إعلان

إسرائيل وتفجيرات إيران الغامضة

محمد جمعة

إسرائيل وتفجيرات إيران الغامضة

محمد جمعة
08:53 م الخميس 16 يوليو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ثمة تكهنات بأن إسرائيل تقف وراء انفجار وحريق في منشأة "ناتانز" النووية في 2 يوليو الجاري، وربما بعض الحوادث المماثلة الأخرى التي وقعت بالقرب من طهران على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية، بما في ذلك انفجار يوم 26 يونيو في مجمع الصواريخ "خوجير".

صحيح أن "تل أبيب" عادة لا تعلن مسؤوليتها عن ممارساتها السرية ضد إيران، إلا أن توفر الدوافع وسوابق الماضي القريب يجعل إسرائيل هي الفاعل الأكثر احتمالا للقيام بمثل هذه العمليات التخريبية ضد البنية التحتية والأصول العسكرية الإيرانية.

في الخامس من يوليو الجاري نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤول استخباراتي في الولايات المتحدة الأمريكية، قوله: "إسرائيل هي من وضعت القنبلة القوية التي تم تفجيرها في منشأة جديدة لأجهزة الطرد المركزي في ناتانز". وبالمثل أشارت صحيفة واشنطن بوست ووسائل إعلام أخرى إلى أن عملية إسرائيلية تكمن وراء انفجار 2 يوليو.

قد تشير الزيادة في أعمال التخريب هذه إلى أن إسرائيل في هذه الآونة تعود بالفعل إلى سياسة العمل المنفرد ضد برامج إيران النووية والصاروخية، حيث تشعر " تل أبيب" بالإحباط إزاء ما تعتبره "فشل" الدول الغربية في كبح جماح القدرات العسكرية والنووية الإيرانية، التي تعتبرها تهديدات مباشرة لأمنها. ومع احتمال فشل ترامب في الانتخابات القادمة، ووصول إدارة أمريكية أقل صداقة لإسرائيل لسدة البيت الأبيض في يناير2021، قد تكون الحسابات الإسرائيلية أيضًا أن لديها الآن فرصة مثالية ولكن لفترة محدودة للعمل بقوة أكبر ضد برنامج إيران النووي.

قبل أن تبدأ الولايات المتحدة العمل على الاتفاق النووي الإيراني في عام 2013، والمعروف رسميًا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة(JCPOA) ، كانت إسرائيل منخرطة في حملة طويلة الأمد؛ لتقويض وإضعاف القدرات النووية الإيرانية، والتي تضمنت في المقام الأول عمليات سرية وهجمات إلكترونية واغتيالات تستهدف العلماء الإيرانيين. خلال هذا الوقت، بين عامي 2006 و2012، خططت إسرائيل أيضًا لكنها ألغت العديد من العمليات العلنية الأخرى التي كانت تستهدف المنشآت النووية الإيرانية. ولكن منذ حملة التخريب الإسرائيلية السابقة، استمرت إيران في إحراز تقدم تدريجي في تطوير قدراتها النووية والصاروخية، هذا على الرغم من الجهود الأمريكية والعالمية، مثل خطة العمل الشاملة المشتركة، وحملة الضغط القصوى الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ولهذا من المرجح أن تستخدم إيران تكتيكاتها غير المتماثلة المفضلة مثل: (الحرب السيبرانية، والحرب بالوكالة) رداً على الإجراءات الإسرائيلية المتصورة، مع الاستمرار في تطوير برامجها النووية والصاروخية.

إذ لا يزال التطوير التدريجي لقدراتها النووية هو إحدى الوسائل الرئيسية لطهران للرد على العقوبات الأمريكية المتزايدة، والهجمات الإسرائيلية الأخيرة المفترضة.

وفى هذا السياق قال متحدث باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، يوم 5 يوليو الجاري: "إن حريق الأسبوع الماضي في منشأة "ناتانز" تسبب في أضرار كبيرة، ويمكن أن يبطئ تطوير وإنتاج أجهزة الطرد المركزي المتقدمة على المدى المتوسط، لكنه لن يمنع طهران من الاستمرار في تطوير برنامجها النووي". في ذات الوقت يتضح من محاولات الهجوم السيبراني الأخيرة، أن إيران أضحت فاعلًا إلكترونيًا أكثر قدرة الآن عما كانت عليه خلال حملة التخريب الإسرائيلية 2006-2012، وأنها يمكنها الرد بهجمات ضد أهداف إسرائيلية في المنطقة. ولكن لا يزال من غير المحتمل أن تؤدي إلى حرب إقليمية.

لقد بات واضحًا أن إسرائيل بممارساتها الأخيرة لا تستهدف فقط استنزاف قدرات إيران، وإنما جرها لارتكاب ردات فعل تقضي بها على ما تبقى من الاتفاق النووي أو "خطة العمل الشاملة المشتركة"، بعد الانسحاب الأمريكي في مايو 2018. وذلك عن طريق إثارة رد إيراني يظهر عدم امتثال حكومة طهران وتراجعها عن الالتزام بالاتفاق أمام الأوروبيين.

صحيح أن طهران تحتاج إلى الحفاظ على علاقاتها التجارية مع أوروبا وروسيا والصين للمساعدة في الحفاظ على اقتصادها المثقل بالعقوبات، ولهذا السبب تحرص على عدم تجاوز الخطوط المسموح بها، والحيلولة دون الانزلاق إلى انتهاك صارخ للاتفاقية. ولكن إذا اتضح أن سلسلة الانفجارات الأخيرة بالقرب من طهران هي في الواقع بداية لحملة إسرائيلية أكثر تأثيرًا واستفزازًا، فسيتعين على إيران أن تقرر كيفية تأمين برنامجها النووي من الهجمات المستقبلية، ما قد يعني نقل أنشطتها النووية إلى مواقع عسكرية.

وهذا من شأنه المخاطرة بانتهاك خطة العمل الشاملة المشتركة من خلال زيادة صعوبة وصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المواقع النووية الإيرانية.... فهل ستنجح "تل أبيب" في استفزاز الإيرانيين، وتحقيق أهدافها في توجيه الضربة الأخيرة لما تبقى من الاتفاق النووي مع طهران؟!

إعلان