إعلان

شغف التأملات ..

د.هشام عطية عبد المقصود

شغف التأملات ..

د. هشام عطية عبد المقصود
07:00 م الجمعة 18 فبراير 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يرى البعض أن قسما مهما من صفات البشر كامن وأنه يمكن لو أردت أن تدركها أن تتأمل بعض أشيائهم ومتعلقاتهم الخارجية وأيضا تعبيراتهم التلقائية والتي لا تنتمي إلى مجال قولهم أو سلوكهم المتعمد، ويعتبر هؤلاء أن ذلك ربما يمنحك الكثير عما هو مسكوت عنه في ظاهر القول والفعل، ويضعون تفاصيل متنوعة يحتشد بها كثير من الكتب والكتابات في مجال التعرف على طبيعة الشخصيات، حتى ليبدو بعضها طريفا حقا، هي فكرة غريبة ولكنها تظل إحدى ابتكارات البشر للتغلب على قدرة ملامح الوجه على المراوغة وطول زمن تمرس البعض على إخفاء مشاعرهم وتلقائية تعبيراتها عن وجوههم، فيتجه هؤلاء المنظرون بحثا عن دقائق في الملبس أو المأكل وكذلك في تفاصيل أخرى كالنظر المفاجئ والالتفات السريع وطريقة اتصال الجمل في الكلام المفاجئ.

هو نوع طيب من تزكية الوقت، فعندما نتأمل الفكرة مليا سنعتبرها امتدادا تلقائيا لموضوع شغف كثير من الناس حبا أو لهوا أو دعابة بموضوع الأبراج والحظ، حيث قلما تفلت من سؤال في زمن ما عن اسم برجك، وسيصر البعض عليه سؤالا يرونه كاشفا أو حتى لطيفا، ستنشغل في أول مرة بفهم جدوى ذلك وسببه، ثم حينما يتكرر لن تملك سوى أن تفكر هل يصلح ذلك وقد بلغ عدد سكان العالم نحو سبعة مليارات ونصف المليار نسمة تقريبا؟!، بأن يقوم البعض استسهالا بتقسيم صفات كل تلك المليارات من البشر في أبراج محدودة العدد، ليوضع ما يقرب من مليار بشر تحت سمات برج ما قرر "متعبقرون" أنهم سيكونون تحت اسم هذا البرج سواء في صفاتهم وخصائصهم الإنسانية وسلوكياتهم ونوازعهم!، عموما فلتمضِ تسلية البشر ما شاء لها الزمان والتاريخ سبيلا.

تعود فكرة توظيف المتعلقات المختلفة ومنها الحذاء كجزء من طريقة كشف بعض خصائص الشخص ليثير فكرة بحث الأمر عكسيا، بمعنى هل للأحذية ذاتها ملامح يعرفها أصحابها بها؟ وهل عبر طول الوقت والاستخدام يمكن أن نمنح أحذيتنا بعض سمات دالة أو نضفي عليها وصفا ما؟.

نظر نحو الحذاء الذي وضع فردتيه متجاورتين وتأمل شكله، أعاد النظر للأحذية التي في الدرج محاولا رسم ملامحها في تاريخها القريب والبعيد، نعم، يمكن لها أيضا كموجودات أن تكون لها إضفاءات من أنفسنا عليها.

هناك مثلا الحذاء القريب دائما إلى قدميك، صاحبك في المشاوير القصيرة اليومية، بسيط ومتاح ومريح تماما فلا تشعر بخدمته وجهده سوى عندما لسبب أو لآخر يتوه في مكان ما، وتدرك حين تستعد لمشوار "عادي" بغيابه المهم، لكن لن يجعلك ذلك تعيد تقويم مكانه في صف الأحذية، بل فقط ربما تتذكر أن تمنحه قليلا من اهتمام غاب عنه كثيرا.

هناك أيضا ما يمكن تسميته حذاء المصادفة، والذي أحضره في يوم صرت لا يتذكره، يتوه تاريخ وجوده، فلا يدري في أي مناسبة ولأي سبب قام باختياره، يظل يبعده عن عيونه كلما هم بالخروج، ويظل دوما متحركا- ذلك الجماد- ليذكر بوجوده فيختار له نهاية طيبة، حيث يضعه هناك في ركن قصي وبحيث لا يمكنه أن يصل إليه.

وهناك حذاء رافقه في مناسبة ما جميلة يظل حفيا به، وحريصا على تخيّر الوقت المناسب لأن يختبر حظه الطيب مرة أخرى، يظل في مكانه يأخذ وضعيته المتألقة منتظرا مشوارا جديدا، ثم هناك أيضا حذاء قديم له مودة، ربما هو ليس بجودة أحذية أخرى تجاوره، لكن يظل ممتنا لقدرته على الاستمرار واجتيازه الطرقات الصعبة، ثم هناك حذاء به حداثة ما، بعض من زركشة خارجية لم يعتدها، وهو يظل منتظرا طويلا لطرق ومهمات يشبهها كثيرا.

ثم هناك أحذية أخرى من فرط تشابهها يمكن القول إنها منسية، لكونها لم تترك حضورا خاصا أو ذكرى ما، حضرت لتؤدي وظائف السير وكفى ومن دون مزيد، قد تختلف في ملمح ما لكن نمطيتها يصنع تشابه وظائفها في الإحساس بها سيرا، وبحيث لا يمنح لأي منها حضورا مميزا في درج الأحذية، هي فقط بدائل بعضها البعض.

يعيد النظر الطيب نحو ذلك الحذاء المسترخي أمامه ويبدي فورا مزيدا من التعاطف معه، ثم في هدوء يضع قدميه ثم يستخرج رباطيه ويعقدهما.

إعلان