إعلان

من يحكم العالم؟

د. غادة موسى

من يحكم العالم؟

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:00 م الجمعة 04 مارس 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لا أكاد أصدق أنه منذ أسبوعين كان العالم يتغنى بالتقدم الذي حققه للتعامل مع جائحة كورونا وتداعياتها. هذا التقدم الذي طال الجانبين الاقتصادي والتقني؛ حيث ساهم التقدم التكنولوجي على تطوير التواصل بين الأفراد والدول وحقق قدراً كبيراً من الشفافية والاندماج بين شعوب ودول العالم إلى الدرجة التي دفعت البعض إلى اعتبار ان التكنولوجيا هي من تحكم العالم وتوجهه.

ولكن يبدو أننا نسينا في خضم هذا الانبهار والافتتان بما تحقق من التداخل والاندماج وسرعة التواصل أن نسأل أنفسنا عن انعكاس ذلك على الارتقاء بإنسانيتنا وتفهمنا لبعضنا البعض، وعن إمكانية أن يساعد هذا التقدم على سد فجوة الإمكانات والقدرات بين دول العالم المختلفة.

فقبل الأزمة الروسية الأوكرانية انعقد مؤتمر ميونيخ للأمن - الذي يمكن أن يعتبره البعض حدثاً عبثياً بالنظر إلى ما تبعه من أحداث تناقض فلسفة المؤتمر الداعية إلى الحافظ على الأمن العالمي!

لقد كان العالم يبدو - وبصفة خاصة دول العالم المتقدم - وكأنه على وعي تام بطبيعة التهديدات الأمنية التقليدية وغير التقليدية، بل إنه قادر على التعامل معها، ولديه من الخطط والأدوات ما يساعد على تجنبها ومنعها. ومن المدهش أن العالم المتقدم عدد التهديدات التقليدية بأنها تتمحور حول جائحة كورونا والعنف والتمييز والاستبعاد واللامبالاة وترسيخ الفجوات في الوصول للخدمات بكافة أنواعها! وامتد هذا الوعي إلى إدراك العالم المتقدم إلى النقد الذاتي لما أحرزه من تقدم في مجال التكنولوجيا الرقمية لما تسببه في زيادة التهديدات بسبب أنواع جديدة من التسلح التي تتراوح بين الذكاء الاصطناعي إلى الجرائم السيبرانية. هذا بالاضافة إلى الاحتفاء العبثي باهتمام العالم المتقدم بتحقيق التنمية لكافة دول العالم على حد سواء.

إلا أنه مع اندلاع أول أزمة حقيقية - وليست افتراضية ميتافيرزية- بين دولتين تقعان في لُب العالم المتقدم المتحضر تكشفت حقيقة وقدرات هذا العالم المتقدم بالنسبة لحكم كل العالم وتقبله. حيث ردتهم الأزمة إلى حالة استبعاد وتمييز فيما بينهم البعض من جانب، وبينهم وبين العوالم الأخرى من جانب آخر. فتحول خطاب ميونيخ الأمني التنموي إلى خطاب "حضارتنا وحضارتكم". بل والزج بدول العالم النامي أو كما وضعونا في المرتبة الثالثة بإطلاق "دول العالم الثالث" علينا في كل حديث وخطاب باعتبارنا دولاً بلا تاريخ وبلا حضارة ويلفنا التخلف من كل جانب!

وتبدو عبثية هذا الخطاب المشحون بمفردات القوة والتمييز أنه يصدر عن مسئولين ومثقفين وصحيفيين أوروبيين. وهؤلاء هم الذين يحكمون العالم ويرفعون شعارات اللاتمييز واللا عنف والمساواة.

صحيح أن دول العالم المتقدم تدير العالم إلا أنها لم تعد تحكمه ! لانها أخفقت في منع التشرذم السياسي والاجتماعي. ولم تكتف بذلك بل هي ماضية في احداث تشرذم حضاري وثقافي.

إعلان