إعلان

إدارة عائدات النفط الليبي

محمد جمعة

إدارة عائدات النفط الليبي

محمد جمعة
08:52 م الخميس 09 يوليو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بيان مهم جدًا صدر عن مؤسسة النفط الوطنية الليبية (N O C) في 29 يونيو الماضي، تحدثت فيه عن مفاوضات تتعلق بطريقة توزيع عائدات النفط، تجري الآن بين أطراف ليبية وأخرى إقليمية ودولية.

هذا البيان المهم لم يحظ بالاهتمام المطلوب، ربما بسبب انشغال الجميع بالتطورات الميدانية التي حدثت قبل عدة أيام في قاعدة الوطية في الغرب الليبي.

صحيح أن رسائل الضربة الجوية القوية التي تعرضت لها الدفاعات التركية في قاعدة الوطية، ذات طابع استراتيجي، سواء من زاوية الدلالات السياسية أو العسكرية... لكن هذا لا ينفي أن أي تغيير في طريقة توزيع عائدات النفط الليبي سيكون له تداعيات كبيرة على مستقبل الصراع هناك، وأن أي اتفاق في هذا الشأن يكسر الولاية الحصرية للبنك المركزي الليبي (الذي يتخذ من طرابلس مقرًا له) على تلك العائدات سيكون أثره حاسم على هيكل النظام المالي في داخل ليبيا، ومن ثم موازين القوى أيضًا.

مؤسسة النفط الوطنية الليبية (NOC) في بيانها المشار إليه، ذكرت أنها "تأمل" في التوصل إلى اتفاق في مفاوضاتها مع حكومة الوفاق الوطني ودول أخرى في المنطقة. كما أعلنت المؤسسة في الأول من يوليو الجاري أنها طلبت من العمال الاستعداد لاستئناف العمل في حقول النفط قريبًا.

المعلومات المتوفرة حتى الآن تشير إلى أن المفاوضات التي تشارك فيها الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وأطراف إقليمية أخرى، تركزت على تقسيم عائدات النفط بشكل مباشر بين أقاليم ليبيا الثلاثة وهي برقة وفزان وطرابلس. وهذا النظام الجديد، بدوره، سيتجاوز البنك المركزي الليبي الذي يتخذ من طرابلس مقرًا له، حيث يتم إيداع عائدات النفط الليبية حاليًا.

حتى الآن لا يزال من غير الواضح بالضبط كيف سيتم تقسيم عائدات ليبيا من النفط وفق أي اتفاق، لكن الاحتمالات تشمل تحديد التقسيم بناء على كمية النفط المنتج في كل منطقة و/ أو حجم السكان في كل منطقة... أيضًا يتضمن الاقتراح الذي تمت مناقشته إنشاء بنك لكل منطقة يتم فيه إيداع الإيرادات. ولا شك أن منح كل إقليم "سلطة" إنشاء مصرفها الخاص للتعامل مع الإيرادات، سيسهم في معالجة الاحتقانات بين القبائل التي تمنع حاليًا تصدير النفط في شرق ليبيا... فلطالما طالب شرق ليبيا بحصة أكبر من عائدات النفط، داعيًا؛ لأن يزيد مصرف ليبيا المركزي من شفافيته، وأن يخضع لتدقيق من قبل الأطراف الدولية. كما كان المسؤولون في الشرق يدعمون إنشاء مصرفهم المركزي الخاص بهم. وفي يناير الماضي، أغلق الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر والقبائل في شرق ليبيا محطات تصدير النفط في المنطقة بسبب مخاوف من قيام مصرف ليبيا المركزي بتوجيه الإيرادات لدعم الميليشيات المتنافسة في الغرب الليبي، ومساعدة حكومة الوفاق الوطني على توظيف المرتزقة السوريين.

بعد ذلك تطور موقف هذه الأطراف، وأصدرت مجموعة من القبائل والوجهاء في شرق ليبيا بيانًا، في 29 يونيو، قالت فيه إنها مستعدة لإعادة فتح المحطات واستئناف الإنتاج إذا أسفرت المفاوضات الدولية عن اتفاق يمنع صرف الإيرادات على الميليشيات.

بالتأكيد، أن أي اتفاق سيتجاوز المصرف المركزي الليبي يمثل تغييرًا ضخمًا في وجهة نظر المجتمع الدولي الحالية بشأن عدم قابلية المؤسسات الرئيسية في ليبيا للتجزئة، الأمر الذي قد يؤدي إلى مزيد من الانقسامات الهيكلية في البلاد.

ففي بداية الحرب الأهلية الليبية عام 2011، كرست الأمم المتحدة مبدأ مفاده أن شركة النفط الوطنية، ومصرف ليبيا المركزي وهيئة الاستثمار الليبية، هي الكيانات الوحيدة التي يمكنها أداء مهامها في ليبيا. وكان الهدف من ذلك منع صناعة النفط المربحة والمؤسسات المالية الليبية من الانقسام أو أن تصبح مسرحًا للمنافسة والتقسيم بين المنافسين. وفي السياق ذاته، تدخلت واشنطن في عام 2014؛ لمنع صادرات النفط التي لم تكن منظمة من قبل مصرف ليبيا المركزي من مغادرة شرق ليبيا. وبالتالي قطعت الطريق على محاولات شرق ليبيا إنشاء مقرات جديدة للبنك المركزي وشركة النفط داخل إقليم برقة.

الآن، الاقتراح الجديد إذا جرى التوافق عليه سيكون له آثار استراتيجية ضخمة تتجاوز مجرد تكبيل يد السراج وفريقه في التصرف بحرية في عائدات النفط الليبي، وتمويل المجهود العسكري؛ لتركيا ودفع رواتب المرتزقة السوريين الذين جاءت بهم أنقرة إلى ليبيا.

والأرجح أن تلك الخطوة قد تدفع في تقسيم الشركة الوطنية للنفط في المستقبل، وزيادة المنافسة بين شرق ليبيا وغربها على السيطرة المادية على الموارد النفطية.

يبدو أن نظام أردوغان وحلفائهم من الإخوان المسلمين لن يزيدوا الأوضاع تعقيدًا وفقط في الشمال الأفريقي، وإنما قد يتسببون في التقسيم الفعلي لليبيا.

إعلان