ودجاج. عندما تدر زر التلفاز وتتنقل من قناة إلى أخرى تجدها تبث البرامج المتعاطفة مع إيران.

انظر حولك. مبنى جديد يرتفع عن الأرض؟ الاسمنت والطوب على الأرجح من إيران. حبوب الإدمان التي يتناولها العراقيون شبابا ورجالا، فهي على الأرجح أدوية غير مشروعة أدخلها مهربون عبر الحدود الإيرانية سهلة الاختراق مع العراق.

هذا ليس نصف ما في الأمر.

ففي مختلف أنحاء البلاد، تعمل المليشيات التي ترعاها إيران لإنشاء ممر لنقل الرجال والأسلحة إلى قوات تعمل لصالح طهران بالوكالة في سوريا ولبنان. وفي قاعات السلطة في بغداد، يحظى أبرز مسؤولي مجلس الوزراء العراقي بمباركة القيادة الإيرانية.

عندما غزت الولايات المتحدة العراق قبل 14 سنة للإطاحة بصدام حسين، رأت العراق كحجر زاوية محتمل لشرق أوسط ديمقراطي على النمط الغربي. كميات هائلة من الدماء الثروة -نحو 4500 أمريكي فقدوا حياتهم وأكثر من تريليون دولار أنفقت -خصصت لهذا السبب.

من اليوم الأول، رأت إيران شيئا اخر: فرصة عمل دولة عراقية عميلة، وهي العدو السابق الذي خاض ضدها حربا وحشية في ثمانينيات القرن الماضي، استخدمت فيها الأسلحة الكيماوية وحروب الخنادق، والتي يشبهها المؤرخون في جزء منها بالحرب العالمية الأولى. وحال نجحت في هدفها، فلن يشكل العراق تهديدا مرة أخرى، بل يمكن أن يعمل كمنصة تنطلق منها لنشر النفوذ الإيران في أنحاء المنطقة.

في ذلك السباق، فازت إيران وخسرت الولايات المتحدة.

خلال السنوات الثلاث الماضية، ركز الأمريكيون على المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، وأعادوا أكثر من 5 آلاف جندي إلى البلاد وساعدوا في طرد المسلحين من الموصل، ثاني أكبر مدينة عراقية.

G

لكن إيران لم تحيد أبدا عن مهمتها: الهيمنة على جارها بشكل تمام بما لا يمكنه أبدأ أن يشكل خطورة عسكرية عليها مرة أخرى، وأن تستخدم البلاد لبسط سيطرتها بشكل فعال على ممر من طهران إلى البحر المتوسط.

قال الوزير السابق هوشيار زيباري إن "النفوذ الإيراني مهيمن. إنه دائم." أطيح بزيباري العام الماضي من منصبه على رأس وزارة المالية بسبب ما قال إن إيران ارتابت في صلاته بالولايات المتحدة.

زادت هيمنة إيران على العراق من التوترات الطائفية في أنحاء المنطقة؛ حيث الدول السنية الحليفة للأمريكيين، مثل السعودية، معبأة لمعارضة التوسع الإيراني. لكن العراق جزء فقط من المشروع الإيراني التوسعي؛ إنها (طهران) أيضا تستخدم القوة الناعمة والخشنة لمد نفوذها في لبنان وسوريا واليمن وأفغانستان وفي أنحاء المنطقة.

وإيران دولة شيعية والعراق دولة ذات أغلبية شيعية كانت تحكمها أقلية سنية نخبوية قبل الغزو الأمريكي. تكمن جذور الشقاق بين السنة والشيعة الذي يعود إلى الوراء نحو 1400 سنة، في الخلافات حول القادة الشرعيين للإسلام بعد وفاة الرسول محمد. لكن في هذه الأيام، يدور الخلاف حول الأمور الجيوسياسية، بقدر الخلاف حول الأمور الدينية، وهذا انقسام تعبر عنه دول مختلفة متخاصمة تقودها السعودية من جانب وإيران من جانب اخر.

إن النفوذ الإيراني في العراق ليس ظاهرا فسحب، لكنه متنوع وواضح في الشؤون العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية.

عند بعض المواقع الحدودية في الجنوب، السيادة العراقية عبارة عن فكرة. فالحافلات المحملة بمجندي المليشيات الشبابية تعبر إلى إيران دون فحص أوراق. هؤلاء يتلقون تدريبات عسكرية ثم ينقلوا إلى سوريا حيث يقاتلون تحت قيادة ضباط إيرانيين دفاعا عن الرئيس السوري بشار الأسد.

في الاتجاه الاخر، تمر الشاحنات المحملة بالمنتجات الإيرانية -من أطعمة وبضائع منزلية وأدوية مهربة – لتصب فيما بات سوقا حيويا لتلك البضائع.

قلبت إيران الميزان لصالحها في كل مناطق التجارة. في مدينة النجف، تجمع شركة إيرانية خاصة القمامة بعد أن منحها مجلس المحافظة عقدا. ولجأ أحد أعضاء المجلس، زهير الجبوري، إلى قول مأثور شائع الآن في العراق: "نستورد التفاح من إيران حتى يمكننا إعطاءه للحجاج الإيرانيين."

سياسيا، لدى إيران عددا كبيرا من الحلفاء في البرلمان العراقي الذين يمكنهم مساعدتها في تأمين أهدافها. ومنحها تأثيرها في اختيار وزير الداخلية، عبر مليشيات وجماعة سياسية شكلها الإيرانيون في ثمانينيات القرن الماضي، لمعارضة صدام حسين، تحكما جوهريا على تلك الوزارة والشرطة الاتحادية.

الأمر الذي ربما يكون الأكثر أهمية، هو تمرير البرلمان قانونا العام الماضي جعل كوكبة من المليشيات الشيعية (الحشد الشعبي) عنصرا دائما ضمن قوى الأمن العراقية. وهذا يضمن التمويل العراقي للجماعات فيما تحافظ بشكل فعال على سيطرة إيران على بعض أقوى الوحدات (في قوات الأمن).

الآن ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية الجديدة، بدأت المليشيات الشيعية في تنظيم أنفسها سياسيا للتنافس، الأمر الذي من شأنه أن يؤمن المزيد من الهيمنة لإيران على النظام السياسي في العراق.

وحتى تكون لطهران أفضلية على موجات الأثير، أسست قنوات تلفزيونية جديدة بأموال إيرانية وهي مرتبطة بمليشيات شيعية، وتبث تغطية خبرية ترسم إيران وكأنها الحامي والولايات المتحدة وكأنها الدخيل المخادع.

وفي إطار جهد لاحتواء إيران كانت الولايات المتحدة قد أكدت أنها سوف تحتفظ بقوات في العراق بعد المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية. ويعمل الدبلوماسيون الأمريكيون لتأكيد دور قوى الأمن الحكومية في القتال، ودعم رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي بدا أكثر انفتاحا على الولايات المتحدة أكثر من إيران.

لكن بعد سحب الولايات المتحدة المفاجئ لقواتها في 2011، لا يزال الثبات الأمريكي محل شك هنا -فشل واسع للسياسة الخارجية الأمريكية، وهي مسؤولية تتحملها ثلاثة إدارات.

وتلعب إيران لعبة أعمق، فهي تستثمر في علاقات دينية واسعة النطاق مع الأغلبية الشيعية في العراق وشبكة أوسع بكثير من الحلفاء المحليين، وهذا يجعل من القضية وكأن العراق هو المدافع الوحيد الموثوق فيه عنها.

F

طريق إلى البحر

قد لا يبدو المشروع الإيراني في العراق كبيرا: طريق مترب ممتد بطول 15 ميلا، معظمه من الحصى يمر عبر الصحراء حتى قرب الحدود في محافظة ديالى.

لكنه خطوة جديدة مهمة لممر إيران إلى سوريا عبر العراق، ميزته الأكثر أهمية هي ما يمر من خلاله -المليشيات الشيعية والوفود الإيرانية والبضائع التجارية والمؤن العسكرية؟

إنها جزء مما يقول المحللون والمسؤولون الإيرانيون إنه الطموح الإيراني الأكثر إلحاحا: استغلال الفوضى في المنطقة لإبراز نفوذها في أنحاء العراق وما وراءه. ويقول المحللون إن إيران في نهاية المطاف يمكنها استغلال الممر التي أنشأته على الأرض من خلال مليشيات خاضعة لسيطرتها، ولشحن أسلحة ومؤن إلى وكلائها في سوريا، حيث إيران داعم مهم للأسد وإلى لبنان وحليفها، حزب الله.

على الحدود إلى الشرق هناك معبر جديد تبنيه وتؤمنه إيران. وهو غير متوازن مثل العلاقة بين البلدين.

يشتمل المرور اليومي عبر نقطة التفتيش على ما يصل إلى 200 شاحنة إيرانية تحمل فواكه وزبادي وخرسانة وطوب إلى العراق. وفي مكاتب حرس الحدود العراقي، هناك الحلوى والصودا التي تقدم للضيوف قادمة من إيران.

وليست هناك شاحنات محملة من الجانب الاخر (من العراق).

قال فاهيد غاتشي، المسؤول الإيراني المسؤول عن المعبر في مقابلة في مكتبه، "العراق ليس لديه شيء يقدمه لإيران." كان المسؤول يتحدث خلال مقابلة في مكتبه أثناء تدفق طوابير الجرارات إلى العراق. وأضاف "عدا النفط، يعتمد العراق على إيران في كل شيء."

كما أن النقطة الحدودية محطة انتظار جوهرية للقادة العسكريين الإيرانيين لإرسال الأسلحة والمؤن الأخرى إلى وكلائها الذين يقاتلون تنظيم الدولة الإسلامية في العراق.

E

وبعد أن اجتاح تنظيم الدولة الإسلامية ديالى والمناطق المجاورة في 2014، جعلت إيران تطهير المحافظة، وهي منطقة متنوعة بها سنة وشيعة، أولوية لها.

ونظمت قوة كبرى من المليشيات الشيعية، كثيرون منها تدربوا في إيران ويقدم لهم مسؤولون إيرانيون استشارات على الأرض. وبعد نصر سريع، شرع الإيرانيون والمليشيات المتحالفة معهم في تأمين مصالحهم المقبلة هنا: تهميش الأقلية السنية في المحافظة وتأمين ممر إلى سوريا. وخاضت إيران قتالا شرسا لإبقاء حليفها الأسد في السلطة بغرض الاحتفاظ الأراضي التي توصلها إلى أهم مشروع لها في المنطقة، حزب الله، القوة العسكرية والسياسية التي تهمين على لبنان وتهدد إسرائيل.

مجرد كلمة من الجنرال قاسم سليماني، المسؤول الاستخباراتي النافذ في إيران، بعثت بجيش من المقاولين العراقيين المحليين، والشاحنات والبلدوزرات المصطفة للمساعدة في بناء الطريق -مجانا. وأمرت مليشيات موالية لإيران بتأمين المكان.

عمدة مدينة الخالص في محافظة ديالى، يدعى عدي الخدران، شيعي من منظمة بدر، وهي حزب سياسي ومليشيا أسستها طهران في ثمانينيات القرن الماضي للقتال ضد صدام حسين خلال الحرب الإيرانية-العراقية.

في أحد الأيام بعد الظهر مطلع هذا العام، فرد الخدران خريطة على مكتبه وناقش بفخر كيف أنه ساعد في بناء الطريق، الذي قال إن الذي أمر به الجنرال سليماني قائد فيلق القدس، المسؤول عن العمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني. أدار الجنرال سليماني السياسة الإيرانية سرا في العراق بعد الغزو الأمريكي في 2003، وكان مسؤولا عن مئات القتلى من الجنود الأمريكيين في هجمات نفذتها مليشيات تحت سيطرته.

وقال "أحب قاسم سليماني أكثر من أطفالي."

وقال الخدران إن طريق الجنرال الجديد من شأنه أن يكون في نهاية المطاف طريقا مختصرا للحجاج من إيران حتى يصلوا إلى سامراء في العراق، التي تضم أحد الأضرحة الهامة لدى الشيعة.

لكنه اعترف أيضا أن الأهمية الاستراتيجية الكبرى للطريق تكمن في كونه جزءً من ممر يؤمنه وكلاء إيران والذي يمتد عبر وسط وشمال العراق، من خلال سلسلة الطرقات تربط مدينة الموصل غرب البلاد وتمتد إلى تلعفر، المدينة التي يهمين عليها تنظيم الدولة الإسلامية، وأقامت فيها المليشيات المدعومة من إيران والمستشارون الإيرانيون قاعدة في مهبط طائرات على أطرافها.

وقال علي الدايني، وهو سني يترأس مجلس المحافظة، "ديالى هي الممر إلى سوريا ولبنان وهذا مهم جدا لإيران."

بالقرب من سوريا، تحركت المليشيات المتحالفة مع إيران إلى غرب الموصل مع تكشف المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في الأشهر الأخيرة. واستولت المليشيات على قضاء البعاج، ثم شرعت في في التحرك باتجاه الحدود السورية، ما وضع إيران على أعتاب إكمال ممرها.

بالعودة إلى الشرق، في ديالى، قال الدايني إنه لم يكن يمتلك القوة لوقف ما وصفها بالهيمنة الإيرانية في المحافظة.

وعندما يذهب الدايني إلى العمل، فإن عليه أن يمر على ملصقات تحمل صورة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، آية الله روح الله خامئني، خارج مبنى المجلس، حسبما قال.

واتهمت المليشيات الإيرانية في المحافظة بتطهير طائفي واسع النطاق، وطرد السنة من منازلهم لتأسيس هيمنة شيعية وعمل منطقة عازلة على حدودها. وهُزمت الدولة الإسلامية في ديالى منذ أكثر من عامين، لكن آلاف العائلات السنية لا تزال مكتظة في المخيمات القذرة، وغير قادرة على العودة لمنازلها.

الآن، أصبحت ديالى مثالا لكيف ترى إيران أن الصعود الشيعي حاسم بالنسبة لأهدافها الجيوسياسية.

وقالت نجاة الطائي، وهي عضوة سنية في مجلس المحافظة وناقدة لإيران، "إيران أذكى من أمريكا." وهي تصف إيران بأنها المحرض على عدة محاولات اغتيال ضدها. وأضافت "حققوا أهدافهم على الأرض. أمريكا لم تحمي العراق. أطاحوا بالنظام فقط وسلموا البلاد لإيران."

D

تجارة النفوذ

حياة الجنرال سليماني وكبار القادة الاخرين في طهران تشكلت عبر الحرب الطويلة مع العراق في الثمانينيات. خلف هذا النزاع مئات الآلاف من القتلى على الجانبين، وقضى الجنرال سليماني الكثير من الحرب على الجبهة، وترقى سريعا مع مقتل الكثير من الضباط.

قال علي فائز، محلل إيران في مجموعة الأزمات الدولية، المعنية بحل النزاعات، إن "الحرب الإيرانية-العراقية كانت تجربة تكوينية لجميع قادة إيران. من سليماني على طول الطريق. لقد كانت لحظتهم’ التي لن تأتي أبدا’."

نزاع حدودي على ممر شط العرب المائي كان عاملًا في الأعمال العدائية، والذي لم يحل حتى الآن. وقد ترك وأرث الحرب الوحشية أثره في الحكومة الإيرانية منذ ذلك الحين، من السعي للحصول على أسلحة نووية إلى سياستها في العراق.

وقال موفق الربيعي، وهو مشرع ومستشار أمني قومي سابق، "تلك ندبة دائمة في ذهنهم. إنهم مهووسون بالبعث وصدام والحرب الإيرانية-العراقية."

ويقول محللون إن الأكبر من أي شيء اخر هو إرث تلك الحرب الذي دفع الطموحات الإيرانية للسيطرة على العراق.

وهناك في جنوب العراق على وجه الخصوص، حيث معظم السكان من الشيعة، علامات النفوذ الإيراني ظاهرة في كل مكان.

فالمليشيات الشيعية هم المدافعون عن الأضرحة الشيعية في مدينتي النجف وكربلاء والتي تجلب التجارة والسياحة. وفي المجالس المحلية، تحظى الأحزاب المدعومة من إيران بأغلبية صلبة، مواد الحملات الانتخابية تؤكد على العلاقة بين القديسين الشيعة ورجال الدين الإيرانيين.

C

وقال مشتاق العبادي، وهو رجل أعمال من منطقة ليست ببعيدة عن النجف، إن الحكومة العراقية إذا كانت أقوى "فربما يمكنها افتتاح مصانع عوضا عن الذهاب إلى إيران." وأضاف أن مخزنه مليء بالواردات الإيرانية لأن حكومته ليس لديها أي شيء تدعم به القطاع الخاص، وحراسة حدودها أو فرض الرسوم الجمركية.

ويستورد رعد فاضل العلواني، وهو تاجر من مدينة الحلّة جنوب العراق، مواد التنظيف وبلاط الأرضيات من إيران. ويربت على علامات "صنع في العراق" الموضوعة بالعربية على زجاجات المنظفات، لكن هو في الحقيقة يمتلك مصنعا في إيران لأن العمالة هناك أرخص.

وقال "أشعر وكأني أدمر اقتصاد العراق." لكنه يصر على أن السياسيين العراقيين برضوخهم للضغوط الإيرانية ورفضهم دعم الصناعة العراقية، جعلوا القيام بأي شيء اخر صعبا.

ويأتي ملايين الحجاج الإيرانيين إلى النجف كل عام لزيارة ضريح الإمام علي وقبته الذهبية. ويتدفق عمال البناء الإيرانيين على المدينة لتجديد الضريح وبناء الفنادق. وينظر المسؤولون العراقيون إلى الكثير من هؤلاء العمال على أنهم جواسيس إيرانيين.

وفي محافظة بابل، وفقا لمسؤولين محليين، استولى قادة المليشيات على مشروع حكومي لوضع كاميرات أمنية على طول الطرقات الاستراتيجية. كان المشروع قد منح إلى شركة صينية قبل أن تتدخل المليشيات. والآن أُبعد الجيش والشرطة المحلية عن المشروع، بحسب مقتضى عمران، الضابط في الجيش العراقي في المنطقة.

لم يأت التفوق الإيراني في جنوب العراق من دون استياء؛ فشيعة العراق يتشاركون نفس المعتقدات مع إيران، لكنهم يحتفظون بهوياتهم الأخرى كعراقيين وعرب.

قال الشيخ فاضل البدايري، وهو رجل دين في النجف، "العراق ينتمي إلى الجامعة العربية وليس إيران. الشيعة أغلبية في العراق، لكنهم أقلية في العالم. وطالما بقت الحكومة الإيرانية تتحكم في الحكومة العراقية، فليس أمامنا فرصة."

في هذه المنطقة حيث لم يتم تجاوز تهديد تنظيم الدولة الإسلامية، قال مسؤولون عراقيون إن المخاوف الأمنية الإيرانية في الأغلب تعالج بالتلاعب الاقتصادي. فالتجارة في الجنوب في الأغلب تمولها إيران في شكل قروض، كما تقدم الكثير من الحوافز للتجار العراقيين لإبقاء أموالهم في البنوك الإيرانية.

وقال انتفاض قنبر، وهو مساعد سابق للسياسي العراقي أحمد الجلبي الذي توفي في 2015، إن البنوك العراقية تعلب دورا، حيث أنها المرتكز المالي للشركات العراقية الكبرى التي تستغلها إيران للوصول إلى الدولارات حتى يمكنها تمويل أهدافها الجيوسياسية الكبرى.

وقال "من المهم جدا أن يحافظ الإيرانيين على الفساد في العراق."

B

الذراع الطولى للمليشيات

لعقود، هرّبت إيران الأسلحة وأدوات صناعة المتفجرات عبر المستنقعات الشاسعة في جنوب العراق. وجُلب الشباب عبر الحدود من الاتجاهين، وتم نقلهم من منزل آمن إلى أخر-المجندون يذهبون إلى إيران للتدريب، ثم يعودون إلى العراق مرة أخرى من أجل القتال. كان العدو في البداية هو صدام حسين، ثم أصبح الأمريكيين.

والآن وبشكل علني، يقوم عملاء الحرس الثوري الإيراني بتجنيد المقاتلين من المدن ذات الأغلبية الشيعية في جنوب العراق. تمتلئ الحافلات بمن تم تجنيدهم وتعبر بكل سهولة عبر النقاط الحدودية التي يقول مسئولون إن إيران عادة ما تسيطر عليها من خلال وكلائها على الجانب العراقي، وحراسها على الجانب الأخر من الحدود.

في الوقت الذي تشكل إيران مليشيات للقتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، حشدت أيضًا جيشًا من الشباب العراقي الشيعي الغاضب من أجل القتال لمصلحتها في سوريا.

ومن بين الجنود المقاتلين لصالح إيران في سوريا، محمد خادم، 31 عامًا، قاتل في سوريا 3 مرات. وقال إن عملية التجنيد في الأغلب قائمة على أمور عقائدية، حيث يخبرونهم أنهم ذاهبون للدفاع عن الأضرحة الشيعية في سوريا. لكن خادم صرح بأنه وأصدقائه ذهبوا لأنهم في حاجة إلى وظائف.

وأضاف "كنت فقط أبحث عن المال". وتابع "أغلب الشباب الذي قابلتهم يقاتلون في سوريا من أجل المال".

سجل خادم مع قائم بالتجنيد يعمل لصالح الحرس الثوري بمدينة النجف العراقية، ثم نُقل عبر جنوب العراق إلى إيران، حيث تلقى تدريبات عسكرية بالقرب من طهران.

ووفقًا لحديثه، ألقى الضباط الإيرانيون خطبا حول استشهاد الإمام الحسين، الذي قتل في القرن السابع على يد قوات سنية وهي الذكرى التي يحييها منذ ذلك الوقت المجتمع الشيعي. وقال الضباط في خطبهم إن نفس أعداء الشيعة الذين قتلوا الإمام هم الآن في سوريا والعراق.

بعد سفره إلى إيران، عاد خادم إلى وطنه في إجازة قبل أن يذهب إلى سوريا، حيث دربه أفراد من حزب الله على استخدام بنادق القنص.

تأكيد إيران على حماية العقيدة الشيعية جعل البعض هنا يستنتج أن هدفها الرئيسي هو تكرار نظام ثيوقراطي (ديني) في العراق على غرار الموجود في طهران. لكن هناك رؤية مستمرة بأن ذلك لن ينجح في العراق، الذي يمتلك عدد أكبر من السكان السنيين الأصليين والتقاليد، بجانب أن الدعاة الشيعة في مدينة النجف، بينهم آية الله علي السيستاني، يعارضون النظام الإيراني.

A

لكن إيران تتخذ خطوات نحو ترجمة قوة المليشيات المسلحة إلى ضغط سياسي، كما فعلت مع حزب الله في لبنان، وبالفعل بدأ قادة المجموعات المسلحة الاستعداد سياسيًا قبل الانتخابات البرلمانية في العام المقبل.

وفي أبريل، ألقى قيس الخزعلي، قائد مليشيا شيعية، خطابًا أمام حشد من طلاب الجامعة العراقيين، هاجم فيه الولايات المتحدة الأمريكية والمؤامرة العدوانية من تركيا والسعودية. ثم بدأ شاعر كان من المحيطين بالخزعلي وصلة إشادة بالجنرال سليماني.

بالنسبة للطلاب، كانت هذه القشة الأخيرة. ثم بدأت هتافات "أخرجي يا إيران! أخرجي يا إيران". وبعد ذلك اندلع شجار عنيف بين الطلاب وحراس الخزعلي، الذين أطلقوا النيران في الهواء خارج المبنى.

وقال مصطفى كمال، طالب من جامعة القادسية في مدينة الديوانية جنوبي العراق، والذي شارك في الواقعة: "ما أثارنا بشدة بالفعل هو الشعر".

أدرك كمال وزملائه سريعًا مدى خطورة مواجهة إيران في هذه الأيام.

في البداية، بدأ أفراد المليشيات بتهديدهم بالترحيل. ثم نشرت وسائل إعلام مرتبطة بهذه المجموعات المسلحة، صورًا لهم وادعت أنهم بعثيون وأعداء للشيعة. وعندما ظهرت سيارة غريبة بالقرب من منزل كمال، شعرت والدته بالذعر وخشيت من أن تأتي المليشيات من أجل ابنها.

في النهاية، تلقى طالب الحقوق وثلاثة من زملائه خطابات من الكلية تشير إلى وقفهم لمدة عام.

وقال الطالب "اعتقدنا أننا نمتلك أمل واحد وهو الجامعة. لكن أيضًا إيران تدخلت هنا".

الخزعلي هو قائد مجموعة "عصائب أهل الحق" السياسية المسلحة، تربطها علاقات قوية بإيران، وكان في جولة بالجامعات العراقية يلقي الخطابات كجزء من تكوين دعم سياسي من أجل الانتخابات العامة المقررة العام المقبل. وزاد ذلك المخاوف من أن إيران لا تحاول فقط تعميق نفوذها في التعليم العراقي، بل أيضًا تحول المليشيات إلى منظمات اجتماعية وسياسية، في تشابه كبير مع ما فعلته مع حزب الله في لبنان.

وتقول المحامية وعضو اللجنة العليا للتعليم، بيروان خيلاني "شكل جديد من التدخل الإيراني وتمديد نفوذ طهران. إيران تريد السيطرة على الشباب، وتعليمهم المعتقدات الإيرانية، من خلال عراقيين موالين لطهران".

H

السطوة السياسية

عندما اختطفت مجموعة من صائدي الصقور القطريين "بينهم أفراد من الأسرة المالكة"، في عام 2015 بينما كانوا في رحلة سفاري بصحراء في جنوب العراق، تواصلت حينها قطر إيران وحلفائها من المجموعات المسلحة وليس مع الحكومة المركزية في بغداد.

بالنسبة لرئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، كان ذلك مظهرا واضحا على ضعف حكومته أمام إيران، الذي يعتقد أن وكلائها في مليشيا كتائب حزب الله العراقي هم من وراء عملية الاختطاف.

ولذلك حينما كانت المفاوضات حول الرهائن في نهايتها، دفعها العبادي إلى الخلف.

وفي منتصف أحد أيام شهر أبريل، هبطت طائرة حكومية من قطر في بغداد، تحمل وفدًا من الدبلوماسيين ومعهم 500 مليون دولار بداخل 23 من الصناديق سوداء اللون.

سريعًا كان الصيادون في طريقهم إلى الوطن، لكن الفدية لم تصل إلى المليشيات التابعة لإيران التي اختطفت القطريين، بل انتهى الأمر بالأموال في خزينة البنك المركزي العراقي.

كانت الأوامر بالاستيلاء على الأموال صادرة من العبادي، الذي غضب كثيرًا من فكرة تقدم المليشيات، ودعمهم ماديًا من إيران وحزب الله، حيث أصبحوا أثرياء تحت نظر الحكومة العراقية.

وقال العبادي بشكل علني "مئات الملايين من الدولارات بأيدي مجموعات مسلحة؟ هل هذا مقبول؟"

في العراق، اعتبرت حلقة الاختطاف انتهاكا لسيادة الدولة ورمز لسلطة طهران الخانقة على العراق. وفي تغريدة على موقع تويتر، لوزير المالية العراقي السابق، هوشيار زيباري، والذي شغل منصب وزير الخارجية أيضًا، وصف عملية الاختطاف بأنها استخفاف.

يعلم زيباري بالفعل سلطة إيران التي تفوق الدولة العراقية. وقال إنه أقيل في العام الماضي من منصبه كوزير للمالية لأن إيران ادعت أنه قريب من الولايات المتحدة الأمريكية.

وتم التحقق من ذلك عبر أحد أعضاء البرلمان الذي تورط في الإطاحة بزيباري، والذي تحدث بشرط عدم الإفصاح عن اسمه لتجنب إغضاب إيران.

سرد زيباري الأحداث في لقاء معه بمنزله على أحد المناطق الجبلية في شمال العراق، وقال إنه حينما التقى الرئيس باراك أوباما مع العبادي في سبتمبر الماضي في الأمم المتحدة، ضغط الرئيس الأمريكي من أجل إنقاذ منصب زيباري. لكن ذلك لم يكن كافيًا.

يجد العبادي نفسه الآن في موقف صعب. لو أقدم على أي خطوة يمكن أن ينظر إليها على أنها مواجهة لإيران، أو تجعله في تقارب مع الولايات المتحدة، ربما يتسبب ذلك في ضبابية مستقبله السياسي.

يقول عزت شهبندر، القائد العراقي الشيعي البارز الذي عاش بالخارج في إيران إبان حكم صدام حسين "كان لديه خياران: أن يكون مع الأمريكيين أو الإيرانيين. واختار الأمريكيين".

العبادي الذي وصل إلى منصبه في عام 2014 بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، بدا أكثر شجاعة في مواجهة الضغط الإيراني منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة.

بجانب مصادرة أموال الفدية، روج لمشروع طموح لشركة أمريكية لبناء طريق سريع من بغداد إلى العاصمة الأردنية عمان. كما بدأ محادثات مع الولايات المتحدة حول شروط اتفاق يبقي قوات أمريكية بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية.

يرى البعض أن بقاء قوات أمريكية هو فرصة لإعادة النظر في الانسحاب الأمريكي عام 2011 الذي يبدو أنه فتح الباب أمام إيران.

كان المسئولون الأمريكيون في العراق قد بدأوا خطة تقليص المهام العسكرية في 2009، وكان آنذاك بعض الدبلوماسيين في بغداد يحتفلون بحذر بإنجاز واحد: إيران يبدو أنها ستأخذ نفس المسار، ونفوذها في البلاد يتراجع.

وكتب أحد الدبلوماسيين في برقية سُربت بعد ذلك عبر موقع ويكيليكس: "خلال العام الماضي، فقدت إيران تقدمها الاستراتيجي في العراق".

فيما جاءت تحذيرات في وثائق أخرى إلى واشنطن، وفقًا لما أظهره مسئولون عراقيون تحدثوا إليهم. وفيها: "لو غادر الأمريكيون، ستملأ إيران الفراغ."

وقال ريان كروكر، سفير أمريكا إلى العراقي في الفترة من 2007 إلى 2009، إن الولايات المتحدة لو غادرت مرة أخرى بعد هزيمة الدولة الإسلامية، "لن يكون هناك ما يكبح الجماح الإيراني".

لكن الكثير من العراقيين يقولون إن الإيرانيين بالفعل لا كابح لجماحهم. وأشارت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى أنها ستولي اهتماما أكبر نحو العراق كوسيلة لمواجهة إيران، لكن السؤال يبقى حول ما إذا كان هذا القرار متأخرًا.

قال السياسي الشيعي البارز، سامي العسكري، والذي تربطه علاقات جيدة مع كل من الإيرانيين والأمريكيين إن "إيران لن تصمت ولا تفعل شيئًا".

وأضاف "لديهم وسائل كثيرة. بصراحة، الأمريكيون لا يستطيعون فعل شيء".

لقراءة النص الأصلي... اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان