إعلان

أردوغان في القاهرة

أسامة شرشر

أردوغان في القاهرة

أسامة شرشر
07:00 م الثلاثاء 16 مارس 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أتوقع أن يقوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة غير متوقعة إلى القاهرة؛ لسبب بسيط هو أن المصالح تتصالح، فرغم إشارات رابعة وخامسة التي كان يرفعها في كل المحافل الدولية وأمام المنصات الإعلامية على روح الجماعة الإخوانية ورئيسها الراحل مرسي، فإن مصالح تركيا لم تجد لنفسها بديلًا عن القاهرة.

إن الرسائل التى أطلقها ياسين أقطاي- أخطر شخص فى حزب العدالة والتنمية، مستشار أردوغان- لها مدلول خطير بأن الحزب وصل إلى قناعة بأنه لا يمكن الاستغناء عن مصر كبلد محوري وكبير في الشرق الأوسط، وهي نفس القناعة التي عكستها رسائل وزيري الدفاع والخارجية التركيين، لتأتي أخيرًا تصريحات أردوغان المفاجئة يوم الجمعة الماضي لتؤكد هذه الرسائل؛ بعدما أعلن أن هناك اتصالات مع مصر على المستوى الاستخباراتي والدبلوماسي والتجاري.

ولكن أخطر ما فى هذا الموضوع أن الإدارة المصرية والرئيس السيسى تعاملا مع كل تصريحات أردوغان خلال الفترة الماضية وكأنها لم تكن، ولم تخرج الدولة المصرية على مدار سبع سنوات بتصريح ضد أردوغان أو تركيا، وهو ما يعطي دلالة سياسية على أن احترام النفس يبدأ من احترام الآخر، فجاء التعامل على المستوى الرسمي والبروتوكولي وعدم الرد ليكون أكبر رد على أردوغان.

فلذلك عندما نقول إن المصالح تتصالح، فإننا نعني أن هذه التصريحات ليست بالونات اختبار من الجانب التركي، وليست نوعًا من التكتيك المؤقت، ولكنها رؤية استراتيجية للدولة التركية التي أيقنت أنه بكل الحسابات والمصالح لا بديل عن مصر كدولة ذات حجم مهم في الشرق الأوسط.

ودعونا نحلل لماذا اتخذ أردوغان هذا الموقف من الرئيس السيسي على المستوى الشخصي.

أعتقد لأن العقدة النفسية والسيكولوجية لأردوغان من الجيش التركي وتحسسه من الخلفية العسكرية للرئيس السيسي جعلته يظن أن كل الجيوش سواء، وعقدته من الجيش التركي لا تخفى عن أحد، فقد قام بتفكيك المؤسسة العسكرية وتفريغها، ووصل الأمر إلى حبس بعض الجنرالات الأتراك، فكان يخشى أن يتكرر سيناريو مصر فى تركيا وينحاز الجيش التركي لأي احتجاجات شعبية ويطيح به من السلطة مثلما حدث في مصر، وخصوصًا مع الأزمات الاقتصادية المتعاقبة التي يعاني منها الأتراك في العقد الأخير.

فعندما أيقن أردوغان أن نجاحه الشخصي على كل المستويات الحزبي والسياسي والاقتصادي والداخلي لن يتم إلا باستعادة العلاقات مع مصر بدأ يتحرك في هذا الاتجاه.

وأعتقد أن رسالة الإدارة المصرية بأن تقسيم الحدود البحرية هدفه تحقيق المصلحة الاقتصادية والسياسية لكل الأطراف بما فيها تركيا- جعلت نواب المعارضة التركية يشيدون بالموقف الرسمي المصري ويفضحون ألاعيب الرئيس التركي وحزب العدالة والتنمية الذي أضاع على الشعب التركي مليارات الدولارات بعدم التعاون مع الجانب المصري.

كما أن متابعة تركيا اتفاقيات مصر لترسيم الحدود مع اليونان وقبرص والتعاون الاقتصادي بين البلدان الثلاثة جعلتها تدرك أن مصر تتحرك باستراتيجية واضحة وليس بخطوات ومواقف مفاجئة كما يفعل أردوغان، وهو ما زاد الضغوط الداخلية عليه، خصوصًا أن هذه الاتفاقيات تحرم تركيا من الاشتراك مع دول شرق المتوسط فى مشروعات توصيل الغاز والنفط إلى أوروبا.

ناهيك من الدعاية السلبية على الساحة العالمية التى طالت أنقرة في الملف الليبي، وخصوصًا فيما يتعلق بتصدير المرتزقة والميليشيات والعبث في الأراضى الليبية؛ حتى جاء الرد المصري بأن سرت والجفرة خط أحمر، دون إساءة من قريب أو بعيد للدولة التركية، ثم جاء الرد العملى بإنشاء قاعدة عسكرية فى سيدى براني لتكون خط الدفاع الأول عن الحدود الغربية المصرية؛ فأيقنت وزارة الدفاع التركية أن مواجهة مع مصر في ليبيا لن تكون في صالح أنقرة، ومع هذا الإدراك بدأ التراجع، مع الاهتمام المصرى بالبعد العربي من خلال مفهوم الأمن القومي العربي الشامل الذي تعتبره مصر جزءًا من أمنها القومي، خصوصًا فى دول الخليج (السعودية والإمارات على سبيل المثال).

كل هذه المواقف التي اتخذتها مصر جعلت الجانب التركي يفكر كثيرًا في أنه لا جدوى من تصدير الأزمات والمشاكل وبث القنوات الإعلامية من تركيا للإساءة إلى مصر ليل نهار، وأنه لا جدوى من الموقف غير المبرر سياسيًّا بالنسبة لتركيا كدولة علمانية- حسب دستور مؤسسها كمال أتاتورك- لاحتضان قيادات جماعة الإخوان الهاربين وتبني شخصيات لعبت على كل الموائد السياسية والإعلامية، لأن وجودهم أصبح عبئًا على الحكومة التركية نفسها وليس مؤثرًا في الشعب المصري.

فلذلك نقول إن حل هذه المشاكل العالقة من الجانب التركي بالأفعال وليس بالأقوال يجعل نقاط الاتفاق بين القاهرة وأنقرة أكثر من نقاط الاختلاف في كثير من الملفات، خصوصًا بعد أن أصبحت أوراق وأدوات الضغط التركية للانضمام للاتحاد الأوروبي محروقة، بل إن توقيع العقوبات على تركيا أصبح أمرًا أوروبيًّا معتادًا.

فلذلك أتوقع أن يقوم الرئيس أردوغان بزيارة إلى القاهرة، ويعلن اعتذارًا للشعب المصري والرئيس عبد الفتاح السيسي عما بدر من أزمات ومشاكل انعكست بشكل مباشر على الشعب التركي نفسه وعلى اقتصاد الدولة التركية، خاصة أن مصر والسعودية، بصفة خاصة، كانتا شريكين تجاريين مهمين وسوقين للمنتجات التركية.

نحن متفائلون بأن تكون هذه بداية لعودة تركيا إلى الحضن المصري، وتأكيدًا على دور مصر الإقليمي والإسلامي، وأنها ستكون رسالة مهمة للجميع بأن مصر تسير في الاتجاه الصحيح.

إعلان