إعلان

وحيد حامد.. كيف صنع مني بطلا لأفلامه؟

1

وحيد حامد.. كيف صنع مني بطلا لأفلامه؟

أحمد الليثي
11:23 ص الإثنين 04 يناير 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في عام 1995 ومع إجازة صيف عامي العاشر، كان قلبي يرقص فرحا وأنا في طريقي من حي المطرية الشعبي، متوجها صوب شارع عماد الدين بوسط البلد؛ حيث يقبع محل الكشري الذي يعمل به والدي بعد الظهر- رغم مرضه- في إصرار استثنائي كي نكمل تعليمنا على الوجه الذي يردده في دعواته التي لا تنقطع. من نافذة أتوبيس الهيئة الأحمر، خطفتني أضواء السينمات التي تتلألأ بطول الشارع ورواد الفن السابع يملأون الأرصفة وأعينهم تحملق في أفيشات الأفلام، بينما كنت أهفو لتناول وجبتي المفضلة، وأتساءل: ماذا تكون المفاجأة التي أخبرني عنها والدي ليلتها؟

بعد دقائق زالت الأسئلة؛ حين أقبل رجل يرتدي قميصا أبيض زاهيًا وبنطالا أسود، واصطحبني لنهر الشارع وهو يشير لوالدي إلى أن الأمور على خير ما يرام.. كان الرجل يعمل بسينما كوزموس، وكأنه "بواب الجنة" حين أجلس ذلك الطفل داخل تلك القاعة المظلمة لأول مرة في حياته، وهو يشاهد فيلما يحمل اسم "طيور الظلام"، ولا ينسى البهجة التي عاشها وتفاصيل الحكاية التي يرتبها في عقله كي يحكي لـ"عيال الشارع" عن "حلاوة السيما"، وكذلك خوفه على وقع الموسيقى التصويرية المتعالية لحظة ارتطام الكرة بشاشة العرض في مشهد النهاية، فيما كان السبب الخفي وراء تلك اللحظات المدهشة إلى جوار والدي وصديقه العامل بسينما كوزموس رجلا يُدعى "وحيد حامد".

كان تكريم وحيد حامد الرسمي قبل أسابيع مُبهجا، أظهر طاقة كامنة من الحب، وقدرا كبيرا من الامتنان لأحد الذين بنوا ثقافتنا وأثروا نفوسنا وأسروها، غير أن الأستاذ حصل قبلها على تكريم أكبر لازمه طوال مسيرته، وهو ما لم يكن صادرا عن جهة رسمية أو ممنوحا من مهرجانٍ دولي، لم ينلْه على سجادة حمراء أو بدعوة من أحدٍ من النخبة؛ بل حصده من دموع المتفرجين، وضحكات العامة، من تراب الشوارع وقصاصات الوطن، من قلوب الناس الذين أخلص لهم، فعبر عنهم باقتدار.

جميعنا ظهر في عالم وحيد حامد؛ خمن مهنة/ شخصية/ كراكتر/ طبقة، وابحث داخل كل حكاية/ قصة/ فيلم/ حلقة/ تسجيل صوتي/ فريم، ستجدنا هناك أبطالا في دنيا العبقري؛ إن كنت موظفا بسيطا فبالتأكيد أنت "أحمد فتح الباب" في ملحمة "الإرهاب والكباب":

"أنا زي زيكم بالظبط ماشي جنب الحيط راضي وقانع.. أنا مش طالب غير إنسانيتي مش عايز أتهان؛ مش عايز أتهان في البيت، ولا في شغلي، ولا في الشارع.. متهيألي دي مطالب لا يمكن أتعاقب عليها.. ولا أوبخ ولا آُلام".

وهناك في جنبات المجمع ستجد صديقك الذي يُفكر في الانتحار، والمجند الذي يعاني الأمرّين، ماسح الأحذية صاحب الدم الحُر، ومُدعي الدين "اللي بيوقف المراكب السايرة"، والمرأة المتحررة ورفيقتها الثرثارة.

الإرهاب والكباب from Masrawy Multimedia on Vimeo.

قدم لنا يوسف إدريس خدمة جليلة، وقتما فتح لنا فيضا من العظمة؛ الحكاية بدأت حين كان الشاب وحيد حامد لم يزل خريجا حديثا بقسم الاجتماع في كلية الآداب جامعة عين شمس عام 1967، وكان مغرما بكتابة القصة القصيرة، وبالفعل أهدى يوسف إدريس أول إصداراته: مجموعة قصصية بعنوان "القمر يقتل عاشقه"، ولم تكن الكتابة للسينما تستهويه. داخل مطعم مجاور لمبنى ماسبيرو رحب إدريس بالشاب الصغير، واحتفى به فيما لم يعقب على مجموعته القصصية، وبينما يهُم وحيد حامد بالمغادرة، قال له إدريس: "بص وراك.. مستقبلك في الدراما"، فطن الكاتب المخضرم لبراعة حامد في الحوار وتكنيكه اللافت، وظل السيناريست الكبير مدينا بالفضل لإدريس طوال الوقت: "كان يقابلني ويقولي يا ولا أنا اللي دليتك على الطريق.. يا واد خد قصة من قصصي اعملها فيلم.. بس الحمد لله ابني مروان عمل فيلمه الأول من قصة ليليَ للأستاذ يوسف".

مع وحيد حامد يركب الممثلون عفريت الإبداع، كأنهم شخوص غير التي نعهدها، مديحة كامل لها طلة مختلفة في البشاير، ولليلى علوي دور مركب جدا في العائلة، ومحمود حميدة والفنتازيا في قط وفار، وعايدة رياض في اللعب مع الكبار، وكمال الشناوي في الإرهاب والكباب، ونادية الجندي في رغبة متوحشة.

مع وحيد حامد دورك الأول يصنع منك "نجم شباك"؛ فمنى زكي وكريم عبدالعزيز "سوبر ستار" من الوهلة الأولى؛ لأنهما يلعبان أدوارا من ورق وحيد حامد في "اضحك الصورة تطلع حلوة". هل تخيلت هاني رمزي في ثوب مغاير مثلما فعلها في محامي خلع؟ كم من نجوم تلألأوا مع كلامه! وكم من أجيال نبغوا مع سيناريوهاته! كم من عبارات أيقونية حُفرت في الأذهان! وكم من أعمال استثنائية قدمها للجمهور بتواضع الكبار!

لأكثر من خمسة عقود، كان وحيد حامد على العهد يُلخص لنا مسيرته ورؤيته وهو يقول:

"كنت، ولا أزال ابنا مخلصا للشارع المصري، أعرفه جيدا، ولست بغريب عنه، فعلى مدار رحلتي مع الكتابة، كنت أحصل على أفكاري من الناس، ثم أعيد تصديرها إليهم في أعمالي، لذلك سعادتي تكون كبيرة عندما يقابلني أشخاص تجاوزوا الخمسين من عمرهم، ويقولون إنهم تربوا على أعمالي، حينها فقط أشعر أنني لم أقصر، وقدمت شيئا طيبا للناس".

عمارة يعقوبيان from Masrawy Multimedia on Vimeo.

البطل مع وحيد حامد يحتمي بالناس؛ في الإرهاب والكباب يذوب "أحمد فتح الباب" وسط الجموع بعد فتح أبواب المجمع، يواجه "حمادة الفار" وزير الداخلية بأهل منطقته البسطاء في "قط وفار"، وينجو "يوسف المنسي" من القتل المحقق، بفعل حلول الصباح ومعه الفلاحون على شريط القطر، والراقصة "سونيا سليم" تقرر استكمال مسيرتها ضد السياسي بكتابة المذكرات الخاصة بتاريخها وتوزيعها وهي تقول "الشعب بتاعنا ذكي جدا وعشاق الكلمات المتقاطعة هيتسلوا، ويحلوا الرموز"، يُفضل شحاتة أبوكف العمل في شركة الحديد والصلب واللعب لفريقها وسط أناسٍ يشبهونه على السفر للخليج من أجل جني الأموال بسهولة "أصل أنا مش غاوي فلوس أنا غاوي كرة"، لتعقب سعاد حسني -بصك وحيد حامد- في فرحة: "جدع يا شحتة ناسك وأهلك أولى بيك"، في اللعب مع الكبار يسخر "حسن بهلول" من مراقبة ضابط أمن الدولة له بالرقص مع العامة في الترام، و"هبة يونس" تلتحف بجمهور برنامجها في "احكي يا شهرزاد"، وفي النوم في العسل ينضم "رئيس مباحث العاصمة" لصفوف الشعب.

إن كان طموح الثراء السريع يسيطر عليك وتعيش في الدنيا "طياري"، فبالتأكيد ستستمتع بجموح إبراهيم الطاير، ولو كان طموحك بسيطا، تخطط لبدء رحلة جديدة على بياض من دون زيف أو غش، فهناك قرب السلوم، ستجد ما تريد لدى هاني، المدرس الذي يشرح لنا على "سبورة الحياة" فلسفة النفس البشرية في الإنسان يعيش مرة واحدة.

الإنسان يعيش مرة واحدة from Ahmed Ellithy on Vimeo.

ملك الحوار بلا منازع، مُبهر في طرح الأفكار، لا يعتمد وحيد حامد على القوالب النمطية في بناء أفلامه، فيجبرك على الوقوف في صف الراقصة ضد السياسي، ومع صاحبة التاريخ الأسود في رحلتها لكشف المستور، شخوصه من لحم ودم، بكل التناقضات تعيش مع أبطال دم الغزال؛ ريشا/ الشيخ المزيف، عاطف/ البلطجي، أصدقاء الأب المتناقضين "جابر وعبد الستار" وحكايتهم الغريبة، نادية صفوان ومناوشات علاقتها السابقة، أجهزة الدولة التي تناور بالأرواح؛ كيف للكائن البريء أن يكون صيدا لكل المتناحرين، كيف يصمد الغزال في حرب هو لا يملك فيها أي سلاح سوى الأمل والطُهر والحنان؟

دم الغزال from Ahmed Ellithy on Vimeo.

دوما يُطرح السؤال حول دور السينما والفن؛ هل هي معنية بتقديم الحلول، بتربية المجتمعات، باصطناع حوارات وعظية ومشاهد تحت رعاية "شرطة الأخلاق"؟ لكن وحيد حامد يقدم في "النوم في العسل" حلا، دون وعظ أو تنظير، بفكرة مُلهمة يتساءل: إلى متى يسكت المواطن عن المطالبة بحقوقه؟ ومتى يتحرك؟ كيف الحال إن كان المنزوع منه غريزيا، وهو شيء لا تستقيم من دونه الحياة؟

يقدم لنا الأستاذ تابلوها بديعا ودرسا في فن المعالجة السينمائية، فانتازيا تضرب "حلوان" ومعها المجتمع بكل طوائفه: الغني والفقير، المسئولون والشعب، الكل في أزمة، حالة عجز بيِّن، ويتغافل الجميع عن الحقيقة ويلجأون للمسكنات، ويسود الإنكار، وتحل التحليلات غير المنطقية؛ تارة ترتبط بالدجل، ومرات بمؤامرات كونية ووباء يسود.

أما الحل، ببساطة، هو أن يصرخ الناس بكل طوائفهم/ وظائفهم/ طبقاتهم، يتجمعون في صف واحد وتكون المواجهة في نفس واحد: "آآآآآآه".

النوم في العسل from Masrawy Multimedia on Vimeo.

في خطبة الصباح بمدرسته الإعدادية "شنبارة الميمونة" كان الفتى المولود لفلاح بسيط في 1944، يتقدم الخطى حبا في الكلمة وتأثرا بأجواء الثورة التي ما زالت مهيمنة، وبعد انتقاله من قريته "بني قريش" بمنيا القمح إلى الزقازيق لمدرسته الثانوية جاءه خبر إعلان نادي القصة في القاهرة عن مسابقة للقصة القصيرة، تحمس وحيد وأرسل بقصته في جواب، وفاز عمله الذي أحس معه بأنه صاحب موهبة.

25 قرشا كانت الثمن الذي يدخره كل أسبوع، للحضور من بلدته صوب فيلا نادي القصة بشارع قصر العيني لحضور الندوات وهناك تعرف على كبار الأدباء؛ أمثال محمد عبدالحليم عبدالله ويوسف السباعي وعبدالرحمن الشرقاوي "كنا في القرى ننظر لهذه القامات على أنها أشياء مستحيلة.. واكتشفت أنهم ناس في منتهى التواضع وفي منتهى المحبة".

ولأن وحيد حامد يعشق التنوع، وخزائن أفكاره لا تنفد، فمن المُحال أن يكرر شخصية أو يركن لنمط، رجال العلم أنواع؛ فورطة الدكتور سليمان عبد الباسط، مختلفة عن تلك التي عاشها الأستاذ "فرجاني" في رحلته للبحث عن "نسمة" في آخر الرجال المحترمين، يغازل الأستاذ بمنتهى المهارة جماهير الكرة بفيلم لا يُنسى مع كواليس "وعكة" شحاتة أبوكف في غريب في بيتي، وينقل تجربته الحقيقية مع "بلدياته" المجند البسيط، ليبني أسطورة "أحمد سبع الليل" الخالدة.

كيف يُدخلك الروتين والغلطات الإملائية وملفات الأرشيف دوامة تدمر حياتك مثلما جرى مع الدكتورة آمال في التخشيبة؟ ومتى يمكن للفساد والتلفيق و"تظبيط الورق" أن يُلقي بكِ خلف القضبان فتعاني الويلات، مثل بطلات ملف في الآداب حين أجرمن، وقبلن "عزومة على أكلة سمك"!

الفلسفة والغوص في النفس البشرية منهج وديدن وحيد حامد، دراسته لعلم الاجتماع وروحه الهائمة في حواري المحروسة أخرجتا لنا لآلئ وكنوزا؛ حين يُقدم جحا يكون في ثوب غير تقليدي فيحكم المدينة، ولن تجد مثالا بديعا لسواق التاكسي أروع من محمود عبدالعزيز ودور الشطرنج مع "بلحة" في الدنيا على جناح يمامة، في حوار مع سلمى الشماع خلال كواليس فيلم اللعب مع الكبار يقول:

"كتابة السيناريو مش محتاجة دراسة، هي أساسا تحتاج الخبرة والموهبة الأدبية والدراسة العامة للإنسان. خلفيته إيه.. وثقافته، وحبه أد إيه للمهنة.. ده اللي بيحدد قيمة الكاتب السينمائي".

الدنيا على جناح يمامة from Masrawy Multimedia on Vimeo.

حكايات الشارع من المحلات في الحواري لعيشة النُخب في الإعلام ومراكز اتخاذ القرار مرصودة بعين خبير في احكي يا شهرزاد. المحولجي المهمش يمكنه أن يكون بطلا عند وحيد حامد حين يؤرخ لحياته في المنسي. والمواطن الذي يتمنى المشاركة في صناعة أحلام وطنه يضعه حسن بهلول على أول الطريق في اللعب مع الكبار، إذا قادتك الصدفة لتكون وزيرا، فاعلم أن النوم وراحة البال يحتاجان العودة لطريق الله أو "الرقدة على البورش" وما عدا ذلك فهي حياة تحتلها الكوابيس كما جرى مع "معالي الوزير".

معالي الوزير from Ahmed Ellithy on Vimeo.

لوحيد حامد قواعد لا يتنازل عنها، تظهر جلية في أفلامه وحواراته، ينتصر لها رغم كل الحواجز، عاش للناس وبهم، وقوده "الحلم" وهو يتحدث بصدق على لسان بهلول النابه في اللعب مع الكبار:

"اسأل رجال القانون كيف نجعل من الحلم سندا قانونيا.. يُقبل أمام المحاكم، ولا يُخالف نص الدستور"، وبروح الصحفي الحُر عادل عيسى في الغول: "العدالة لها رجلين إنها تنصف الظالم، وتعاقب المظلوم.. إنتوا عايزين عدالة برجل واحدة بس"، صوت فتات الأرض يُمثلهم "حسين" بجدارة من قلب عشوائيات إسطبل عنتر في الجماعة: "أي لمة ناس أعرف إنها ضد الحكومة بخش فيها على طول.. اللي عايش عيشتنا دي لازم يبقى مع أي معارضة حتى لو كانت معارضة كدابة، حتى لو كانت معارضة عاجزة على إنها تعمل أي حاجة، حتى لو كانت معارضة فاسدة.. سعادة الباشا إحنا عايشين مع الفساد والجشع والاحتكار والخوف.. إحنا عايشين من الخوف".

ومن خلال "حسين" آخر/ ابن عم وهدان، يُعلم وحيد حامد "أحمد سبع الليل"، القروي البسيط، كيف يقف في وجه من يُدنسون قيم الوطن وكيف يميز الأعداء: "ضحكوا عليك يا سبع الليل.. اللي هنا مش أعداء الوطن، عارف يعني إيه وطن يا أحمد، وطنك هو بلدك، عدو بلدك له شكل تاني، عدوك عايز يسرقك وينهبك، يفرح إذا أنت بكيت، ويمشي بعد لما أنت تجوع.. كل اللي هنا أهلك وناسك يا أحمد".

روشتة وحيد حامد واضحة، ويقدمها لكل شخص يريد أن ينتهج المسار نفسه ويكون النجاح حليفه:

"منحت الكتابة كل الإخلاص، فلم أكتب حرفا إلا وكنت مقتنعا به تماما، وأيقنت منذ اللحظة الأولى أن شفرة التعامل مع الناس هي أن تكون صادقا معهم، فلم أخدعهم قط، واخترت أن تكون قضية العدالة هي التيمة الأساسية لأعمالي".

لذا لم يكن مستغربا أن يحصد أكثر من 40 فيلما، وحوالي 30 مسلسلا -تلفزيونيا وإذاعيا- النجاح الجماهيري والنقدي، وينال عنها الجوائز في أبرز المهرجانات محليا ودوليا، وبالرغم من أنه تم اختيار فيلمين فقط "البريء" و"اللعب مع الكبار" ضمن أبرز قوائم أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية، وهو ما يعُده البعض ظلما بحق أعمال تتسم بمواصفات استثنائية؛ فقلما تجد فيلما لوحيد حامد غير جماهيري أو هابطا، خاليا من المتعة أو يحوي أحداثا مقحمة، جميع الأعمال يعرفها العامة علاوة على وجود بصمة فنية عظيمة وفلسفة ورؤية، جميع شخوص أعماله أبطال، وأغلب المشاهد "ماستر سين".

اللعب مع الكبار from Masrawy Multimedia on Vimeo.

كلام وحيد حامد عبر عنه بجدارة محمود مرسي وأمينة رزق، عادل إمام وأحمد زكي، نور الشريف ومحمود عبد العزيز، محمود المليجي وتوفيق الدقن وصلاح منصور، يسرا ونبيلة عبيد، إلهام شاهين وليلى علوي وميرفت أمين، منى زكي وروبي، سناء يونس وماجدة زكي ورجاء الجداوي، كريم عبد العزيز وآسر ياسين وهاني سلامة، خالد صالح وخالد الصاوي، هند صبري وأحمد راتب، فريد شوقي ويوسف شعبان وعُمر الحريري، محمود ياسين وغسان مسعود، علي الشريف وسعاد حسني، صلاح قابيل وحسين فهمي، جميل راتب وسعيد صالح وفاروق الفيشاوي، مصطفى متولي ومحمود الجندي، حنان ترك وسهير المرشدي، عمرو واكد ومحمود عبد المغني، سناء جميل وعبد المنعم مدبولي، إسعاد يونس وأحمد بدير، أحمد الفيشاوي ومحمد فراج، عبد العظيم عبد الحق ونظيم شعراوي، لطفي لبيب وعبد الله فرغلي، إنعام سالوسة وسامي سرحان، سوسن بدر وباسم سمرة ومنة شلبي، علاء ولي الدين ومحمد هنيدي، صلاح عبد الله ومحمود حميدة وعزت العلايلي، محمد يوسف وسليمان عيد وحجاج عبد العظيم، أحمد آدم ويسرا اللوزي وعبد العزيز مخيون.. قائمة كبيرة يصعب حصرها استمتعت وأمتعتنا بكلام الأستاذ.

لم يخسر حامد رهانا قط؛ صاحب حس استثنائي، إن كان للحاسة السادسة رجال فوحيد حامد أولهم بامتياز، مع بعض أعماله كان يُتهم بالمبالغة، الإجحاف، وصل الأمر لاتهامه بالتجديف والتشكيك في نواياه، وبعد سنوات يكتشف الجميع صدق رؤياه، كأنه عراف خبُر الحقيقة كاملة، حاز إجازة في دنيا النبوءات لا يضاهيه فيها كثيرون.

وحيد حامد صاحب الرؤية الثاقبة والاستشراف المذهل للمستقبل، في رحابه تعملق كبار المخرجين: شريف عرفة وعاطف الطيب، سمير سيف ومحمد ياسين، نادر جلال وخيري بشارة، يحيى العلمي وإسماعيل عبد الحافظ ويسري نصر الله، سيمون صالح ومحمد فاضل، وصولا لتامر محسن ومروان حامد.

لم يكن وحيد حامد يتعامل مع السينما بنفعية، لكنه صاحب وجهة نظر، وأحد الذين حافظوا على الصناعة بإنتاجه عددا من الأعمال الثرية ودوره في دعم واكتشاف رقم كبير من المواهب وإعطائهم الفرصة عن طيب خاطر.

كأن لدى وحيد حامد ترمومترا شعبيا يقيس من خلاله نبض الناس، يعيش تفاصيلهم، فظل متمكنا في كل مجال يخوضه؛ انطلقت رحلة السيناريست بين جدران ماسبيرو مطلع السبعينيات يكتب للإذاعة بإبداع بعدما تتلمذ على يد الأستاذ مصطفى أبوحطب، وبداية سطوع نجم وحيد حامد مع الجمهور 1978 بمسلسل "أحلام الفتى الطائر" إخراج محمد فاضل، قبل أن ينطلق في مجال الكتابة للسينما نهاية السبعينيات، بفيلم "طائر الليل الحزين"، إخراج يحيى العلمي، وكذلك خاض تجربة المسرح بنجاح، حتى بمشاركاته المجتمعية كان مشتبكا مع الواقع، دائم المواجهة في ظهوره الإعلامي، حتى مقالات الرأي في الصحف كانت تحرك المياه الراكدة، على الرغم مما قاله غير مرة: "لم أتقاضَ أجرا عن أي مقال صحفي كتبته".

قانون ساكسونيا.. مسلسل إذاعي from Ahmed Ellithy on Vimeo.

كيف تصنع حدثا ثريا من حدوتة بسيطة، جرب أن تحكي لأحدهم قصة عمل لوحيد حامد، فلن تجد في الأمر صعوبة، ولا فذلكة ولا تزييفا. الأمر غاية في البساطة، قمة العبقرية من معنى متاح؛ جملة سلسلة تصنع عقدة، ومنها النفاذ لحكي ممتع، قريب من الناس، يُمثلهم، عايشوه، لم يخلق وحيد حامد طيلة حياته عملا خارج الواقع، أبطاله تشبهنا؛ في أحلام الفتى الطائر أول أعماله البارزة حلم لشاب ذكي/ فهلوي بالثراء السريع، فور خروجه من السجن، يتسلم 3/4 مليون جنيه من إحدى عصابات التهريب وبحيلة يقرر أن يستحوذ على الأموال، الفرار والاختباء من العصابة مصيره، ورغم ما يغلف الحكاية من شر يقول البطل "لزمته": "كان نفسي أبقى محترم يا أخي"؛ فكيف يصنع لنا وحيد حامد 14 حلقة من المتعة الخالصة، كيف نشاهد مصر في رحلة الهروب تلك؛ مع إبراهيم الطاير ندخل مستشفى المجاذيب ونجرب جلسات الكهرباء، نعيش معه في القرى، ونختبئ سويا وسط المواشي، نحرك أيدينا على شكل حمامة كما يفعل بطلنا الذي صنعه وحيد حامد باقتدار، نشاهد عصابات تهريب الآثار في الصعيد، نأكل من يده "يخن عجب"، ونهلك من الضحك وقت لقائه بصديق عمره "حمامة"/ سعيد صالح وجولتهما بين الموالد، نشاركه أحلام الزواج من "نعيمة"/ رجاء حسين، والحكايات المؤلمة لرفيق الرحلة "حسين"/ عمر الحريري.. من أول عمل حتى آخر نفس ظل وحيد حامد مُدهشا على الدوام.

حينما وقعت عيني على خبر الوفاة بكيت بحرقة؛ تذكرت كل مشهد وجدت فيه نفسي: دموعي المنهمرة لحظة وفاة جابر عميش في دم الغزال، ورِهاني الذي لم أخسره معك يوما في كل فيلم شاهدته يحمل توقيعك، وسيرتك الجميلة ومواقفك المشرفة، سيناريوهاتك البديعة وأعمالك الأيقونية، وأبطالك الذين يشبهوننا، نقاشاتنا- أنا وفريق التمثيل بالجامعة- حتى الفجر بعد العرض الأول لعمارة يعقوبيان- في سينما أوديون.. قالوا إنك راحل؛ ومعك جزء أصيل من روح مصر وخريطتها، تاريخها وتكوين ناسها.

بكيتك من قلبي، وتذكرتك بكل الامتنان؛ ومعك والدي وصديقه "بواب الجنة" الذي أدخلني السينما، ولأجمل طبق كشري.. لذكرى تركتها في نفس طفل أحب السينما والعدالة، الحرية والفن، الوقوف إلى جوار البسطاء وصنعة الكتابة، النزاهة وحب الوطن.

إعلان