إعلان

الشباب والصحة النفسية (1)

د. إيمان رجب

الشباب والصحة النفسية (1)

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

06:51 م الأربعاء 29 مارس 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يُعد الاهتمام بالصحة النفسية لدى الشباب من الممارسات المهمة على مستوى العالم من أجل مساعدتهم على التعامل بقدر من النضج مع المشكلات التي يمكن ان يواجهوها في الحياة أثناء الدراسة وعند الانخراط في الحياة العملية، ولذا يحرص العديد من الحكومات منذ تسعينات القرن الماضي على تضمين مادة خاصة بالصحة النفسية ضمن المقررات الاجبارية لطلبة المرحلة الثانوية.

وهذه الممارسة تكشف عن محورية التعليم في توعية الشباب وهم في سن الدراسة بضرورة الاهتمام بصحتهم النفسية وتكوين سلوكيات دفاعية ضد مشاعر التوتر والخوف والانفعال التي يمكن أن يتعرضوا لها.

وقد اكتسب موضوع الصحة النفسية للشباب أهمية في ظل المناقشات التي تجريها الأمم المتحدة حول كيفية التعافي بشكل مستدام من جائحة كوفيد-19، والتي اولت اهمية لضرورة معالجة التأثير السلبي للجائحة على الصحة النفسية للشباب خاصة الذين اصيبوا بكورونا وتعافوا منها او الذين فقدوا أحد أقاربهم بسبب إصابته بكورونا.

وتعد الصحة النفسية أحد مكونات الصحة العقلية، وربما تكون المكون الأكثر أهمية، لأنها في حال تحققها تجعل الشباب أكثر قدرة على التعامل مع المواقف الضاغطة كما في حالات الأزمات والكوارث، وعلى إدراك إمكانياتهم وقدراتهم، وعلى التعلم بشكل أفضل والعمل بشكل أكثر انتاجية فضلا عن المساهمة الإيجابية في تنمية مجتمعاتهم بشكل مستدام.

وقد يتصور البعض أن الحديث عن الصحة النفسية للشباب في مصر وغيرها من الدول العربية التي تمر بضغوط اقتصادية كبيرة خلال المرحلة الراهنة من قبيل الرفاهية، وأنها ليست على قدر أهمية الانشغال بتوفير التعليم والعمل والغذاء والمشرب والمسكن لهم، ولكن التحولات التي يشهدها العالم اليوم تجعل الصحة النفسية ذات أهمية متزايدة.

ويمكن توضيح تلك الأهمية بشكل أفضل من خلال مناقشة تأثير غياب الوعي لدى الشباب حول صحتهم النفسية وكيفية الحفاظ عليها على سلوكهم العام، خاصة الشباب في سن المرحلة الجامعية.

ومن ذلك انتشار الأمراض النفسية بينهم من قبيل الاكتئاب وغيرها، حيث يتكرر شكوى كثير من طلبة الجامعات من معاناتهم من الاكتئاب واضطرارهم للتردد على طبيب نفسي من اجل معالجة هذه الحالة، ولعل اللجوء للطبيب النفسي هي خطوة ايجابية في جوهرها، فلا ينبغي أن ننسى هنا أن الصحة النفسية للشباب وللمرأة على وجه التحديد ظلت لسنوات من الأمور المحظورة، والتي يتجنب كثيرون الحديث عنها، حتى إن مسألة اللجوء لطبيب نفسي كانت من قبيل "العيب" و "الوصمة الاجتماعية".

ولكن استسلام الشباب لحالة الاكتئاب حتى تصبح مرضا يتطلب المعالجة يشير إلى غياب القدرة النفسية والذهنية على إدارة أي موقف ضاغط أو مشكلة حياتية يتعرضون لها، فيكون الحل بالنسبة لهم هو الاستسلام لحالة من الاكتئاب وما ينتج عنها من انعزال وانسحاب من الحياة الاجتماعية وعدم التفكير في طرق التغلب على تلك المشكلة.

كذلك تنتشر فكرة الانتحار بين كثير من الشباب، ولا أنسى هنا انتشار فيديو التيك توك الشهير الذي تتحدث فيه فتاة لم تكمل العشرين من عمرها عن معنى كلمة "انتحر" والتي كانت تفسرها لمتابعيها على أنها تعني "انت" "حر" في قرارك وتصرفاتك، بما في ذلك قرار أن تنهي حياتك.

حيث أصبح لدى الشباب في ظل تحول أخبار الانتحار وفي أحيان كثيرة مشاهد الانتحار التي يبثها أصحابها على منصات التواصل الاجتماعي إلى أمر مألوف ، سهولة الحديث عن أن فكرة الانتحار ليست مستبعدة، وأنه يمكن أن تكون خيارًا في حال تعرضهم لمواقف او مشاكل يكونون غير قادرين على حلها أو مواجهتها.

ويماثل التفكير في الانتحار استسهال تعاطي أنواع متعددة من المواد المخدرة، بمبررات متعددة منها "الرغبة في التجربة" والرغبة في أن "أشبه اصدقائي" وغيرها من العبارات التي يتم من خلالها تبرير هذا السلوك.

بالإضافة إلى ذلك، اضطراب الشباب نفسيًا يعد سببًا رئيسيا في غياب الرغبة لديهم في الانجاز او تحقيق شيء متميز في حياتهم، والارتكان إلى القيام بما هو مألوف ومعتاد في ظل حالة من النمطية التي تضعف القدرة على المثابرة أو تحول دون تشكل هذه القدرة أصلا.

وهذه السلوكيات لدى الشباب تنم عن تشوهات ليست نفسية فقط ولكن في طريقة تفكيرهم ومدى إدراكهم لقدراتهم ولدورهم في الحياة، واستمرارها دون وجود تدخلات حقيقية من الحكومات تجعل دور هؤلاء الشباب في مجتمعهم غير مؤثر بشكل إيجابي وفي أحيان معينة ينتج آثاراً سلبية فيمن حولهم.

إعلان