إعلان

التقارير المحلية وتصنيف مصر في مؤشرات الحوكمة

د. غادة موسى

التقارير المحلية وتصنيف مصر في مؤشرات الحوكمة

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:00 م السبت 30 يناير 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تصدر معظم دول العالم تقاريرَ محلية لرصد وتحليل أوضاعها من جهة، ولمساعدة صانع القرار على اتخاذ قرارات جيدة وفعالة ومستجيبة، وأيضاً من أجل إعلام المجتمع المحلي والدولي على اتساعة بأوضاع الدولة بالنسبة لقضية أو موضوع بعينه.

ومن ثم هناك حاجة ملحة للتقارير المكتوبة التي توثق الجهود ومراحل التقدم في كل الموضوعات والسياسات التي تضعها الدولة. وبالتالي، هناك أهداف وراء كتابة ونشر التقارير، أو بعبارة أخرى تحديد الغاية من التقرير؛ من حيث جمع المعلومات وتحليلها وصياغتها في شكل علمي وسياساتيpolicy oriented reports . وهذا ما يميز التقرير الجيد عن التقرير البسيط الذي يهدف إلى تقرير حالة معلومة.

وقد أصدرت مصر خلال السنوات الثلاث الأخيرة في موضوع الحوكمة عددا من التقارير كان أهمها تقرير "حالة الحوكمة في مصر"، وقد تناول حالة الحوكمة الاقتصادية وحوكمة الشركات والحوكمة الإدارية والحوكمة السياسية. وجاء هذا التقرير من خلال تطبيق الآلية الأفريقية لمراجعة النظراء. وقد شرفت بأن أكون من بين الباحثين المكلفين بموضوعي الحوكمة الإدارية وحوكمة الشركات، قبل أن أغادر العمل مع الحكومة. وقد أثنت القيادة السياسية والاتحاد الأفريقي على التقرير المصري. وكنت على ثقة كبيرة بنجاح هذا التقرير؛ لأني كنت- وقتها- قد اطلعت على التقارير الأفريقية، ولم تكن بشمول وعمق التقرير المصري. ولكن لم ينشر التقرير المصري حتى الآن لتطلع عليه المراكز البحثية والجهات الدولية، وبالتالي يؤخذ بعين الاعتبار عند تقييم أداء مصر بالنسبة لتطبيق سياسات ونظم الحوكمة.

كما صدر منذ أسابيع تقرير آخر، وهو تقرير "مركز الحوكمة والتنمية المستدامة" حول "وضع مصر في مؤشرات الحوكمة" في حوالي ٣٧ صفحة، بالإضافة لتقرير حول وضع مصر في مؤشر التنافسية الدولية.

وفي هذا الإطار، أثمن خروج هذه النوعية من التقارير المحلية الوطنية، ولكن أعود مرة أخرى للتساؤل حول الهدف من تلك التقارير؛ فقد رصد التقرير وضع مصر في كل مؤشرات الحوكمة عبر سنوات متعددة، فهو تقرير وصفي لرصد الحالة المصرية. وغاية أي تقرير هو التحليل. وكنت أتمنى أن يكون عنوانه "تحليل وضع مصر في مؤشرات الحوكمة". لأننا جميعًا، سواء من الخبراء أو الباحثين أو الجهات الرسمية ذات الصلة أو المهتمين بموضوعات الحوكمة على دراية بأن معظم مؤشرات مصر هي أقل من ٤ درجات في المجمل العام. علما بأن المحور المتعلق بالشفافية والحكومة الجيدة في خطة مصر للتنمية المستدامة قد وضع هدفا في عام ٢٠٢٢، وهو الانتقال لأكثر من ٤ درجات في معظم مؤشرات الحوكمة. كما أن المؤشرات التي رصدها التقرير- على حقيقتها- تتناقض مع خطط التحول الرقمي التي من المفترض أن تنطلق بتلك المؤشرات إلى أكثر من ٥ درجات لكل مؤشر.

ولا تنفصل المؤشرات التي رصدها التقرير عن مؤشر مصر في مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية عام ٢٠٢٠ هذا الشهر، والتي ما زالت تحت ٤ درجات (ولا يعنينا ترتيب الدول في هذا الصدد، لأنه ترتيب متغير بحسب قدرة واضعي المؤشر على جمع البيانات من دولة ما). وبالتالي ينبئنا هذا المؤشر ودرجة مصر فيه عن العلاقة الوثيقة بين الحوكمة والوقاية ومكافحة الفساد (الباب الثاني من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد الخاصة بالإجراءات الوقائية).

وبالعودة لتقرير وضع مصر في مؤشرات الحوكمة كان من الأهمية بمكان أن يكون تقريرا "أفقيا" وليس "عرضيا"، بمعنى أن يكون هدفه مؤشرات الحوكمة المعبر عنها بدرجات، وليس العكس. أي أن يقيس حالة الشفافية في كل المؤشرات وأن يقيس حالة حكم القانون في كل المؤشرات، ثم حالة النزاهة في كل المؤشرات، فحالة الخدمات الحكومية في كل المؤشرات... إلخ؛ لأن التقارير الرأسية المتعمقة تمكننا من التحليل بشكل أفضل، هذا من جانب.

وعلى الجانب الآخر- وعلى الرغم من أن التقرير صادر عن مركز الحوكمة والتنمية المستدامة- فلم يتم الربط بين مؤشرات الحوكمة ومؤشرات التنمية المستدامة، على الأقل المؤشر رقم ١٦ أو أحد محاور خطة مصر للتنمية المستدامة.

فالحوكمة تهدف لتحقيق الاستدامة؛ لأن صنع السياسات الجيدة والإدارة الجيدة لموارد الدولة تحقق الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

وهذا جانب أغفله التقرير، حتى وإن كان يتحدث عن وضع مصر في مؤشرات الحوكمة؛ حيث ربط المجتمع الدولي منذ عدة سنوات بين الحوكمة الجيدة وتحقيق الاستدامة. ولا يكاد يخلو تقرير دولي من هذا الربط. وتتجلى أهمية هذا الربط في عدم فصل الجهود والتحديات عن موضوعات الحوكمة ومؤشراتها: بمعنى أنه مع كل مؤشر لا بد من تحليل التحديات وربطها بالجهود، ومن ثم الخطة المستهدفة لتحسين المؤشر.

أما بالنسبة للمؤشر المحلي لمنع ومكافحة الفساد، فلم يختلف كثيراً عن المؤشرات الدولية لأنه ما زال "مؤشر إدراك"... حالة الفرد مع ظاهرة الفساد. فمن الطبيعي إذا سألت أي فرد في أية دولة: هل هناك فساد حتى في الدول المتقدمة؟ سيجيبك بـ" نعم". والمؤشر تم بناؤه على متغير "جهود مكافحة الفساد" وليس على ظاهرة الفساد أو موضوعه. وبالتالي هو مؤشر محلي يتناول إدراك المواطنين لجهود منع ومكافحة الفساد، وليس منع ومكافحة الفساد. وهذا مفيد ومكمل لمؤشرات منع ومكافحة الفساد. وكنت أتمنى أن يتم العمل على مؤشر وطني للقياس وليس للإدراك. ومصر قادرة على إنتاج هذا المؤشر.

وأخيرًا ، وليس آخرًا، من الأهمية بمكان معرفة المستهدف من تلك التقارير، وهل هي لصانع القرار، أم لا.

مشكلتنا ليست مع صانع القرار، وإنما مع المجتمع الدولي الذي يحتاج إلى أن تصل الرسالة له. والتواصل معه يحتاج لأدوات متعددة.

إعلان