إعلان

السياسة الذكية في الأزمة الليبية

محمد حسن الألفي

السياسة الذكية في الأزمة الليبية

محمد حسن الألفي
07:15 م الثلاثاء 23 يونيو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

وقع انقلابان في الموقف تجاه الأزمة الليبية، الأول في استيعاب الناس داخليا، والثاني في استيعاب القوى الكبرى خارجيا.

اجتاح المصريين مزيج غريب من المشاعر الفياضة، جمع بين القوة والطمأنينة والقلق، عندما ظهر الرئيس عبد الفتاح السيسي في سيدي براني على الحدود المصرية الليبية وسط قوات من الجيش ومعدات وطائرات حربية متنوعة. مشاعر الطمأنينة والزهو الوطني كانت عالية، لكن الإعلام المصري بعث برسائل خاطئة، كأن الحرب غدا. خارجيا تلقى العالم المعنى الحقيقي لرسالة رئيس مصر عند الحدود مع ليبيا وسط قواته وعتاده.

الهدوء والثقة والكلمات المنطوقة بعناية، وبيان الهدف من الرسالة، كان لها جميعها أكبر الأثر في رد الفعل الايجابي الذي استقبلت به واشنطن وبرلين وفرنسا وموسكو وإيطاليا وقبرص واليونان تحذيرات الرئيس من أن سرت والجفرة خط أحمر بالنسبة للأمن القومي لمصر.

حذر الرئيس من أن التدخل العسكري المصري بات يتمتع بالشرعية الدولية.

في اليوم نفسه، بعد بيان الرئيس، كانت واشنطن أول من أعلن دعم بيان مصر وتفهمها، لكن أقوى البيانات كان أمس لفرنسا. قالت إنها تتفهم دواعي القلق المصري وهو قلق مشروع.

التحرك المصري الذي شاهدناه بالقوات وبالبيان الرئاسي سبقه بالقطع إعداد سياسي دقيق متقن لمسرح العمليات الدبلوماسي. فهناك تنسيق كامل وقوي جدا فيما يخص ليبيا بين القاهرة وباريس.

ولا ننسى أبدا أن فرنسا كانت أول من دق المسمار الأول في جسد نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، واليوم تتجه فرنسا إلى موقف تجد نفسها فيه جنبا إلى جنب مع مصر؛ لأن أمن المتوسط لا يتجزأ.

هذا يفسر قوة وصرامة التصريحات الفرنسية وخصوصا إعلانها أمس أنها لن تسمح لتركيا باستمرار توريد المرتزقة، وسترد بقسوة، وقال ماكرون إن تركيا تلعب لعبة خطرة، وصباح اليوم ردت تركيا بأن فرنسا هي من يلعب لعبة خطرة لا تركيا.

التنسيق مع باريس وواشنطن والإمارات والسعودية والأردن، ثم الاتصالات مع لافروف وزير خارجية روسيا كلها ادت إلى الدعوة إلى وقف إطلاق النار، وزادت روسيا اليوم بأنه واجب التنفيذ فورا.

استجابة العالم لنداء القوة المصرية هو مبعث الزهو الوطني. عادت مصر القوية العاقلة إلى مسرح الأحداث الدولي، قوة رشيدة محركة، ينظر إليها العالم باحترام وبثقة، ويتفهم دورها وثقلها.
ما كانت الدنيا لتنصت إليك وأنت ممزق، منقسم، منكفئ على مشاكلك الداخلية. دولة اختطفها الإرهابيون سنة، نجح شعبها وجيشها في استعادتها، ومضت قيادتها في برامج بناء وتعمير وتسليح وتحضر وترميم علاقات وتصحيح موازين تعامل وخلق توازنات، ومسارات.

يحترم العالم الناجحين والمنتصرين. ومصر دولة ناجحة، حتى وهي تواجه وباء يجتاح اقتصادات العالم ويدمرها، كانت واقفة بقوة مدعومة بثمار الإصلاح الاقتصادي. لولاه لكنا نتسول. وإذا كانت الدبلوماسية المصرية حققت هذا النجاح الدولي الكبير، وهو نجاح أولي بكل المقاييس، فإن الحفاظ على هذا المكسب واستمراره وتطويره يقتضي خططا إعلامية على أسس علمية واعية، يتصدى لها مخططون استراتيجيون من أساتذة وخبراء الاتصال الإقناعي.

للأسف، إن أدوات الدولة الفاعلة لتوصيل رسائل سيدي براني كانت تنتمي إلى إعلام ما قبل وأثناء الخامس من يونيو عام الهزيمة ١٩٦٧. طلب الرئيس وقف إطلاق النار عند سرت والجفرة. دعمت واشنطن في الحال مطلب مصر، وفهمته أنه دعوة إلى وقف لإطلاق النار، وليس إعلان حرب. إعلامنا فهمه أنه الحرب. هلموا هلموا.. والله أكبر.. والله زمان يا سلاحي.

نحن في عصر الحسابات المعقدة.. الكلمة الآن صاروخ فتّاك. منصاتنا الإعلامية قرع طبول إفريقية في غابات استوائية.
مغزى القول هنا أن القائمين على الإعلام المصري والمهيمنين عليه يفتقرون إلى الصلاحية المهنية والسياسية، وأنهم متخلفون عن أداء الرئيس والخارجية المصرية بأميال واسعة؛ لذلك يلهثون فكرا وأداؤهم متهافت.

في الأيام القليلة المقبلة سوف تتسارع الأحداث، ولا بد من إعلام يلاحق بفهم وبوعي وباقتدار التحركات المصرية، ويساندها، وينير للرأي العام الطريق، ويكون له وجود دولي، وهذا دور الاستعلامات، لا أن يستثيره بأناشيد ومارشات، فيضاعف العبء على صانع القرار.

مصر القوية حركت العالم في اتجاه موقفها الشرعي في ليبيا. وستفعل في أزمة سد النهضة.

إعلان

إعلان

إعلان