إعلان

من أجل خريطة التطبيع الجديدة.. إسرائيل تعيد تقديم نفسها

حسين عبد القادر

من أجل خريطة التطبيع الجديدة.. إسرائيل تعيد تقديم نفسها

حسين عبد القادر
07:00 م الأحد 12 يوليه 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع


لم أندهش على عكس كثيرين من الذين سمعوا بقرار لجنة التعيينات بوزارة الخارجية الإسرائيلية الأسبوع الماضي باختيارها المواطن العربي سلطان خالدي (من عرب فلسطين) سفيرا للدولة الصهيونية في إريتريا. ومن خلال متابعتي للإعلام الإسرائيلي الموجه باللغة العربية- منذ فترة ليست بعيدة- فإن دولة الكيان المحتل تقوم بعملية غسل جيدة ومطورة لوجهها، وتعيد من خلالها إعادة تقديم نفسها للمواطن العربي؛ لتقنعه بكل سهولة بقبول فكرة التطبيع والتعايش مع التواجد الإسرائيلي في دول المنطقة العربية، كما خططت لذلك في المرحلة القادمة، وبحيث تؤدي عملية التبييض إلى نبذ أية أحاسيس بمشاعر عدائية نحو إسرائيل.

وهذه الخطوة تأتي متلازمة لصورة المنطقة المتحولة الآن في ظل خطة صفقة القرن، التي يتم التأهيل لتنفيذها بأجواء نشر الفتن وحبك المؤامرات بين الجميع، وكما نرى أصبح البعض يحارب لبعض لنصل إلى النتيجة التي نعيشها اليوم من الفرقة بين الجميع وانهيار جيوش وتفتت دول.

واستكملت شكل المؤامرة بما شاهدناه مؤخرا من تهافت بعض الكيانات العربية الرسمية وهي تهرول لتخطب ود الكيان الصهيوني وتوصل العلاقات وتعقد الصفقات وتتبادل الزيارات في العلن فلم يعد هناك حياء لارتكاب فعلتهم كما كانوا يفعلونها من قبل في السر والخفاء. الكل منهم يود المصلحة ربما درءًا لخطر الصهاينة المنتظر عليهم وهم لا يدركون أن ما أقدموا عليه برغبتهم اليوم سيجبرون غدا على تنفيذه جبرا وانصياعا لتنفيذ ما سيملى عليهم.

إسرائيل وكعهدها متفوقة في صناعة الدعاية لنفسها والتي عادة تكون مغموسة في الأكاذيب. فبدأت منذ فترة تنفذ خطتها بتقديم برامجها الناطقة بالعربية الموجهة بحيث تمحو الصورة الذهنية لحقيقتها العدوانية مغتصبة أراضي الغير وأيديها الملطخة بدماء ضحاياها الأبرياء في مذابح لم تتوقف اختلطت فيها دماء الأطفال بالنساء والرجال وكانت أرواحهم جسورا تمتد فوقها توسعاتهم.

ومن خلال متابعتي لإعلامهم أعتقد أن الموساد قد نجح بتفوق يحسد عليه في تقديم نموذجين. قاما بدورهما بكفاءة نادرة في استبدال الصورة القميئة لهم كمحتل. كلاهما جذوره عربية الأول هو المتحدث باسم جيش الدفاع الإسرائيلي أفيخاي أدرعي العراقي الأصل يتحدث كأنه يعيش وسطنا ويروي لنا حكاياتنا الشعبية ويحاكي الجميع بالعادات والتقاليد ويستند في تسويق أفكاره إلى الأحاديث النبوية والآيات القرآنية.
أفيخاي أدرعي نجح في جذب عدد لا بأس به من العرب غالبيتهم من الشباب يقدر عددهم على صفحته بنحو ٣ ملايين عربي يعلقون على بوستاته عادة بالهجوم والسب وأسوأ الأوصاف ورغم ذلك فلا يمكن استفزازه نظرا لإعداده المخابراتي القائم على حفظ ثباته الانفعالي فلا يبدو غاضبا من الهجوم عليه.

شهرة أفيخاي الحقيقية صنعتها قناة الجزيرة عن عمد عندما استضافته مرارا للرد وتبرير الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة فتحقق لنجاح مهمته في الانتشار أكثر مما كان يتمناه ويبدو أن التنسيق الجيد له دوره الفعال.

نجح أفيخاي في مهمته في غسل أدمغة شرائح شباب عرب بعد إقناعهم بفكرة إسرائيل مجتمع الإنسانية وواحة الديمقراطية وهي الدولة التي تستوعب الجميع داخلها فأصبحنا نرى بمرور الوقت تعليقات لشباب يمدحون (أفيخاي) وبلده الذي يدعي أنه ظلم كثيرا بفعل دعاية كاذبة، وفي عيد ميلاده الأخير ازدحمت صفحته بعشرات ومئات المهنئين من كل البلاد العربية.

النموذج الثاني الذي يكمل ما بدأ خطواته أفيخاي هو "إيلا" امرأة جيش الدفاع الصهيوني ولها أصول من عرب الداخل. وتقدم برنامجا بانتظام عن الجنود والضباط المجندين والعاملين في جيش الدفاع الإسرائيلي من عرب فلسطين، سواء كانوا من بدو أو حضر داخل الوحدات الإسرائيلية. حيث تعايش حياتهم العسكرية وهم يعبرون عن فرحتهم برسالتهم في الدفاع عن الوطن الذي يعتزون بالانتماء إليه وشرف الدفاع عنه.

وعن عمد وبأسلوب غير مباشر تتنقل كاميرا "إيلا" بين محطات التدريب والإقامة والاستعداد للمهام القتالية لتقنع المشاهد بأنه لا تفرقة بين المجند العربي أو اليهودي في أية حقوق أو واجبات.
حلقات أخرى تنقلنا أمام مقابر فخمة للغاية تضم رفات الجنود المسلمين القتلى في صفوف جيش الاحتلال أثناء عملياته العسكرية وعلى بوابات المقابر لافتة تحمل اسم شهداء جيش الدفاع الإسرائيلي دفاعا عن الوطن. ثم تقترب الكاميرا ببطء لتستقر على رجل يرتدي العقال العربي يقرأ الفاتحة في صمت وخشوع قبل أن يلتفت متحدثا أنه فخور بابنه المجند الذي استشهد وهو يحمي وطنه ضد الأعداء.
وهكذا انقلبت الحقائق، وأصبح الصهاينة هم الأشرافَ المحترمين وأصحاب المبادئ والإنسانية والعرب على النقيض تماما بكل ما يبذلونه من تشويه هذه الدولة النبيلة والمجتمع الراقي والإنساني.

أما لماذا اختيار (خالدي) المواطن العربي سفيرا لإسرائيل في دولة مثل إريتريا لها حساسيتها في هذا الجزء الملتهب من أفريقيا، فهذا يؤكد الذكاء والخبث الإسرائيلي.

الخالدي عربي الأصل مسلم سيعمل في بلد 48 في المائة منه مسلمون يتحدثون العربية والـ50 في المائة الباقية مسيحيون من الطائفة الأرثوذكسية الأقرب للكنيسة الشرقية، وهذا أمر مهم في الأعراف الدبلوماسية بدفع الدولة بممثل لها يجد القبول، ويكون أكثر فهما للمكان الذي يعمل به.

إعلان